الحوار الهاديء

ظاهرة التضامن مع البطريرك “ساكو” / المعنى والدلالة / رأيٌ وتحليلٌ

ظاهرة التضامن مع البطريرك “ساكو”

المعنى والدلالة/ رايٌ وتحليلٌ

د.عبدالله مرقس رابي

  

               تعرض غبطة البطريرك الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو بطريرك الكنيسة الكلدانية مؤخراً الى هجمة إعلامية غير مبررة للإساءة لشخصيته ومكانته في الكنيسة الكلدانية والكنيسة الكاثوليكية في العالم من قبل حركة باب*لي*ون ممثلة برئيسها “ريان صادق دودا” الملقب الشيخ (ريان الكلداني). قام ببث اخبار في مختلف الوسائل الإعلامية ومنها منافذ التواصل الاجتماعي مفادها اتهام غبطته في بيع ممتلكات الكنيسة الكلدانية والتزوير، وتلفيق اتهامات أخرى لا أساس لها من الصحة.

بالمقابل ومن جهته، نفى البطريرك ساكو تلك الاتهامات صراحة وعلنا عبر وسائل الاعلام المختلفة، وبحجج منطقية وقانونية، وطالب الحكومة العراقية باتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه استناداً الى القانون العراقي الذي يمنع الإساءة الى الرموز الدينية ومكانتهم والتشهير بهم باي شكل من الاشكال. وعن طبيعة رد غبطته إعلاميا، (كنت متحفظاً وتمنيت لو اقتصر على مطالبة رسمية من الحكومة العراقية، واما إعلاميا ان يتحدث ناطق قانوني باسم البطريركية الكلدانية للرد على ما بث الطرف الاخر وتفنيد ذلك قانونياً).

يتميز البطريرك ساكو بنزاهة عالية ورقي مبادئه الإنسانية والوطنية، وبشهادة كل من عمل معه وكان قريبا منه سواء من المدنيين او الاكليروس، وشخصيا هذا الذي لمست وسمعت عنه طيلة فترة وجودي في مدينة الموصل عندما كان كاهنا في كنيسة ام المعونة. حافظ غبطته وهو كاهن واسقف ولا يزال على هذه النزاهة والتصرف، وعليه أرى حالياً ما نُسب اليه زوراً من اخبار، عارية من الصحة.

بعد تسلم غبطته السدة البطريركية للكنيسة الكلدانية عام 2013 في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مضطربة وقاسية في العراق، لم ينام له جفنٌ وهو يرى حالة بلاده المتدهورة ومعاناة الشعب العراقي برمته وأخصهم المسيحيين جراء الاضطهادات المتوالية متمثلة بالق*ت*ل والتهجير والسطو على ممتلكاتهم والاستيلاء عليها وتشريدهم في ظل غياب الدولة وسلطة القانون وتناحر الأحزاب السياسية فيما بينها على السلطة لتحقيق مصالحها وانتماءاتها الطائفية والقومية. وتلبيةً لواجبه الديني كمسؤول كنسي كبير وحرصاً على المؤمنين ولمشاعره الإنسانية تجاه الشعب العراقي، ووفقاً للقوانين واللوائح الكنسية الكاثوليكية التي تُجيز لرجال الدين ان يكون لهم كلمتهم ودعواتهم ومناشداتهم للجهات المختصة لتحقيق العدالة بين الناس ومنح حقوقهم المسلوبة ومناهضة الاضطهادات والظلم، منطلقاً من هذه اللوائح، لم يتوان غبطته كل هذه السنين والى اللحظة من تكرار مناشدته لكل الجهات الدولية والإقليمية الرسمية والإنسانية سواء من خلال اللجوء اليهم في الداخل او الخارج، او اثناء زيارتهم له في الدائرة البطريركية لغرض الوقوف على رايه. يناشدهم لتحقيق الأمان والركون الى دولة ذات سيادة قانونية وفرض النظام عن طريق أجهزة امنية وبدعم من جيش منظم وليس كما هي الحالة عليها من السلاح المنفلت والميليشيات السياسية الموالية للأحزاب المتنفذة، ورفع الغبن والظلم عن الجميع دون استثناء، ومنها دعوته لإعادة النظر في قضية وآلية الانتخابات البرلمانية بخصوص الكوتا المسيحية لتظل محصورة عند المسيحيين لاختيار ممثليهم، لكي لا تستحوذ الكتل الكبيرة عليها (شخصياً اتحفظ من الكوتا ولا اعيرها أهمية من حيث وجودها من عدمها). ولكون مثل هذه الدعوات والأفكار تصدر من شخصية ذات مكانة عالمية، فلا يستسيغها او لا تتوافق مع اهداف البعض في الحكومة او من السياسيين في البلد. عليه كانت احدى العوامل الاساسية في خلق الازمة التي نحن بصددها، ولا غرابة من بعض سياسي العراق اليوم المساهمة في خلق هكذا مشاكل اجتماعية لاعتبارات متعددة واهداف تصب في تحقيق المصالح الذاتية.

