من تاجَرَ بدماء شعب غ*ز*ة؟

الكاتب: د. محمود عباس
من تاجَرَ بدماء شعب غ*ز*ة؟

د. محمود عباس
تؤكد الإعلام الإ*سر*ائي*لي، وبخباثة على أن دولتها خسرت المعركة، وتدهورت معنويات الشعب اليهودي في جنوبها، وإن أسلحتها الدفاعية لم تعد قادرة على مواجهة المقاومة، وصواريخ الجناح العسكري لح*ما*س. وحكومة نتينياهو، لا ينفي هذا إلا في بعضه، وبمكر، ليجعل من هذا النفاق ورقة التلاعب ضمن الأروقة العالمية، وعليه، يطرح متطلباته، المادية لدعم اقتصاده، مقابل الهدنة، وتقوية وتوسيع شبكة الدفاعات المدنية للمستوطنات المرعوبة، والأهم هو تعزيز ترسانة أسلحتها بنوعية أكثر تطوراً. سياسة ماكرة، ولا شك، تكاد تمرر على السلطة ا*لفلس*طينية بكل منظماتها، المهللة بانتصارها الأسطوري، فصدقهما شعب غ*ز*ة المعاني والمدمر، الشعب الذي يعاني من أحد ابشع أنواع الاستعمار والمبرر من قبل معظم الدول الكبرى، تحت حجج الدفاع عن الذات، الحجج التي تقدمها لهم المنظمات المدعية بالمقاومة والتي خلقتها الموساد يوما، والقصد هنا ح*ما*س وبكل بساطة، المنظمة التي خرجت من تحت هيمنة إس*رائي*ل، لتنجرف إلى أحضان هيمنة قوى إقليمية لا تقل عنها بشاعة وخبثا وتلاعبا بمقدرات الشعب الفلسطيني البائس، سابقاً السلطة السورية، المتاجرة بهم على مدى عقود، تحت شعار المقاومة والصمود، واليوم أئمة ولاية الفقيه، بعد أن أخرجتها من تحت عباءة دول الخليج، ليتاجر بهم لمصالحها، المذهبية والقومية.
  ضخمت ح*ما*س انتصاراتها، مقابل الدعاية الإعلامية الإ*سر*ائي*لية المغرضة حول الخسارة، والتي وسعها البعض، لغاية، إلى سوية الحرب، وهللت لها قادة المنظمة والمنظمات التابعة لها، سخروا مقاومة شبيبة يفدون ذاتهم للوطن برخص، ودمار غ*ز*ة، لانتصار سياسي، إعلامي، لذاتهم أولاً وللمنظمة ثانية، دون مقارنة ولو إنسانية بدماء العائلات التي اندثرت تحت الأنقاض كليا، وعشرة ألاف إنسان جريح كان أصلا يعاني من الفقر والبطالة والتشرد، وأضيفت إليهم الآلام الجسدية والنفسية، ولما لا، فمتى كان للإنسان قيمة في شرقنا؟
   لا يشك بوطنية قادة المقاومة، ولا بقادة المنظمة، لكن الشكوك تدور حول مدى بعد الرؤية في التمييز بين الوطن والمنظمة، وتفضيلهم إيديولوجية المنظمة الإسلامية السياسية التابعة لاستراتيجية الهلال الشيعي، رغم سنيتهم في وطن سني، والشكوك بالثقافة التي تدفعهم ليروا الوطن في ذاتهم والمنظمة، ويجعلون انتصاراتهم السياسية انتصاراً للشعب، فلا قيمة للدمار والألآم والشهداء أمام انتصارات المنظمة إعلاميا، الشكوك تدور حول إحساساتهم الإنسانية، وإلا فكيف يسيرون المسيرات ويرفعون الأعلام على جثث ألفي شهيد، ويقنعون الشعب بالفرح في شوارع مدمرة وشعبها في الشتات، يحتمون بخيم ممزقة على أطراف غ*ز*ة، أي ضمير يتحمل  أن يفرض على  الشعب التحمل مرارة الصراع غير المتوازن، وهو الذي بقي يعاني من قسوة الاستعمار، وما حقق لا يتعدى أكثر من لقمة يابسة لجائع  بين الحياة والموت، مقابل سقف كان يحميه قساوة الطقسين، طقس ظلم إس*رائي*ل، وظلم الطبيعة، واليوم زال السقف أيضا وبقيت المظالم.
