مقالات دينية

القديس العظيم يعقوب المقطع

القديس العظيم يعقوب المقطع

 إعداد / وردا إسحاق قلّو

  كان القديس يعقوب من بلاد فارس ومن أشرافها ، بل من المتقدمين بين رجال بلاط الشاه . ولد في مدينة لابات ، في ناحية سوز الفارسية من عائلة مسيحية كانت من النبلاء الثرية ، أمتازت بالكرم وإستضافة الغرباء . كان يعقوب عائشاً في الربع الأول من القرن الخامس ، والكنيسة على أيامه في تلك البلاد السعيدة ، كانت في هدوء وسكينة . تلقى يعقوب قسطاً وافراً من العلوم . أرتبط بصداقة حميمة مع الشاه الفارسي يزدرد الأول ( 399- 425 ) وأسبغ عليه إمتيازات كثيرة  وكان الشاه يزدجرد ملكاً حليماً ، كثير العدل ، محباً للسلام .

  الغيرة الطائشة حملت أحد الأساقفة على إحراق معبد الشمس . فأضطربت البلاد ، وأثار ذلك العمل موجة أستياء عظيم على المسيحيين ، فقبض الشاه على ذلك الأسقف ، وكان يدعى عبدا ، وحكم عليه بأن يعوّض ما جنت يداه ويعيد نفقته بناء ذلك المعبد . فأبى الأسقف أن يذعن لأمر الملك ، فأمر الملك بق*ت*له ، فق*ت*ل ونال أكليل الأستشهاد . وأن الكاتب الشهير ثاوذوريتس يلوم هذا الأسقف على فعلهِ . لكنه يمدح ثباته على أيمانه ، ويعدّهُ بين الشهداء . ولقد أحصته الكنيسة في عداد القديسين . وأصدر الشاه أمراً يلزم به المسيحيين بتقديم العبادة والذبائح للشمس وللنجوم السيارة وإلا سيسوقهم إلى العذاب والإعدام . لذلك أضحى حظ الكثيرين أكليل الإستشهاد . لكن الكثيرين جبنوا أمام السيف ، وكفروا بإيمانهم وربهم . ومن بين هؤلاء كان يعقوب الشريف ، فكان عليه أن يختار بين إيمانه بالرب يسوع أو الحظوة لدى الشاه . إنه خاف غضب الشاه عليه ، وطمع في ما كان لديه من أموال وخيرات ، وآثر أن يحتفظ بمنزلته في البلاط ، فكفر بالنعمة وقدم البخور لالهة المملكة . علمت زوجته ووالدته بما فعل ، فوجهتا رسالة إليه ، جاء فيها :

   ( عار على من هو مثلك رفيع في الحسب والنسب والإيمان أن يسقط في جب الضلال العالمي طمعاً في أمجاد تافهة مزيفة . من المؤسف أن تؤثر الملك الأرضي على الملك السماوي ، ملك الملوك ورب الأرباب . ماذا نقول فيك يا مستحق النوح والبكاء والشفقة ؟ أية عطية سيجزل لك يا عديم العقل ؟ إننا ننوح من القلب ودموعنا تتساقط مدرارة حزناً على صنعك الممقوت . لكننا نضرع إلى الرب أن يفتح عينيك المغمضتين وأن يلقى بنوره الإلهي في صدرك كي تعود عن غيّك وضلالك . حاول أن تفهم ما آلت إليه حالك . جرّب أن تدرك الخطيئة العظيمة التي وقعت فيها . فكّر في أنك كنت إبناً للنور فأصبحت أبناً للجهنم . لا تفوت فرصة خلاصك ، ولا تؤجل عمل التوبة . مدّ إلى العلى يد التضرع والإنسحاق . عد إلى رشدك وصوابك فيعود فرحنا بك . ولا تنسى أن إصرارك على ما أنت فيه سيجعل بينك وبيننا قطيعة ) .  

 ففعلت تلك الرسالة الحازمة ، المملوءة أيماناً وبسالة ، فعلها المنتظر في قلب يعقوب فندم على ما فرط منه وأفاق من سكره وبكى بكاءً مراً ، فبات أن يمحو خيانته لرب السموات والأرض ، وبالدم إن لزم الأمر ، ، فخرج إلى الشوارع مجاهراً بإيمانه بالرب يسوع ونبذ الأوثان  ، فكان يصيح ويقول : ( أنا مسيحي ، أنا مسيحي ) .

   علِمَ الشاه بما كان ، فأمر به ، فقبض عليه وجيء بهِ إلى الشاه ، فسأله كيف يجسر على الإعتراف جهراً بالمسيح ؟ فأخذ يعقوب ينوح ، ويقول أنه خطىْ إلى الرب بتقديمه البخور للكواكب المخلوقة الغير الناطقة ، وإنه يريد أن يكفّر أثمه بقية حياته . حاول يزدجرد إغراءه بالمناصب والمال والأمجاد فلم يبال ، قال أنه مستعد أن يهبه حتى نصف مملكته فلم يصغ ، فهدده ولم يكترث ، إذ ذاك ثار ثائر الشاه عليه ، وتهدده بأن يقطعه أرباً إن هو بقي مصراً على عنادهِ ولم يخضع لأوامره . فأسرع يعقوب ومدّ أعضاءه للتقطيع تقشعر لذكرها الأبدان . أما هو ، فكان كلما قطعوا له عضواً قدّمَ الآخر ، كأن الدماء المتفجرة ليست من دمائه ، والأعضاء المبتورة ليست من جسده ومن لحمه . ولما اصبح رّمة مطروحة على الأرض ، ضربوا عنقه ، ففاز بأكليل الإستشهاد والمجد . وطارت نفسه الشريفة إلى النعيم الأبدي ، إلى الملك السماوي الذي لا تنطفىء له أنوار ، ولا يغرب له نهار  .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
وعداللّه رسّام
وعداللّه رسّام
2023-11-23 18:30

مختصر جميل وافي الغرض يحتوي ثبوتيّة تأريخيّة ضمن التراث والتقليد والأهم ما في ذلك هو الإيمان حتّى الشهادة بالإستشهاد.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!