معبد ثم دير ثم جامع/حقائق من خزائن الكتب التاريخية بتوقيع المطران حبيب النوفلي

الكاتب: المشرف العام
ألأخوة القراء ألأعزاء: وصلنا المقال التالي مع تخويل من سيادة المطران مار حبيب النوفلي لنشره في الموقع وارتأينا نشره في صفحة ادارة الموقع لما فيه من معلومات قيمة على أمل ان نفتح صفحة جديدة وحساب خاص لسيادة المطران لكي ينشر مواضيعه القادمة باسمه وفي صفحته
 

معبد ثم دير ثم جامع

حقائق من خزائن الكتب التاريخية
المطران حبيب هرمز النوفلي
البصرة تموز 2014

مقدمة كثر الحديث وتعددت الكتابات بعد تفجير (جامع النبي يونس) الى حد ان صحفياً غربياُ كتب مقالة وكأن المكان يحوي قبر النبي يونس! لن اناقش الجانب الميثولوجي والغير دقيق عن هذا التصور. فالمصادر تذكر ان يونان (يونس) مدفون في قرية جات حافار (حاليا قرية المرشد) قرب بحيرة طبرية في فلسطين.
سأكتب عن الموضع كدير يونان كما ورد في العديد من كتب التاريخ التي يعود بعضها الى الألف الأولى بعد الميلاد. الدير او مقر بطريركية كنيسة المشرق في نهاية القرن السابع تم بناؤه فوق معبد آشوري ثم تحول اخيرا الى جامع النبي يونس فوق تل سمي بتل التوبة.
ان وصفه بدير التوبة من قبل ياقوت كاتب معجم البلدان والكامل لإبن الأثير وكاتب رحلة ابن جبير وابن بطوطة هو لكونه بني بجانب سور وخرائب نينوى التي تذكر الناس بقصة يونان (أو يونس لدى المسلمين) المرتبط بإنذار الله للآشوريين، ثم رؤية المسيحيين (والمسلمين فيما بعد) لخرائب نينوى التي اصلا هي نتيجة الحرب المنتهية بحرق قصر ملك نينوى سنة 612 ق م. وكان طلب الله التوبة منهم هو لحبه لهم رغم انزعاج يونان (النبي العبراني) حيث يستغرب اهتمام الله بمن ليس من شعبه المختار.
القرنين السادس والسابع
كان لنينوى المسيحية اسقف مشرقي يقود الكنيسة من ربوع المكان المحاذي لسور نينوى منذ سنة 554م. وكانت نينوى القرية الكبيرة تحت سيطرة البيزنطيين في اوائل القرن السابع، ثم استسلمت للمسلمين حوالي سنة 640.
ويرتبط دير يونان بإنتخاب البطريرك حنانيشوع الأول سنة 686 الذي اتخذ منه (مجبراً) مقر لكرسي كنيسة المشرق حيث كانت كنيستنا تعاني من انقسامات. حسب ماري سليمان في كتاب المجدل تعرض حنانيشوع الى اعتداء من منافسيه مطران البصرة ايشوعياب ويوحنا الأبرص مطران نصيبين من خلال الإستعانة بقوة الخليفة عبد الملك بن مروان. فقد اراد المطران يوحنا الأبرص الإستئثار بكرسي البطريركية. وتم احضار حنانيشوع الى المدائن وجرد من الرموز المقدسة التي يحملها ونفي مع تلميذين بقوة (الوالي المسلم بشر بن عبد الملك)الى جبل بالصامغان (أو جبل في ارض الصامعات) وحجز في مغارة كي يموت من الجوع والعطش. ولكن عثر عليهم راعي غنم فاخذه الى دير يونان وهو يعاني من ركبته طيلة سنوات حياته بسبب سقوطه العنيف على الأرض. ومع ذلك كان منافسه المطران يوحنا الأبرص وطبيبه سرجونا يطعنون به خلال سنوات حياته في دير يونان لدى الخليفة عبد الملك بن مروان الى حد انه مرة نقله الخليفة الى نصيبين ومرة وضعوا سما في القربان ولكن لم يتأذى.
اقتصرت سلطته بعد سنة 693 على ابرشيات الشمال فقط (نصيبين والموصل وبيث جرماي) حيث رسم البطريرك حنانيشوع عدة اساقفة لكنيسة المشرق. واخيرا اصيب بالطاعون ودفن في الدير. علما ان تلك الفترة العصيبة تزامنت مع انتهاء حكم الخلفاء الراشدين وبداية الحكم الأموي.
