مقالات دينية

تجسد الله الكلمة في المادة

الكاتب: وردا اسحاق

 

تجسد الله الكلمة في المادة

بقلم / وردا أسحاق قلّو

وندزر – كندا

 ( وأما ما أقترن بالرب ، فصار وأياه روحاً واحدة ) ” 1 قور17:6″                                      

نبدأ أولاً بقراءة مختصرة  لتاريخ الكون لنلتمس منه وجود الله في عمق المادة التي خلقها بكلمةٍ منه . ونقول متى بدأ تجسد الله في الخليقة ؟

 نستطيع أن نقول بأن التجسد بدأ من الذرة الأولى التي خلقها الله . ففي الأنفجار الكوني العظيم بدأت الخطوة الأولى في التجسد ، لأن الله كان يعمل في ذلك التكوين ويخلقه بكلمةٍ منه ، والكلمة هو المسيح الموجود منذ البداية  وكما نفهمه من أول آية من أنجيل يوحنا ، وكذلك دوَّنَ لنا في الآية الأولى  من رسالته الأولى ( ذاك الذّي كانَ منذ البدء ، ذاكَ الّذي سَمعناه ، ذاكَ الّذي رأيناهُ بِعينَينا ، ذاكَ الّذي لمسته يَدانا مِن كلمةِ الحَياة )

وكذلك نقرأ في أول آية أيضاً من سفر التكوين ( في البدءِ خلق الله السموات والأرض ) ، فلا يمكن أن ندرك عملية تطور الخليقة إلا بموجب هذا الوجود الفعال الذي جعل المخلوقات تتطور . كان لله حضوراً في كل شىء ، كما علينا التركيز على ( الكلمة) ووجوده في عملية الخلق ، أنه المسيح الذي نؤمن به بأنه الأول والآخر . كان حياً وسيزل ، والكون كان يحمل وجوده منذ البدء ، أي كان حاضراً منذ بدء العالم . ظهر الله الكلمة مع ضيقين غامضَين زاروا أبراهيم وشاركوه في الطعام على مدخل الخيمة ” تك 18:8″ وكذلك تجسد في هيئة ملاك لكي يقاتل يعقوب الذي حاربه بقوة وفرض عليه يعقوب شروطه لكي يباركه ” تك 32″ إنه شرك النار ، حيث السحابة المعتمة أو المضيئة التي كانت تصاحب الشعب العبري في رحلاته ، كان رمزاً للتجسد وحضور الله بينهم ” خر 21:13″ وكذلك تجسد لموسى في صورة عليقة مشتعلة . في كل هذه الحالات كان الرب يظهر بنفسه ، ويختفي، وهكذا كان يتجسد بحضوره في خيمة المعبد التي كانت ترمز إلى بيت الله.

وفي هيكل سليمان عند أفتتاحه ظهر كسحابةٍ ملأ المكان كله ، لأن الله لا تسعه المعابد والبيوت ( فأنه هل يسكن الله حقاً على الأرض ؟ إن السموات وسموات السموات لا تسعك ، فكيف يسعك هذا البيت الذي بنيته ؟ ) ” 1مل 28:8 ” فالرب يقول ( السماء عرشي والأرض موطيء قدمي ، فأي بيت تشيدون لي ؟ ) ” أش 1:66″ . وهكذا كان وجود الله الكلمة في تابوت العهد رمزاً ، والتابوت كان رمزاً للعذراء التي حملت الكلمة في أحشائها ، بل حملت أول قربانة حقيقية لمدة تسعة أشهر . مريم كانت بيت القربان ، وفيها تجسد الكلمة تجسداً حقيقياً ، ومنها أخذ له جسداً بشرياً فبدأ تجسد الله لكي يظهر بين الناس ويعلمهم طريق الملكوت فتقدس العالم به . كما أراد الله أن يتجسد بثالوثه على جبل التجلي أمام تلاميذه ليعرفوه على حقيقته قبل أن يقدم الكلمة ذاته ذبيحة مرضية لله الآب على الصليب . يسوع  قبل موته أراد أن يقدم جسده ودمه لتلاميذه في العلية على شكل خبز وخمر ، لأنه لا يمكن أن يعطي جسده الحقيقي ودمه الحقيقي لكل الأجيال ، فمَثَل الجسد بالخبز ، والدم بالخمر . وهذا  يعني حرفياً تحول الجوهر ، أو بتعبير آخر ، الخبز والنبيذ اللذَين ليسا إلا طعاماً مادياً أصبحا على أثر تقديسه لها عاملين لوجوده الحقيقي ، أي حدث تحول للجوهر فتحول من جوهرِ إلى جوهر . وهكذا يحدث عندما يرد الكاهن في القداس الإلهي نفس الكلمات على الخبز والخمر لكي يهبط عليها الروح القدس فيحولها إلى جسد ودم المسيح وليس إلى رمزهما ، ويتجسد فيها .

