مقالات سياسية

المسيحون العراقيون (2)

الكاتب: عبدالله النوفلي
 
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (2)
تكلمنا في الحلقة الأولى عن نتف من واقعٍ أقل ما يقال عنه أنه واقع مزرٍ لشعب يدّعي أنه ينحدر من صلب الآشوريون القدماء والكلدانيون العظماء الذين تابعوا ولادة السيد المسيح في المذود وتبعوا النجمة حيث يوجد الصبي لأنهم كانوا يعملون بالفلك والآشوريون الذين كان لهم مملكة زاهرة منذ آلاف السنين في نينوى العظيمة وفي آخر أيامها اكتسحتها مملكة الكلدانيين واحتلتها!!!
لسنا هنا بصدد سرد تاريخي لما تم قبل آلاف السنين ولا يهمني ماهية تاريخي بقدر ما تهمني نفسي ومن أكون وماذ أفعل أو أدرس أو أقدم للإنسانية أو لعائلتي على أقل تقدير، وقال بهذا الصدد الحكيم العربي قولا مازال يردده الناس مفاده؛ ليس الفتى من قال كان أبي بل الفتى من قال ها أنذا!!! فكيف لأصحابنا من السياسيين الذين لا يقولون كان أبوهم فقط بل أن أجدادهم منذ آلاف السنين!!! أليست هذه مفارقة يجب التوقف عندها؟ ألا نجد الدول المتقدمة تهتم أكثر بالواقع والمستقبل لأنها قد وضعت الماضي خلف ظهرها ولا تهتم له إلا في حالة استفادتها من خبراته ولكن ليس للتبجح بما كانت عليه، ألسنا كلنا قرأنا عن الامبراطورية العجوز، وعن تلك التي لم تكن تغيب عنها الشمس؟ أين أصبح كل هؤلاء؟ هل بقوا متشبثين بذلك الماضي؟ أم أنهم تجاوزوه كي يستطيعوا بناء أنفسهم من جديد وتجديد شبابهم ولبس ثوب الحاضر والاعداد بقوة لمستقبل أفضل، ومن هذا نجد هذه الدول تتقدم بسرعة ولقد أصبحت الفجوة بينها وبين الآخرين كبيرة وطالما الآخرون مهتمون بالماضي؛ وكنا وكنا وكان أهلنا وأجدادنا، فإننا سوف نبقى أسرى لن تقوم لنا قائمة وسيبقى الآخرون يتقدمون ونحن نراوح إن لم نتراجع. ونجد هذه الدول المتقدمة اليوم تقدم يد العون لجميع الشعوب ومنها أهلنا الذين انتشروا في أمريكا وأوربا واستراليا وبقاع كثيرة في العالم… وفي أوطانهم الجديدة يحاولون ما استطاعو الاندماج للاستفادة من تقدم هذه الدول ومن تجاربها السياسية لكن دون شك فإن الانصهار في بودقة المجتمعات الجديدة يبقى هاجسا يقلقهم خاصة وهم يرون أولادهم يبتعدون رويدا رويدا عن اللغة والعادات والتقاليد التي وُلدوا عليها وبدأت أمورها وتعابيرها تذهب صوب النسيان!!!
إنه واقع آخر في دول المهاجر لكننا يجب ان نقرّ بأن لغة التفاهم لمن أصبح في السويد ومن أصبح في فرنسا او ألمانيا أو أمريكا ستبقى السورث؛ خاصة بين الأجيال الجديدة. ومن هنا وجب على جميع الآباء أن يتابعوا تعليم أبنائهم مخافة أن نصل يوما حيث سيتفاهم أبناء العمومة بواسطة مترجم وهذه طامة كبرى جديدة أضيفت لما خسره هذا الشعب عندما حزم أمتعته متوجها نحو بلاد أكثر استقرارا وأمنا مما واجهه في بلده وأرض مولده مع أبائه وأجداده.
إنه واقع صحا عليه الكثيرون؛ فبعد أن ذهب عنهم الخوف الذي كانوا عليه في بلدهم وبعد تحملهم أعباء السنين العجاف وهم ينتظرون الوصول إلى بلد الأمان والاستقرار، نجدهم اليوم وقد بدأت لديهم هموما جديدة لم يكن يعرفونها في بلدهم من أمثال المخ*د*رات والجرائم والطلاقات والزواج المدني وعدم القدرة على السيطرة أو المضي قدما في تربية الأبناء على الأخلاق التي تربينا كلنا عليها في العراق، فالقوانين تختلف وعجلة الحياة في المهجر تدور بسرعة فائقة والانسان عليه أن يدور بسرعتها وإلا يجد نفسه يعيش على الفُتات الذي ترميه له دوائر المنفعة الاجتماعية، وإن عمل وحصل على مرتب فإنه يجد نسبة مهمة من مرتبه تبتلعها الضرائب، ولذلك نجدهم يلجأون للتحايل على القوانين كي يخفون مداخيلهم ولكي يخففوا عنهم الضرائب، فضلا عمن يعمل في الخفاء ويدعي أنه عاطل عن العمل كي يحصل على المرتب الذي تقدمه دوائر الاعانة بالاضافة لما يحصل عليه من عمله في الخفية!!!
لقد خرج شعبنا كي يحافظ على نفسه وعائلته وتحمل المشاق الكثيرة كي يصل إلى مبتغاه لكنه فقد السيطرة على عائلته وأصبح الاولاد يعملون ويتصرفون وفق ما تمليه عليه قوانين البلدان الجديدة لا بل نجد من يتمادى كي يتصرف أكثر من أهل البلد الذي لجأوا إليه بتقليدهم أو حذو حذوهم وغالبا وهذا محصور في فئة الشباب ما يتم تقليد القشور التي تضر ولا تنفع، فأوضاع أهلنا في المهاجر لا تسير بصورة جيدة ونحن نواجه واقعا غير ما كان في أحلامنا، فشعبنا من مسيحيي العراق مطالبون الانتباه كي لا تغرق مراكبنا ونضيع بل ننصهر في المجتمعات الجديدة وعندها نكون قد وصلنا إلى الخسارة مرتين والخسارة الأخيرة هي بلا شك أكبر بكثير مما خسرناه في بلدنا الأصلي….
وللموضع صلة
عبدالله النوفلي
نشرت جريدة العراقية الصادرة في سدني المقالة بعددها الصادر يوم 16 تشرين الثاني 2011
 
 
 ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!