نحو طريق البّر والقداسة

الكاتب: وردااسحاق

نحو طريق البرّ والقداسة

ميلاد الرب هو ميلاد للحياة الجديدة المعدّة لخلاص البشر. وبموته تم الصلح بين السماء والأرض، بين الله والأنسان، بين الناسوت واللاهوت. فالعلْويين تقدموا نحو السفليين، والسفليون نحو العلويين. هكذا أنشق حجاب الهيكل فأنفتح الطريق للأنسان نحو الله. وطريق الله نحو النفس البشرية. في العهد القديم لم يكن هناك أي طريق يربط الله مع الأنسان. لهذا قيل (.. تنوح الطرق المفضِيةُ الى صهيون، لأنها أقفرت من القادمين الى الأعيادِ ! )”مرا 4:1″. كانت هناك خطة إلهية لتدبير الخلاص لبني البشر والشركة في الطبيعة الألهية. تمّ التجسد فتهلل الملائكة والسموات والكواكب مع الشمس والقمر والأرض وكل ما تحتويه. انقضى زمن الدينونة بعد أن تم الفداء تحت الشركة مع الروح والأتحاد مع سر الله. إذا لم نتحد بالمسيح وندخل في سره بالشركة معه لن نستطيع أن نعطي ثمار الروح . البذرة الألهية هي الكلمة التي حلّت في بطن العذراء، ويجب أن يحل في كل نفس لكي تولد ولادة جديدة وروحانية، وكما تقول الآية (بخوفك يا رب حبِلنا في أحشائنا وتمخضنا وولدنا روح خلاصِكَ)”أش 18:26″. هذه الولادة التي طلبها الرب من نيقوديموس. بعد هذه الولادة ولكي يعيش الأنسان الجديد نقياً وطاهراً فعليه أن يسمع ويتكلم ويعمل. السماع يحتاج الى صمت وإصغاء بدون كلام، كما فعل مار يوسف البتول، أي نسمع لمن يتكلم ألينا، وبعد ذلك نتكلم للآخرين أي نزرع الكلمة فيهم فننشر البذار. فالذي يسمع الكلمة بإيمان ويبشر بها عليه أن يعمل بما سمعه ويتحدث به لكي يكون مثالاً حياً للآخرين فيقتدون به. قائد العربة يسيطر عليها من خلال المقود والموقف القدمي، هكذا الرب في الأعالي يقود المخلوقات. فالمخلوق البشري يجب أن يعمل بحسب وصايا الخالق لكي يسير نحوه فيرتقي في قيادة نفسه ويرتفع نحو العلا عندما يجاهد من أجل العمل بالفضائل المطلوبة مُبتدءً من قاعدة الأتضاع ومخافة الله لكي يعيش مثل فاديه الذي قال : (تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب)” مت 29:11″ فكل من يضع نفسه يرتفع والعكس يقوده الى الكبرياء والهلاك. وبما أن الكبرياء هو أرذل الرذائل فعليه أن يتجنب طريقه. أما التواضع فهو أفضل الفضائل، وهو القاعدة الأمينة التي نستطيع أن نرتكز عليها لبناء حياتنا الأرضية الزمنية بحسب محبة الله ووصاياه. والله يعمل في الضعفاء(قوتي تكمن في الضعف)هكذا يستطيع أن يتحمل كل الصدمات الموجّهة اليه ويترقّى في سلم القداسة والحياة الجديدة. فالمتضع عندما يُشتَم ويُهان عليه أن يفرح كما أنه قد مُدِح أمام الناس. والذي ضرب على خده، عليه أن يعرض خده الآخر. والذي يُسرَق كأنه لم يُسرَق. هكذا يستطيع أن يتعامل مع كل أنواع التجارب فينال منها الفرح والمكافأة. الفرح الدائم مطلوب من كل مؤمن(كونوا فرحين في كل حين)فالأنسان الذي يريد أن يكون مُرضياً عند المسيح، عليه أن يفرح ويبتهج ويتهلل في جميع الضيقات التي تحل عليه. لا وبل أن يشكر الله بفرح أثناء التجربة ويعتبرها هدية من الله الذي سيكافؤه بعد الأمتحان. هكذا