نصارى العراق وعمق جذورهم التاريخية ? 4

الكاتب: وردااسحاق
نصارى العراق وعمق جذورهم التاريخية – 4 نصارى العراق وعمق جذورهم التاريخية – 4 بقلم د. رضا العطار كان في بلاد ما بين النهرين ايام العهد الاموي، حواضر مسيحية كثيرة، كان من اهمها مدينة الحيرة في جنوب بابل بنحو ثلاثة فراسخ. وكلمة الحيرة لفظة سريانية تعني المخيم بينما تعني في العربية لفظة الحضر، وقد عرفت هذه المدينة لدى المؤرخين بمدينة العرب و جاء اسمها في القرن السادس قبل الميلاد. ومن الحواضر المسيحية الاخرى ما كانت في البصرة ( فرات ميشان ) وفي الكوت ( كشكر) وفي سامراء ( شومرا ) وفي الموصل ( حصنا عبرانا ) وفي قره قوش ( باخديدا ) وفي دهوك ( بانوهدرا ) وفي تلكيف و باعشيقا و زاخو والانبار والحديثة وعانة على الفرات … وغيرها وكان اهل الحيرة عرب ينقسمون الى ثلاث طبقات: التنوخ والعباد والاحلاف. فالطبقة الاولى هم قبائل سكنوا بيوت الشعر والوبر غربي الفرات والثانية استقروا في الحيرة وبنوا المساكن وكانوا مسيحيين. اما الطبقة الثالثة فكانوا من اهل الحيرة و بينهم جماعة من الفرس واليهود والنبط هم بقايا قدماء العراقيين وقد كان بعضهم يتكلم العربية برطانة. وكان للوثنيين من اهل الحيرة اصنام منها اللات والعزّى. وكانت الحيرة من المراكز المهمة في حركة التبشير بالنصانية بين العرب، حتى ذهب قسم من المبشرين الى اليمن والاجزاء الاخرى من الجزيرة العربية لنفس الهدف والباحثون يعزون تنصر الاسرة المالكة في الحيرة الى المنذر بن امرئ القيس المعروف بابن السماء الذي بنى في الحيرة الكنائس العظيمة. وان تنصر هذا الملك جاء بعد حادثة النعمان بن المنذر ملك العرب الذي كان شديد التمسك بدين الحنفاء الذين يعبدون العُزّى وهي كوكب الزهرة، فقد اصيب بضربة من الشيطان، ولم يشفيه احد غير اسقف الحيرة. وعلى اثر ذلك تنصر وعمّد ولداه المنذر والحسن. وعلى اي حال فالمسيحية تغلبت على الحيرة في حدود القرن الرابع للميلاد. وكان الحيريون منذ ذلك التاريخ على اتصال دائم بالمبشرين النصارى. قامت مدينة الكوفة العربية العريقة في القدم على انقاض مدينة سريانية اسمها عاقولا، وعاقول تعني في اللغة السريانية وكذلك بالعربية – الشوكة – كانت تضم جماعات متفرقة من المسيحيين السريان. وكانت محطا لطرق القوافل التجارية. وكان بعض مسيحي الكوفة ينتمون الى الحركات السياسية المعارضة. فلما ثار عبد الرحمن الاشعث على الحجاج، انضم اليه العرب من سكان العراق وجماعات من الخوارج والفرس وكذلك المسيحيين وقد اعتبرهم الحجاج مسؤولين عن هذه الثورة ولعل ذلك كان سببا في معاملته السيئة لهم. ومن المسيحيين الذين اشتغلوا بالسياسة في الكوفة كان خداش الذي ترك دينه واعتنق الاسلام واشتغل في تدريس القران ثم انضم الى الدعوة العباسية في خراسان واخذ يذيع من هناك الممارسات الماجنة لخلفاء بني امية في الشام، فقبض عليه واليها اسد القسري وقطّع اطرافه. ومن الشواهد على ما بلغه المسيحيون من مكانة في القرون الاولى للهجرة المحمدية انه سمح لهم ان يدقوا النواقيس حين يؤذن المؤذن للصلاة وكانت ترانيمهم الدينية تعلو على صوت الامام فلا يسمع. ويروى ان الامام علي بن ابي طالب (س) مرّ بالحيرة يوما فسمع ناقوس الكنيسة يضرب فانشد مع دقاته: حقا حقا حقا حقا صدقا صدقا صدقا صدقا يا ابن الدنيا جمعا جمعا ان الدنيا قد غرّتنا يا ابن الدنيا مهلا مهلا لسنا ندري ما فرطنا ألاّ يومُ يمضي عنا إلا امضى منا ركنا تعد مدينة تكريت من المدن الموغلة في القدم، وقد مرت بادوار تاريخية متنوعة وتعد قلعتها من احصن القلاع واقدمها ويعد سورها من الاسوار القوية وامنعها في التاريخ العسكري. وقد ورد اسمها في مدونات الملك البابلي نبوخذ نصر في القرن السادس قبل الميلاد وامست في القرنين الثاني والثالث للميلاد تحت سيطرة الدولة الرومانية. دخلت المسيحية الى تكريت عن طريق المبشرين الاوائل وتوسعت حتى شملت معظم اهل المدينة، فتعددت الكنائس والاديرة حتى جاوزت العشرة واذا كان ينبغي الكلام عن حواضر اخرى مثل الموصل والبصرة والواسط ، غير اننا اختصرنا الحديث عن الذي ذكرناه اعلاه، وخير الكلام ما قل ودل وقد تفيد الاشارة اكثر من الدلالة. وملخص القول انه كان للمسيحية في العراق حواضر مغلقة خاصة بها، لها خصوصياتها الحضارية والاجتماعية والفكرية وحتى الطقوس الدينية . وبقيت شاهدة لذلك حتى ايامنا هذه مثل بلدة باخديدا ( قره قوش ) وتلكيف وباطنايا وغيرها في شمال العراق دلالة صريحة على المجتمع المسيحي القائم بذاته لذاته، وما هذا الا دليل على التسامح العقائدي الذي نعم به نصارى العراق عبر العصور المتباينة، بدا من العصر الجاهلي ومرورا بعصر ظهور الاسلام في الحجاز والخلفاء الراشدين و الفتوحات الاسلامية وزمن الدولة الاموية وانتهاء بالعصر العباسي. الى الحلقة التالية ..