موعظة الأحد الثاني من الصيف (3/8/2014)

الكاتب: المطران سعد سيروب
 
موعظة الاحد الثاني من الصيف
 
انجيل لوقا 15

الموضوع الرئيسي في هذا المثل هو “الآب”. فلا يزعجه موقف الابن الذي تركه وبذّر ميراثه. ما يقلقه حقاً هو أن الابن بعيد ويعاني من ضيق كبير. وعندما يرجع الابن، فلا يهتم الى كلمات الابن الذي يقول له: “عاملني كأحد أجرائك”: المهم بالنسبة له هو ان الابن فهم قلب الآب ورجع اليه. وهذا هو السبب في فرحه: “ان أبني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد”. هذا هو الوجه الحقيقي لله، وجه يختلف عن الكيفية التي فهمه بها الفريسيون والكتبة.
لو نظرنا الى صورة الابن الاصغر، فاننا سنلاحظ بان مشكلته لا تكمن في كونه طلب نصيبه من الميراث وبدده مبتعداً عن بيته (وان كان هذا يعتبر أهانة للأب الذي لا يزال حياً، فهو يعلن موته، الخطيئة تميت معنى الله الآب في داخلنا). فسلوكه هذا ليس إلا نتيجة لاعتقاد مترسخ في نفسه، وهو ان البيت صار سجناً له، وان أبيه صار حابساً له ومقيداً لحياته واختياراته، وان الابتعاد عن البيت هو السبيل الوحيد لوجدان الحرية الحقيقية. هذه هي الخطيئة الرئيسية للابن الاصغر. رجوعه الى البيت، مدفوعا من الجوع، يصل الى قمته في قوله واعتقاده بأن عمله كأجير سيكون كافياً لكي ما يصلح موقفه، ولكنه لم يفهم عمق حبّ الآب ولا عمق خطيئته. التوبة هي رجوع الى بيت الآب، وليست مجرد ثمن ندفعه. التوبة هي تغير العقلية.
الابن الكبير بدلاً من مقاسمة الآب فرحه برجوع أخيه، نراه يُظهر عدم تفهم لمعنى البيت، بيت الآب. فهو يرى نفسه كالاجير في بيت ابيه، يعمل بحثا عن المكافأة، ويرى أن البقاء خارج البيت أفضل. انه أبن أمينٌ ولكن روحه ليس روح إبن، بل روح الخادم العاجز عن تقاسم فرح الآب. تعطلت علاقته بأخيه.، فلم يعدْ يراه كأخ، بل خاطىء عليه أن يدفع الثمن.
الشخصية الرئيسية في المثل ليست أذن الابن الصغير ولا الكبير، بل الأب الذي يختبر سوء الفهم من جانب الابناء لما يكنه من حبّ ورحمة. أنه أب يعيش بالحب ويحكم بالحب ويفرح بالحب. كان لكلّ من الابنين فكرة خاطئة عن أبيه. ظن الأول أن سلوكه لن يسمح لأبيه بعد الآن أن يعتبره ابنه، فأمل بالاحرى أن يكون كأحد أجرائه. ولكن أباه منعه من أن يتلفظ بكلمة “أجير”. هو لا يرى فيه إلا إبناً مح*بو-باً، أبناً كان ضالاً فوجد.
واعتبر الابن الاكبر نفسه خادماً لدى أبيه: “كم لي من السنين أخدمك”. بل، حسب نفسه خادماً لم يحصل على حقه: وظهر الظلم في نظره حينذبح أبوه العجل المسمن من أجل الاصغر، ساعة لم يحصل هو على جدي يتنعم به مع أصدقائه. وتابع كلامه فقابل نفسه بأخيه: هو الأكبر ما فتئ يعمل من أجل مصالح أبيه. أما أخوه الدنيء التافه فبذر مال أبيه مع الزواني, وهكذا بدا له أبوه سيداً شريراً وملّاكاً لا يميز بين خدمة تقدّم له وإساءة تصيب خيراته.
ان جواب الاب هو نداء لتجاوز مفهوم الأجير. وهي تعني أولا العلاقة بين الأب والبكر: “كل ما ليّ هو لك”. فهو حين أشتغل مع أبيه اشتغل من أجل منفعته أيضاً. لا يجب أن يكون موقفه موقف خادم ينتظر أجرته، بل موقف الإبن الذي يملك كلُّ ما يخص أباه. فبينما يسمي الاكبر الاصغر “بابنك هذا”، يسارع الأب الى تصليح العبارة: “أخوك هذا”.
الله هو آب يحب الانسان ويريد ان يعطيه الحياة.

 ..