مقالات دينية

وجوب الرسوخ في الأيمان قبل تفسير الآيات

الكاتب: وردااسحاق
وجوب الرسوخ في الأيمان قبل تفسير الآيات

( …لا تتسابقوا لكي تجعلوا أنفسكم معلمين لغيركم فتزيدوا عدد المعلمين ! وأذكروا أننا نحن المعلمين ، سوف نحاسب حساباً أقسى من غيرنا ) “يع 1:3″
الأيمان هو الثقة المطلقة المجردة من الشكوك . فالرب يسوع لام بطرس عندما شك في قوله فبدأ الرسول يغطس في البحيرة . فالكتاب يؤكد لضرورة الأيمان النقي ( الإيمان هو الثقة بما يرجى، والإيقان بأمور لا ترى) (عب 11:  1) والثبات أو الرسوخ في ذلك الأيمان واجب ، وكما قال الرسول يوحنا ( وأنتم ، فالكلام الذي سمعتم منذ البداية ، فليكن راسخاً فيكم ، فحين يترسخ ذلك الكلام في داخلكم ، تتوطد صلتكم بالأبن وبالآب ) ” 1يو 42:2″ . فالذين يتقدمون الى تفسير الكتاب المقدس يجب أن يتسلحوا بالأيمان القويم وبعلم شامل يتلقوه من معلمين موهوبين تعترف بهم الكنيسة المقدسة ويعيشون تحت ظل قوانينها وسلطتها . فالذين يسيئون الى تفسير الكتب المقدسة هم أناس ( لا علم لهم ولا رسوخ ) . هذا ما بيّنه لنا الرسول بطرس في رسالته الثانية 16:3 . فالرسوخ في الأيمان هو الثبات على أساس الأيمان الرسولي المتوارث والذي يتطلب فهم وأحترام الكتاب المقدس وتقاليد الرسل الأطهار . وهذا الرسوخ هو علم لمن لا علم له . أما الذي يتقدم في المعرفة ويحصل على شهادات عالية في اللاهوت والفلسفة لكن لا رسوخ له في الأيمان الصحيح ولا ينتمي الى الكنيسة الرسولية ، بل يتبع أفكاراً استحدثت في القرون الوسطى فهذا لا يتبع كل تعليم المسيح ورسله الأبرار. قد نرى أبداع ذلك المتعلم في حفظ آيات كثيرة من الكتاب أكثر بكثير من آباء الكنيسة ، ويستشهد بتلك الآيات في مناقشاته ويفسرها كما يقتضي فكر المعتقد الذي ينتمي اليه ، لكننا نعتبر علمه ناقصاً ومشوهاً لأنه لم يسمع الى الكنيسة الرسولية التي استمدت تعليمها من الرب يسوع ورسله لهذا يعتبر علمه ناقصاً لأنه يفقد الرسوخ في الأيمان الرسولي . أما التفسير الذي نسمعه من كهنتنا ورؤسائهم هو التفسير الرسولي الصحيح الموجود منذ نشاة المسيحية في القرن الأول . الكتاب المقدس لا يجوز تفسيره من قبل كل مؤمن ينتمي الى الجماعات المنشقة ، والرسول بطرس ينفي بشكل قاطع ومطلق بأن يكون لأي فرد السلطان على تأويل الكتب بشكل صائب ، فيقول ( عالمين قبل كل شىء بأن تكلم رجال الله القديسون محمولين بإلهام الروح القدس ) ” 2 بط 1: 20-21″ و ” بط 6:3″ . ويقول ( يحرف الكتاب قوم لا علم عندهم ولا رسوخ) .
   أننا نعلم بأن الروح القدس ألهم الكتاب الذين حملوا ذلك الروح يستطيعون أيضاً تفسيره . كما فعل الرسل والتلاميذ وخلفائهم ولحد اليوم وهكذا تحافظ الكنيسة على التفسير الصحيح . أما أذا خرج لنا اليوم كل أنسان بتفسير، فأن الحق يضيع حتماً ، والدليل على ضياع الحق موجود عند تلك الفئات التي لا تعترف بسلطة الكنيسة فتعطي كل فرد صلاحية تفسير الكتاب المقدس  لهذا نجد عندها تفسيرات متناقضة أساءت الى الأيمان وأحدثت أنشقاقات كثيرة في كنائسها .
   علينا أن نعلم بأن هناك آيات لا تفسر نفسها بنفسها بل تعطف الى آيات أخرى لكي تكتمل المعنى . أو هناك أمور صعبة التفسير كما توضحه لنا هذه الآية ( …عندي كلام كثير ، ولكنه صعب التفسير ! إذ يبدو إنكم تعانون بلادة في الفهم ) ” عب 11:5″ .
