مصر وقطر بين إس*رائي*ل وح*ما*س
مصر وقطر بين إس*رائي*ل وح*ما*س
في ذروة الخلافات مع قطر بسبب انحيازها لدعم التيار الإسلامي تحاشت مصر أن تكون القضية ا*لفلس*طينية موضع مساومة وتراشق وهي تعلم أن الجغرافيا والتاريخ والمكانة والدور الإقليمي سوف تنتصر لها.
القضية ا*لفلس*طينية ليست موضوع مساومة
لعبت مصر دورا مهما بمفردها على مدار سنوات ماضية في ترتيبات التواصل بين إس*رائي*ل وحركة ح*ما*س، وأسهم الطرفان الأخيران، ومعهما الولايات المتحدة، في توسيع الطريق أمام دخول قطر على الخط لاعتبارات مختلفة، بينها محاولة إيجاد شريك يمنع مصر من احتكار دور الوساطة وحدها، والذي اكتسبته بحكم الجغرافيا السياسية والعلاقة الهيكلية مع القضية ا*لفلس*طينية، في زمني الحرب والسلام.
القاهرة تعاملت مع الدوحة بطريقة دبلوماسية، وتجنبت الدخول معها في مناوشات جانبية بسبب هذه القضية القومية وهي تراها تقترب تدريجيا تارة من إس*رائي*ل، وتارة أخرى من ح*ما*س واستطاعت أن تعزز علاقتها معهما، في مفارقة سياسية نادرة.
في ذروة الخلافات مع قطر بسبب انحيازها لدعم التيار الإسلامي، تحاشت مصر أن تكون القضية ا*لفلس*طينية موضع مساومة وتراشق، وهي تعلم أن الجغرافيا والتاريخ والمكانة والدور الإقليمي سوف تنتصر في النهاية لها، ولم تظهر القاهرة امتعاضا سياسيا في خضم انهماكها مع الدوحة في جولات متعددة، تنقلت بين عواصم مختلفة، لعقد صفقة بين إس*رائي*ل وح*ما*س، لأن الهدف وقف العدوان على قطاع غ*ز*ة، وليس البحث عن دور.
استبعاد الدوحة أو تخفيض مستوى حضورها الدبلوماسي يعزز تهميشها في المستقبل، لأن النافذة التي أدخلت الدوحة منها المساعدات الاقتصادية لغ*ز*ة اختفت مع اندلاع الحرب
لم تهتم القاهرة عندما حاولت بعض الجهات العربية ذات التوجهات العقائدية الإيحاء بأن قطر وسيط رئيسي لمجرد أن الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة ينحاز إلى ح*ما*س، وجرى القفز على المحددات المركزية في القضية ا*لفلس*طينية التي تميل جميعها لصالح مصر.
وجاءت صدمتان كبيرتان، إحداهما تراكم الضغوط الأميركية والإ*سر*ائي*لية على الدوحة، واتهامها بأنها أسهمت في تضخم ح*ما*س، وتمويل عملية طو*فا*ن الأقصى، والأخرى اغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة في طهران، الذي اتخذ من الدوحة مقرا لإقامته.
القيادة القطرية نجحت في استيعاب ما خلّفته الصدمة الأولى التي هدفت إلى حث الدوحة على ممارسة ضغوط على ح*ما*س لتقديم تنازلات في المفاوضات، ولوّحت بإمكانية إعادة النظر في الوساطة وعلاقتها بقيادات وعناصر الحركة، مؤكدة أن تطوير العلاقة معها تم تحت بصر الأميركيين والإ*سر*ائي*ليين، وموافقة صريحة منهما.
من هنا هدأ تكرار الاتهامات السابقة رسميا، وتلاشت الانتقادات الموجهة للدوحة حول هذه العلاقة المقدسة وعادت لممارسة دورها في الوساطة بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة.
لم تفلح قطر في هضم نتائج اغتيال إسماعيل هنية في طهران، واستوعبت أن استهدافه كان يمكن أن يتم على أراضيها، وفهمت الرسالة من وراء عدم القيام بذلك، وعليها القيام بتحول لافت في علاقتها بح*ما*س قريبا، والتي يريد رئيس الحكومة الإ*سر*ائي*لية بنيامين نتنياهو ألا يكون لها دور في المستقبل، وبالتالي لا دور لقطر في وساطة باتت على وشك الانهيار بعد تعيين يحيى السنوار رئيسا للمكتب السياسي للحركة خلفا لهنية، ما يعني أن القضية ا*لفلس*طينية سوف يتم التع-اط*ي معها بشكل مختلف في المرحلة المقبلة.
لن تعلن إس*رائي*ل أو ح*ما*س رسميا انهيار المفاوضات، لكن الواقع يشير إلى صعوبة العودة إلى العملية السابقة، وأن تتنقل الوفود بين الدوحة والقاهرة من أجل تجسير الهوة والتوقيع على صفقة أصبحت شبه مستحيلة، فوضع السنوار على رأس الحركة يعني إجبار إس*رائي*ل على المزيد من تعطيل الصفقة وربما إعلان الانسحاب منها، ففكرة التفاوض لدوران العملية السياسية ليست مجدية، ما يقوض المساحة التي تتحرك فيها قطر بحرية، ويمنح مصر فرصة للتحرك كدولة محورية في المنطقة، تواجه تحديات مباشرة لأمنها القومي.