واجه البطريرك صعوبات لا تحصى ومنها على سبيل المثال اسكان اللاجئين المسيحيين المهجرين من نجران في الجزيرة في مدينة الحيرة (قرب الكوفة اليوم). كان هؤلاء قد طردوا من الجزيرة العربية بالقوة حيث كان عددهم 40000 تنفيذا لتوصية الخليفة عمر بعدم ابقاء المسيحيين واليهود فيها. فلم يبقى في نجران سوى 5000 مسيحي.
ومع تلك الفوضى السياسية فقد اشرف على الكنيسة بسلطة قوية حتى وفاته سنة 699 بعد 14 سنة خدمة للكنيسة المجاهدة (تذكر المصادر ان رفاته وضع في تابوت من خشب الصاج). إذا فسبب عدم شمولية سلطة البطريرك القديس على كل رقعة كنيسة المشرق كانت لسوء علاقته مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ومع الحجاج فيما بعد والذين منعوه من الإشراف على كنيسة المشرق جنوب نينوى واستغلال بعض رجال الكنيسة ذلك لمنافعهم الخاصة.
كان البطريرك مترجما ومؤلفا للصلوات (ومنها كتاب التعازي وكتاب الميامر) وشرح الإنجيل عبر رسائل (جمعت في اربعة كتب) واصدر 20 قانونا لتنظيم الحياة في الكنيسة وكتاب فلسفي حول علل الموجودات. لقد عمل لمدة 47 سنة وله مخطوطات لازالت محفوظة في مكتبة جامعة كيمبرج ببريطانيا واخرى احترقت في سعرد بجنوب تركيا.
وقد اشتهر الدير بمدرسته العامرة لتعليم اللغة الأرامية ايام الحضارة العباسية خصوصا في القرن التاسع.  
جدير بالذكر ان ادارة قرية نينوى المدنية في القرن السابع كانت تستقبل التعليمات من الكوفة. وخلال هذه الفترات عانى المسيحيون كثيرا بسبب المعارك بين المسلمين انفسهم للسيطرة على نينوى وقرية الحصن العبري فمرة يسيطر والي الكوفة ومرة الأمويين ثم صارت تحت سيطرة الأمويين ومن بعدهم العباسيين بعد معارك مع الأمويين ايضا راح ضحيتها الاف المدنيين مذبوحين (رغم ان المصادر تذكر عبارة عشرات الآلاف). فسماها المسلمون الموصل وشملت كل المنطقة القديمة والحديثة على جانبي نهر دجلة.
  القرون الثامن – العاشر
بعد انتقال مقر بطريركية كنيسة المشرق الى بغداد خلال الخ*لافة العباسية كان الدير عامرا بالرهبان خلال فترة رئاسة البطريرك طيمثاوس الأول لكنيسة المشرق 779- 823م. ثم قام البطريرك سركيس الأول بتجديده 860-872م بعد موت الخليفة العباسي المتوكل المعروف بتضييقه للمسيحيين. فرغم دخول الموصل حربا اهلية بين قادة عشائر مختلفة يتمكن البطريرك من تجديد الكنيسة والدير.
ثم قام الخليفة العباسي المعتضد بالله 892-901م ببناء مسجد الى جانب الدير. ومن الطريف ان احد المصادر تذكر وجود جماعة يهودية في المنطقة تسيء الى الدير حيث احد اليهود يقوم بتدنيس الدير سنة 932م فتبدو العلاقات الجيدة مع السلطة الإسلامية بحيث يقوم حاكم الموصل ابن حمدان بمعاقبة اليهودي على فعلته. ومع ذلك فقد تحول الى جامع في نهاية القرن العاشر (حوالي 1000م) بعد ان قامت الأميرة جميلة ابنة ناصر الدولة الحمداني بضم الدير الى الجامع وبناء دور حوله وسمي مسجد التوبة بدل دير يونان. هذا يعني ان الدير بقي بجانب المسجد ولم يبنى المسجد فوق الدير. ويذكر انه في سنة 957 قال المسعودي في كتابه مروج الذهب ان التل يحوي مسجدا ويسكن فيه النساك والزهاد والعباد. ولكن الدير اندثر لأن المسيحيين تركوا الموصل وهاجروا، وحتى المسجد تهدم وجدد عدة مرات فيما بعد.
 