نعم المادة تبقى كما هي في بنائها الذري والجزئي إذا ما تم تحليلها مختبرياً بعد التقديس . أي الخبز سيبقى خبزاً ، والخمر كذلك . من الناحية الطبيعية والكيمياوية . أما الجوهر فإنه يقف في مستوى آخر والذي يختص بمظهر هذه الحقيقة غير المادي . قبل التقديس لم يكن للخبز والخمر إلا طعاماً عادياً ، لكن بعد التقديس تغيّرَت بحسب غاية المسيح وبكلمات الكاهن إلى الجوهر ، إلى جسد المسيح نفسه ودعامة حضوره الحقيقي . هنا كل شىء يتم على مستوى الحواس .. والنية .. ومن هنا نفهم نحن المؤمنين معنى الوجود الحقيقي للرب المتجسد في القربان فلا نتجرأ بتدنيس ذلك الخبز أو الخمر عمداً لأننا نعلم بأننا سنصيب المسيح نفسه في الصميم لكوننا نعلم بأن الربُ حاضر في الأفخارستيا حضوراً حقيقياً . وهذا ما نسميه منهج الأيمان بالحضور الحقيقي للمسيح في القربان . كذلك يهين الرب كل مؤمن يتناول جسده ودمه بدون أستحقاق ، أو لكونه لا يرى فيه جسد الرب المتجسد وكما يقول الرسول ( فمن أكل خبز الرب أو شرب كأسه ولم يكن أهلاً لهما فقد جنى على جسد الرب ودمِه ) ” 1 قور 27:11 ” كذلك طالع الآية “29 ” .

 من يأكل جسد المسيح ويشرب من دمه يشترك في آلوهته وحسب الآية ( من أكل جسدي وشرب دمي ثبت فيّ وثبتُّ فيه ) ” يو 56:6″ وهكذا يحصل الأنسان إلى مرتبة الآلوهية ، فالقربان هو ثمرة الحياة عكس ثمرة شجرة معرفة الخير والشر التي أوقع المجرب الأبوين بها بقوله : إن أكلتم من ثمارها ستصبحون آلهة . علماً بأن الشجرة الأولى كانت ترمز إلى الشجرة الثانية أي المسيح ، وبالمسيح نشترك في الآلوهة  الحيقية .

الأفخارستيا نعمة إلهية مجانية في متناول كل مؤمن ، والجميع مدعويين إلى تلك الوليمة وبدون مقابل ، فالمسيحية في سر الأفخارستيا هي فوق كل المعتقدات لأن المسيحية هي الدين الوحيد الذي يسعى إلى تأليه الأنسان لكي يصبح سامياً ومتواضعاً ومحباً للجميع ، وهكذا تجمع المسيحية بين القمة الشاهقة والتواضع العميق ، لهذا قال الرسول بطرس في رسالته الثانية ” 4:1 ” ( أثمن المواعيد وأعظمها ، لتصيروا شركاء الطبيعة الإلهية في أبتعادكم عما في الدنيا من فساد الشهوة )  . ليس بقدرتنا ، بل بمحبة الآب لخاصته لكي يدعو أبناء الله ( طالع 1يو 1:3 ) فعلاً من يتناول القربان بأستحقاق سيصبح أبن الله ، فعلينا أن نُقَدِّر هذه النعمة السماوية ونشعر بها عندما نتقدم من سر الأفخارستيا .

ولربنا المتجسد بيننا كل المجد  

 

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!