   ربحت ح*ما*س! وتشهرها، على الملأ، وتفتخر بأن الإعلام الإ*سر*ائي*لي تعترف بالنتيجة، ولا تود أن ينتبه الشعب إلى نتائجها الواقعية، الدمار الفظيع، والألاف من المشردين، الذين هم في العراء وسيبقون كذلك على مدى سنوات، فمن سيدفع، هذه الكميات الهائلة من الأموال والمواد؟ ومن سيتكفل، بطبابة عشرة آلاف إنسان وخاصة المعوقون الأبديين؟ نعم ح*ما*س ربحت المعركة داخل فلسطين وليست خارجها، وضمن المنظمات السياسية وليس على إس*رائي*ل. ودول العالم، لا المنافقين منهم، والذين يدركون الأبعاد السياسية الواقعية، يدركون هذه الحقائق ويصمتون عن ذكر الحقيقة. لا شك ح*ما*س  حصلت على سيطرة مغطاة بالمقاومة، ولا أحد بعد الأن سيتجرأ ويواجهها في المحافل ا*لفلس*طينية، ولا الدولية كممثل عن فلسطين، مقابل ميزان ربح ح*ما*س كمنظمة، خسر الشعب وبقي يتمرغ في معاناته، بل وأكثر، أصبح يتنفس رائحة الدم، والدمار، ويسير على بنية تحتية مدمرة، وهناك من سيكون في العالم الذي سيقول الرابح في المعركة لا يحتاج إلى دعم، وآخرون سيتهامسون بين بعضهم، ما الضمان في حال تقديم الدعم سوف لن تذهب ثانية لبناء الأنفاق، ومن سيضمن بانها ستدفع إلى الشعب المعاني وستعاد بها بناء البيوت المدمرة وتبديل سكان المخيمات إلى سكن آمن؟!
النتائج التي حصلت عليها ح*ما*س على دماء ألف شهيد مقاتل، والفي طفل ومسن وامرأة، وحتى لو افترضنا جدلا أن إس*رائي*ل فعلا خسرت الحرب أو المعركة، فماذا كانت النتائج، ثلاثة كيلومترات في البحر، وفتح المعابر الخمس! والتي بإمكان إس*رائي*ل أن تغلقها بأبسط الحجج، وما أسهل تفعيلها، أو ربما سيدفع بمنافق ليفعلها، مثلما اشتركت هي وإيران كل لمصلحتها على تفعيل هذه الحرب الشريرة والتي ظهرت في زمن غير زمنه، ولغاية معروفة ويتشاورون عليها منذ سنوات. وحتى لو بقيت المعابر مفتوحة، فهل ستمد غ*ز*ة وشعبها بالمطلوب، هل ستدخل عن طريقها مواد لبناء غ*ز*ة المدمرة، وهل ستقلص البطالة الكارثية في القطاع؟
   ظلت المطالب كما هي، والاستيطان باق، ما دام ح*ما*س موجوداً، وهذا هو السبب في خلق المنظمة أصلاً، إلى جانب تشتيت القوى ا*لفلس*طينية. كان بالإمكان الحصول على هذه المطالب، وربما اكثر، بطرق دبلوماسية، من قبل الدول التي دفعت بح*ما*س للانزلاق إلى مصيدة إس*رائي*ل، كان بإمكان تلك الدول، وإيران على رأس القائمة، أن تتاجر بمفاعلها النووية لخدمة شعب غ*ز*ة، وكان بإمكانها  التنازل أمام العالم مقابل مطالب شعب غ*ز*ة، وبدون هدر لدماء الشعب المعاني، لكنها تاجرت بدمائهم لأجنداتها، ولغاية توسعها في المنطقة، وتحويل الإعلام عن مجريات الأحداث عن الثورة السورية، وبشاعات د*اع*ش والنصرة، وجرائم المالكي وفساده في الحكومة العراقية إلى أن يخرج منها، وتهدأ الأمور، ويدفع بعمر السلطة السورية إلى شهور أطول، وفي الفترة التي برزت قضية د*اع*ش بكل ثقلها على منصة الدول الكبرى، والتي يدرجونها مع عدمية سلطة بشار الأسد.
   يا لرخص دماء الشعب الفلسطيني، ويا لسهولة إدخالها ضمن بازارات السياسية والنفاق الدبلوماسي، إنها البضاعة الرخيصة الثمينة، التي تاجرت وتتاجر بها كل دول المنطقة بدون استثناء. ستون سنة من الصراع مع إس*رائي*ل، والعشرات من المعارك، وعدة حروب، وفي كل مرة يهلل العرب، وليس كل العرب، بأن النتيجة كان انتصاراً. ولا تزال أصداء إعلام المتاجرين بدماء الشعوب مطبلا في الأفاق حول دمار جنوب لبنان من بيروت وحتى حدود إس*رائي*ل التي رافقت انتصارات ح*زب ال*له! انتصاراته على كل لبنان المدمرة وغير المدمرة لا على إس*رائي*ل. وبعد كل هذه المعارك والحروب الأسطوريةلا تزال إس*رائي*ل باقية بل وبهيئة اقوى، والمستوطنات تتوسع، والأرض ا*لفلس*طينية تتقلص، ومطالب الشعب المعاني والمشرد بقيت في عتمة الغرف الدبلوماسية، لم يتحقق منها شيئا، بل وتراجعت من مطلب الوطن الفلسطيني إلى فتح المعابر ومطار وميناء. اللهم لا شماتة بشعب نكن له الاحترام ونقدر دماء الشهداء الذين يفدون الوطن بها، لكنها إدانة واستنكار لنفاق السلطات الشمولية والحكومات الخبيثة المتاجرة بتلك الدماء النقية، وشماتة بالمنظمات التابعة بجاهلة، والأنانية لذاتها قبل الوطن.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
..