القرون الحادي عشر – الرابع عشر
يعتقد المطران سليمان الصائغ انه بقي في الدير رهبان الى جانب الجامع حتى نهاية القرن الثاني عشر مما يعني وجود تفاهم بين الكنيسة وحكومة الموصل آنذاك.
نشير هنا الى ان الموصل في نهاية القرن الحادي عشر (1096م) كانت تحت سيطرة السلاجقة حيث كانت مدينة مهجورة. ورغم المعارك بين الزنكيين وصلاح الدين الأيوبي يصمد الرهبان في الدير الى القرن الثالث عشر حيث يذكره الحموي كدير فقط.
في سنة 1244 تستسلم الموصل لهولاكو ثم بغداد 1258 حيث انهارت الحضارة العباسية، ثم يعود المغول لينهبوا الموصل سنة 1261.
وبحدود سنة 1350م اي بعد 650 سنة من وفاته وفي ظل الفراغ السياسي نتيجة انهيار البلد جاء مسؤولين من كنيسة المشرق من جبال شمال الموصل وكشفوا تابوت البطريرك بعد ورود روايات عن اشخاص قالوا ان تابوته مفتوح . فلاحظ ممثلو الكنيسة ان جسده محفوظ كأنه نائم فجاء اهل الموصل لرؤيته وللتبرك بجسده فاعتبروه قديسا.
تسقط الموصل بيد الأعداء مرة اخرى في سنة 1364 حيث يستولي الجلائريون على الموصل مما يؤدي الى قيام المغول بغزوها مرة اخرى بقيادة تيمورلنك الأعرج (1336-1405) في سنة 1393. اولا دمر كل ما في طريقه الى الموصل ثم يصل اليها ولا ينهبها بل يقدم هدايا الى دير يونان. هذا تم لأن اهلها طلبوا منه ان يحافظ على مزار البطريرك القديس . فزاره وطلب من جنوده التحقق من ذلك فأيدوا ذلك وطلب منهم احترامه.
وحسب كتاب المجدل لم تكن توصف الموصل بالمدينة بل بالقرية. لقد دفعت ضريبة الحروب وتحولت الى قرية مهجرة عدة مرات. علما انه بسبب الحرب المغولية لم يبق هناك اي وجود مسيحي في وادي الرافدين من الخليج والبصرة وميشان وبغداد وصعودا الى الموصل في مطلع القرن الرابع عشر. فقد تم تدمير كل الأديرة والكنائس وكان عددها بالمئات والبعض يقدرها بالآلاف (كان في قطر والخليج مثلا ثلاثة اساقفة لكنيستنا) ولكن بقيت المسيحية صامدة في الموصل حتى يوم 10 حزيران 2014 حيث كان لهم حضور جيد منذ القرن الثامن عشر. وفي مطلع القرن العشرين يقول المطران سليمان الصائغ في كتابه انه كان فيها  17 كنيسة و140 جامع.
المصادر كتاب فهرست المؤلفين لعبديشوع الصوباوي  ديارات العراق لألبير ابونا  اخبار فطاركة المشرق لماري بن سليمان وعمرو بن متى كتاب تاريخ الموصل لسليمان الصائغ
المرشد الى مواطن الآثار والحضارة لطه باقر وفؤاد سفر
 
خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية للكردينال اوجين تسران..