   في الكتاب المقدس آيات سهلة ، وأخرى صعبة للتفسير . الصعبة تتناول الطبيعة الألهية وأسرارها العميقة ، ويصفها صاحب المزمور ( علمك ” يا رب ” عجيب فوق طاقتي وهو يسمو فوق استطاعتي) ” مز 138، 139: 6 ” لهذا يقول الكتاب ( من عرف فكر الرب ومن كان له مشيراً ) ” أش 13:40″ ، ” رو 34:11″ . وهكذا أعترف النبي العظيم أشعيا أمام العزة الألهية وصرخ معترفاً بأنه غير مستحق أن يدرك الله وغير قادر على ذلك ، ليس لأنه بشر محدود فحسب ، بل أيضاً لأنه نجس الشفتين والقلب . والله سخِرً من أيوب الذي كان يعترض على عدالته فحاول أن يدرك أسرارها . فسأله الله بأستهزاز : ( اين كنت عندما خلقت السماوات والأرض ؟ هل تقدر أنت أن تفهم أسرار الكون ؟ هل تقدر أن تخلق البهائم وسائر الكائنات ؟ ) ” أيو 1:38″ فكيف يستطيع أي من كان أن يفسر أو يحاول فهم أسرار الله الذي قال ( أنا أله ولست أنساناً ) أي هناك هوى ومسافة شاسعة بين الله والأنسان ، بين الخالق والمخلوق . إذاً لا يكفي بأن نحفظ الكتاب المقدس على الغيب ، أو نحلل الآيات حسب عقيدة مذهبنا ونعد أنفسنا من العلماء في علم الألهيات .أي علم ما وراء الطبيعة البشرية ، حيث طبيعة الله والثالوث وسر التجسد وقيمة دم المسيح الكفاري وغيرها لا يحق لكل مؤمن الخوص في أعماقها وتفسيرها . ولا يجوز لأي مؤمن أن يفسر كما تدعي تلك الجماعات . بل الكتاب يقول الوزير الحبشي المؤمن بيسوع لم يستطيع التفسير لهذا طلب من الشماس فيلبس التفسير ” أع 8: 30-35″ .
المطلوب في الأيمان المسيحي هو ليس معرفة كل آيات الكتاب المقدس أو حفظها . فالأيمان المسيحي ليس مجرد كتاباً فقط ، بل الكتاب هو مرجع لأيماننا ، وليس المرجع الوحيد ، بل هناك التقليد الرسولي أيضاً . وهناك السلطة لتفسير الكتب المقدسة ، وهذه السلطة لا تفوض كل مؤمن ، بل للكنيسة التي هي ( عماد الحق وركنه ) ” 1تيمو 15:3″ والكنيسة ليست فقط جماعة المؤمنين بلا رئاسة ولا نظام أو بلا رعاة ، بل هناك خلفاء الرسل ، وهم الأساقفة المرسومون حسب أيمان الكنيسة الجامعة . والأيمان المسيحي الصحيح هو أشتراك في حياة الكنيسة وأسرارها . أي قبول العماد منذ الطفولة أو نحن كبار من يد الكاهن أو شمامسة مرسومون . ومن ثم قبول سر التثبيت عن طريق الأسقف أو الكاهن . وبعدها يستحق المؤمن الأعتراف عند الكاهن وقبول سر الأفخارستيا بالأيمان بأن القربان هو حقاً جسد المسيح ودمه الكريمان . كذلك الأيمان بمسحة المرضة ، وبالزيت المقدس من أيدي الكاهن . وهكذا بالنسبة الى الأسرار الأخرى ، هكذا نخضع للمسيح ونسلك السبيل القويم ونبتعد عن فكر التمرد على الكنيسة الرسولية الجامعة مهما كانت عيوب رجالها ومؤسساتها واضحة ” مت 17:18″ فمن نصوص الكتاب المقدس نؤكد عصمة الكنيسة المقدسة الرسولية من الخطأ في التعليم ، دون أن تعمم أفرادها ورؤساءها من الخطأ في التصرف . هكذا نثق ونحافظ على كنيسة الرب الذي يريد أن تكون واحدة وجامعة موحدة وحسب قوله ( كونوا واحد كما أنا والآب واحد ) .
 ولألهنا المحب كل المجد
بقلم
وردا أسحاق عيسى
وندزر – كندا   
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!