ولما تفاقمت الازمة الحالية، وتزايد التطاول الذي لا يتوقعه الانسان المسيحي الا من القلة تجاه الرئيس الروحي للكنيسة واخص بالذكر في المجتمعات النامية التقليدية، فأبدى العديد من الشخصيات والمؤسسات المتنوعة عبر ممثليها حول العالم من الكلدان وغيرهم، وبل من المسلمين ايضاً ومن مختلف المستويات الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية والحكومية الرسمية تضامناً رائعاً للتعبير عن تعاونهم واتفاقهم مع غبطته واستنكارهم لما نُسب اليه من أفعال لا يقرها العقل البشري.

والتضامن كمفهوم، يُستخدم اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً على المستويات الفردية والجماعية والمجتمعية، وهو وسيلة لتحقيق العدالة والحفاظ على كرامة الانسان وحقوقه من قبل طرف إزاء الشخص المستحق الذي قد تعرض لمشكلة او ازمة ما، دون مبرر والوقوف الى جانبه. يحقق التضامن التعاون والتماسك ويتجلى ذلك في تقديم المساندة، كما يعد عملاً مشتركا دون تمييز على أساس الدين او الاثنية او الجغرافية او اللون والجنس او العمر او المعتقدات السياسية.

ومن مراجعة للبيانات التضامنية والحوارات التي جرت بين الوفود الزائرة وغبطته يمكن استنتاج دلالات ومعاني التضامن، واهمها:

يتبين من الإحصائية ادناه يظهر التنوع في مصادر التضامن، سواء على مستوى الافراد او الجماعات، مما يدل ان مختلف الفئات والمكونات من شعبنا العراقي أبدت تضامنها متمثلة بالتنوع المهني والتعليمي، والسياسي والديني والمذهبي والقومي والمؤسساتي.

ان ما ورد من كلمات التعبير في مضامين البيانات المرسلة تدل على القناعة التامة لأصحابها عن وجود تطاول على غبطة البطريرك من الطرف الاخر.

أدرك المتضامنون جيدا مدى نزاهة البطريرك ساكو، وان ما اسند اليه باطل وافتراءات، اذ تضامنْ رئيس وزراء الإقليم ورئيس وزراء الأسبق للعراق وحقوقيين وأكاديميين واعلاميين وسفراء دول ليس الا تعبير عن المكانة الدينية الرفيعة لغبطته محلياً واقليمياً ودولياً، والادوار الوظيفية المناطة اليه في حاضرة الفاتيكان تُشير الي تمتعه بنزاهة وإخلاص ونشاط، فهي أدوار أساسية ومهمة وترتبط بالنزاهة الشخصية، فهو، عضو مجلس الاقتصاد الفاتيكاني ومستشاراً في المجلس البابوي لحوار الاديان في الفاتيكان، وعضو في مجمع التربية الكاثوليكية الفاتيكاني.

يتضح من محتوى كلماتهم وأحاديثهم انهم، يدركون جيداً التطلعات الإنسانية والوطنية المتمثلة في تأكيده على بناء دولة ذات سيادة وقانون لتحقيق العدالة دون تمييز.

الوضوح التام لنزاهة البطريرك وصدق اعماله في التصرف بأموال الكنيسة الكلدانية وممتلكاتها من خلال كلمات الاقربون اليه في العمل من السادة الأساقفة الكلدان والقريبين منه من طوائف اخرى، واللجنة المالية للبطريركية، ومستشاريه، ومجلس الكهنة ومجلس الرهبنات.

دليل واضح آخر للنزاهة تبين في كلمة رئاسة الديوان للأوقاف الديانات ذات الصلة والمسؤولية الرسمية المرتبطة بالكنائس وأماكن العبادة في البلد.

بيانات التضامنية للأعداد الكبيرة من الجمعيات الكلدانية ومؤسسات مجتمع مدني والصلوات التضامنية للمؤمنين هي دلالة واضحة على مدى تقبلهم وحبهم وارتباطهم وتأييدهم على دور غبطته وانه الشخص المناسب في المكان المناسب، وما يمسه من سوء، يمس الكنيسة الكلدانية.

بيانات الاشخاص والمؤسسات غير المسيحية من كل الأديان الإسلامية والايزيدية والصابئة، ومجلس الشيوخ العراقي، ليست الا دلالة واضحة على مدى مقبولية المكانة الرفيعة لغبطته شعبياً ورسمياً عندهم وقناعتهم بنزاهته ووطنيته، وانه يعمل للجميع دون تمييز تحت يافطة العراق.

زيارة مستشار الامن القومي العراقي لغبطته منفرداً، له دلالة على مدى الاهتمام في الازمة رسمياً ولها مغزى وبعد كبيرين. كما ان زيارة السفير الفرنسي ونائب الفرنسي في البرلمان الأوربي والوفد المرافق مؤخراً لها بعد كبير في الاهتمام الدولي لما تعرض اليه غبطته.