ومع أن إس*رائي*ل أبدت تحفظات على وساطة قطر ووجهت لها اتهامات مؤخرا، لكنها مالت إلى تفضيلها على مصر سابقا، وأسهمت في خلق مساحة اقتصادية وسياسية تحركت من خلالها لتخفيف هيمنة القاهرة على القضية ا*لفلس*طينية وتوابعها الإقليمية.
القاهرة تمكنت من تجاوز العقبات التي خلّفتها معاهدة السلام مع تل أبيب، وفي مقدمتها قطع صلتها بهذه القضية، ونجحت في إيجاد دور لها في جميع مراحل التسوية السياسية، وفوّتت الفرصة على محاولات تهميشها، وقبلت بتصورات سعى أصحابها إلى مساواتها مع قطر التي تبعد آلاف الأميال عن صراع على مشارف الحدود المصرية.
لم تفلح قطر في هضم نتائج اغتيال إسماعيل هنية في طهران، واستوعبت أن استهدافه كان يمكن أن يتم على أراضيها، وفهمت الرسالة من وراء عدم القيام بذلك، وعليها القيام بتحول لافت في علاقتها بح*ما*س قريبا
لعبت التجارب التي خاضتها مصر مع إس*رائي*ل وخبرتها في التعامل مع القضية ا*لفلس*طينية دورا في تحمل الصبر الإستراتيجي الذي تتحلى به القاهرة دوما، ويجعلها تتجاوب مع المتاح، أملا في تعظيم المكاسب منه لاحقا، لأن هدفها السلام وليس الحرب، والهدوء وليس افتعال الأزمات، والأمن وليس الدخول في المناكفات وخدمة أجندات معينة، ما دفعها إلى قبول ما يصعب قبوله أحيانا، وتعرضها إلى ابتزاز من قبل بعض الجهات لتترك الوساطة لقطر بمفردها، أو تشتبك مع إس*رائي*ل على الحدود، وبهدوء نأت عن الخيارين.
فتحت المساهمة القطرية الرمزية في الوساطة والمفاوضات وتوصيل وتلقي الرسائل بين إس*رائي*ل وح*ما*س واحتمال تراجعها، ملفا حيويا يتعلق بالقوى التي تريد القفز على الثوابت الإقليمية، فمهما كان الحذر المصري في التعامل مع بعض القضايا المتفجرة في المنطقة، لا ينهي دورها، أو يلغي وجودها في الجغرافيا السياسية، أو يمنح مزايا لقوى أخرى لتحلّ مكانها، لأن الدور والجغرافيا والإحلال تحتاج إلى مكونات متباينة، لا تملكها دولة في حجم قطر، مع التقدير لاجتهاداتها وسعيها لإنعاش سياستها الخارجية في المحيط الإقليمي.
قد تمرض مصر أو تنهك أو تتراجع عن أداء دورها القيادي مؤقتا، إلا أن انخراطها في القضية ا*لفلس*طينية والقضايا التي تمسّ أمنها القومي عملية غاية في الأهمية، يستحيل أن تفرط فيه لغيرها، وإن بدا ذلك في مسألة النشاط الذي قامت به قطر فقد تم وفقا لحسابات دقيقة ولم تستطع الدوحة الجور صراحة على المحددات المصرية المرسومة ضمنيا.
وعندما تفقد الدوحة تماما ورقة الإسلام السياسي لن تحتل ح*ما*س المكانة نفسها في أجندة قطر، ومن ثم خروجها أو تهميشها في الترتيبات التي تخص القضية ا*لفلس*طينية.
يمثل وجود الدوحة في أيّ عملية سياسية بعيدة المدى بعد وقف الحرب على غ*ز*ة، اعترافا مباشرا بأن كل ما قامت به حيال ح*ما*س كان مخططا وبالتعاون مع إس*رائي*ل والولايات المتحدة، لأن العملية المنتظرة لن تكون فيها الحركة رقما صعبا، ما يعني حدوث تغير كبير في التصورات القطرية.
كما يعزز استبعاد الدوحة أو تخفيض مستوى حضورها الدبلوماسي تهميشها في المستقبل، لأن النافذة التي أدخلت الدوحة منها المساعدات الاقتصادية لغ*ز*ة اختفت مع اندلاع الحرب.
وتتشارك في قصة إعادة الإعمار المتوقع إثارتها بعد وقف إطلاق النار قوى إقليمية ودولية، لن تكون الدوحة قاعدة رئيسية فيها، لأن القاعدة في هذه الحالة من نصيب القاهرة التي سيتزايد دورها عندما يحين موعد ترسيم خارطة القطاع وهو على مرمى حجر من مصر.
محمد أبوالفضل
كاتب مصري
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.