سيلتهب بغيرة الأشتياق الى الله وكل شىء في هذا العالم يكون بالنسبة له نفاية. ولأجل حبه للمسيح عليه أن يتخطى كل الأوجاع ويجعل منها سلاماً وبرداً. أما الأنسان الذي لم يهيىء نفسه ولم يُعدّها لتحمل التجارب والآلام والمِحن وللمغفرة فهو ليس إبناً للحياة، لأنه لن يتشبه بمُخلّصه الذي كان يتنازع على الصليب وهو يطلب المغفرة لصالبيه، فقال يسوع : (يا أبي، أغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون!) وأيضاً لن يقتدي طرق القديسين الذين تحملوا كل شىء من أجل الأقتداء بالمسيح وحباً به. فالذي لا يقتفي خطوات المسيح ولا يقتدي بالقديسين، لا يصل الى درجة النضوج والكمال الروحي. الأنبياء والرسل والشهداء كانوا يفرحون في الضيقات ويجدون مسرةً في التجارب والضيقات، وكانت راحتهم في المعاملة السيئة من الآخرين وفي الآلام. قيل أنهم كانوا يفضلون المذلة مع شعب الله، بدلاً من التمتع الوقتي بلذة بالخطيئة (طالع عبر 25:11). كما قيل أيضاً (يا بُنَيَّ، إن أقبلت على خدمة الرب الأله، فأثبت على البِّر والتقوى وأعدد نفسك للتجربة، أجعل قلبك مستقيماً وأحتمل بصبر، ولا تتسرع في وقت المحنة، التصق بالرب ولا ترتد عنه تنمو في أواخر حياتك. كل ما يأتي عليك أقبله بفرح وكن صابراً إذا وضِعتَ في حالة ادنى، فأن الذهب يُمحص في النار. والمقبولين من الناس يُمحصون في أتون الأتضاع، آمن به وهو يعينك..)”أبن سيراخ 2: 1-7″. هكذا نستطيع أن نصمد وننمو في الفضيلة والقداسة فنصلب افكارنا في الصلاة والتضرّع ولا نتهاون في خلاصنا مكملين وعد الرب (صلوا ولا تملّوا) وهكذا يجب أن نكون خداماً متضعين عاملين بصبر وفرح. قال الرسول في “2كو 6: 4-5″ (في كل شىء نُظهر أنفسنا كخدام الله : في صبر كثير، في الشدائد والضرورات والضيقات والضربات والسجون والأضطرابات والأتعاب والسهر والصوم). كما علينا أن نتذكر قول الرب دائماً (ما أضيق الباب وأعسر الطريق المؤدّي الى الحياة ! وقليلون هم الذين يهتدون اليهِ)” مت 14:7″. في الختام علينا أولاً أن نبتعد عن مصادر الخطيئة، أو نستعد لها، ونفحص أنفسنا كل حين ونتعمق في قلوبنا للتعرف على سقطاتنا فنلتجأ الى الرب بثقة لكي يحرر نفوسنا من نقائصنا الظاهرة والمخفية والتي عملناها بأرادتنا أو بدونها. عندما نطلبه حقاً وبنقاوة القلب فهو حسب وعده يكشف لنا ذاته سريعاً مطهراً قلوبنا النجسة من كل شر ووصمة. وعلينا أن نصارع بالعقل والأفكار وبقدراتنا الداخلية المخفية دون أن نتهاون، هذا هو الصراع الحقيقي للنفس بحسب الله ضد الأفكار العديدة التي للقوات الشريرة غير المنظورة ” أف 12:6″. هكذا سيتقدم المؤمن في الفضيلة والقداسة فترتفع أنظاره وأفكاره نحو السماء ويتخلص من كل العادات والميول الشخصية ويقترب صوب الهدف بقوة النعمة والمواهب التي يزرعها الروح القدس في قلب كل من يسأله ” لو 13:11″. متى ظهرت حرارة الروح القدس في الأنسان فيتفرغ للهذيذ بعظائم الله وتظهر منه قدرات ومواهب كما في القديسين، حينئذٍ سيخلص بنِعَم الآب والآبن والروح القدس.

ولألهنا المجد دائماَ بقلم وردا أسحاق عيسى ونزرد – كندا

..