وفيما يلي إحصائية اجريتها لهذه المبادرات التضامنية، حيث بلغت أكثر من (108) حالة لحد هذا اليوم مصنفة كالاتي:

المؤسسات الكلدانية الدينية ممثلة بالأبرشيات بواقع (6) إضافة الى المدبر البطريركي لأبرشية مصر والمدبر البطريركي في الأردن. فضلا عن الوكيل البطريركي ومطران فخري آخر.  وكنائس بغداد جميعها ممثلة ببيان مجلس كهنة بغداد وكلية بابل للفلسفة واللاهوت، ومجلس الرهبنات الكلدانية للرهبان والراهبات.  وكان يستوجب على المطارنة المتبقين ابداء تضامنهم طالما هم أعضاء متقدمين في المؤسسة الكنسية، كما تضامن ثلاث مطارنة من الكنائس الشقيقة الشرقية ممن عملوا عن قرب مع غبطته ولهم المعرفة الكاملة عن شخصيته، وبيان التضامني لأباء الدومنيكان في العراق.

واما المؤسسات الكلدانية المدنية، تمثلت بواقع (60) جمعية كلدانية قروية واتحادات ثقافية وفروع الرابطة الكلدانية والجمعيات الخيرية في مختلف بلدان العالم، إضافة الى المجلس التنسيقي الموحد للتجمعات الكلدانية في كاليفورنيا لم يحدد عدد الجمعيات. علماً هناك (9) مؤسسات غير كلدانية سياسية وثقافية واجتماعية واكاديمية موقعة ضمن البيانات الصادرة. إضافة الى موقع مانكيش الالكتروني، ومسيرة الصلاة للتضامن التي أقامها أهالي مانكيش في بلدتهم، وتضامن مسيحي قرقوش وكرمليس، ومسيحي بغداد. والتجمعات الكلدانية في اور/ الناصرية، ومدارس الكلدانية في بغداد. وهيئة مستشاري البطريركية الكلدانية، واللجنة المالية في البطريركية.

المؤسسات الرسمية والمستقلة وتمثلت في: رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور البارزاني- اتصال هاتفي- مستشار الامن القومي العراقي، (12) سفير ونائب السفير للدول الاوربية، السفير الفرنسي والنائب الفرنسي في البرلمان الأوربي والوفد المرافق لهما، المجلس الدولي للحوار الديني والإنساني، الأمانة العامة لشيوخ عشائر العراق، وفد من الصحفيين العراقيين العاملين في وكالات إعلامية محلية واجنبية، رئاسة ديوان اوقاف الديانات المسيحية والايزيدية والصابئة المندائية. البرنامج الوطني لحماية التعايش السلمي في العراق، منبر تشرين، المؤسسة الايزيدية الدولية المناهضة للإبادة الجماعية، الكفاءات العلمية العراقية في بلدان الاغتراب من مختلف القوميات والأديان المنضوين تحت خيمة (شركة الحكمة للمشاريع التكنولوجية والعلمية)، مديرية الثقافة السريانية في أربيل. إضافة الى العديد من المحطات الفضائية العامة والشخصية التي أشادت بغبطته.

الأحزاب السياسية، وتمثلت في: الحركة الديمقراطية الاشورية، حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني.

الشخصيات السياسية والأكاديمية والإعلامية وهم:

الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء العراقي الاسبق، خلف سنجاري مستشار رئيس الوزراء، آنو جوهر وزير المواصلات في إقليم كوردستان، سركون لازار وزير سابق، حسو هورمي رئيس المؤسسة الايزيدية الدولية، الدكتور سعد سلوم أستاذ جامعي ورئيس مؤسسة مسارات. مارينا عزريا من الشرطة الاجتماعية، القاضي السابق والباحث القانوني هادي عزيز علي، الأستاذ الدكتور علي كاظم الرفيعي عميد كلية القانون في جامعة اوروك / بغداد، الخبير الاقتصادي باسم جميل، مؤيد الجحيشي، مثقفين واعلاميين مستقلين وقع عنهم حسن البغدادي اعلامي ومخرج، البروفيسور رعد سلام عربو أستاذ في جامعة الرسول بولس في مدريد، مصطفى قيتواني. إضافة لمن اتصلوا هاتفياً.

وكُتبت عدة مقالات تهدف مواضيعها التضامن مع غبطته من قبل المتابعين والمهتمين من الكتاب.

وأخيرا أتمنى واناشد المعنيين والجهات المختصة الرسمية وغير الرسمية للتدخل لاحتواء هذه الازمة للصالح العام ليعم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي وفسح المجال للتنمية المستدامة في بلدنا العزيز العراق باستخدام المنطق السليم واستقراء واقع المجتمع العراقي الذي هو بأمس الحاجة للتغيير نحو الأفضل.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!