مقالات دينية

إرتداد الكاردينال جان ماري من اليهودية إلى رئاسة أبرشية باريس

إرتداد الكاردينال جان ماري من اليهودية إلى رئاسة أبرشية باريس

بقلم / وردا إسحاق قلو

إرتداد الكاردينال جان ماري من اليهودية إلى رئاسة أبرشية باريس

عائلة يهودية هاجرت إلى باريس فولد لها أبناً سميَ ( أهرون ) في 17 أيلول من عام 1926 ، وبعد عودة العائلة إلى بولونيا ظل هارون في العاصمة الفرنسية ، ومنها انتقل إلى مدينة أورليان الفرنسية فاحتضنته عائلة كاثوليكية كواحد من أبنائها . تعمد في 25 آب سنة 1940م وإحتفل بالقربانة الأولى مستبدلاً إسمه اليهودي إلى ( جان ماري لوستيجيه ) . بعد ثلاث سنوات وصله خبر إلقاء النازيين القبض على والدته في بولونيا وحرقها مع اليهود والكثيرين في أفران الغاز . بدأ ببعض الأشغال اليدوية لأجل المعيشة ، ومن ثم انتقل إلى باريس ملبياً دعوة الله إلى الكهنوت . دخل المدرسة الأكليريكية ، ومن ثم ارتسم كاهناً في 1954 وهو في الثامنة والعشرون من عمره . أكمل تخصصهِ في السوربون ، ومارس رسالته الكهنوتية مع الشبيبة في الجامعة الكاثوليكية .
في أواخر 1979 عينهُ البابا الجديد يوحنا بولس الثاني أسقفاً على أبرشية أورليان التي أمضى سنوات فتوَتهِ فيها فأدارها بكل غيرة وتفان لمدة اربع سنوات حافلة بالأعمال والسهر على خير أبنائها الذين أحبهم وأحبوه .
عندما بلغ أسقف باريس سن التقاعد سنة 1983 كان على البابا أن يعيّن خلفاً لهُ . فأمضى قداستهِ الأيام والساعات الطويلة في الصلاة مستلهماً إرادة الله قبل الإقدام على القرار النهائي ، وكتب رسالة سرية إلى أسقف أورليان الذي أجابه بإعتذار بقوله ( أذكر قداستكم بمن كنت أنا وبمن هما والداي ) غير أن البابا أصرّ على الأمر وأصدر قرار التعيين ، وكتب أحد واضعي سيرة قداسته ، يقول ( أن البابا يوحنا بولس الثاني واجه قرار التعيين وهو جاث في الكابيلا في جناحهِ الخاص . إلى أن توضح له القرار ) . فأعلن المطران الجديد خضوعهِ البنوي لهذا التعيين . . ولما ذهب إلى روما لمقابلة الحبر الأعظم ، قال له سكرتير قداسته ( إنك ثمرة صلوات البابا ) . وكانت المفاجأة الكبرى في باريس ووسائل الإعلام العالمية بأن شخصاً من أصل يهودي وأجنبي أصبح كاردينالاً ورئيس أساقفة أكبر أبرشية في فرنسا ، وعضواً في مجامع ولجان فاتيكانية عديدة ، وممثلاً للبابا في الإحتفالات الرسمية الوطنية والعالمية ، وعلى أثر إعتلال صحة قداسته ، راح الكثيرون يلهجون بأنه سيخلفه على عرش البابوية . وسيكون ثاني يهودي على رأس الكنيسة الكاثوليكية . فالأول كان مار بطرس ” هامة الرسل “ وعلقت الصحافة الباريسية على لسان شخصية معادية للكنيسة بأنها فوجئت بتعيين ( يهودي مرتد ) . أما في أوساط الإكليروس فكان هناك حذر وترقب وإنتقاد ، فتدخل سلفهُ الكردينال ( مارتي ) لتهدئة خواطر الكهنة الشباب الذين يعرفهم جيداً ، وقال لهم ، إنه سيكون صوتهم الداعي إلى الإنفتاح والتغييرعلى خط مواطنه البابا يوحنا بولس الثاني .
في شهر آب من سنة 1997 كان قداسة البابا يرأس في باريس أسبوع الشبيبة تحت عنوان ( يا معلم أين تقيم ؟ ) ” يو 38:1 ” . شارك فيه مليون شاب وشابة من القارات الخمسة ، فكان الكاردينال جان إلى جانب البابا مفترشاً وإياه الأرض وسط هذا البحرالزاخر من الشباب طيلة أسبوع حافل بالإحفالات واللقاءات ، وخاطبهم البابا قائلاً ( أشعر بأني شاب بينكم ) وهو إبن السابعة والسبعون . طلب منهم بأن يكونوا أسخياء مع المسيح الذي سخا بحياته من أجل الإنسان ( وأن يعرفوا أين يقيم ) أنه يقيم في قلوبهم وعقولهم ، ويدعوهم إلى إكتشافه في شخص الفقراء والمهمشين . وختاماً طَوَبَ قداسته في القداس الإحتفالي العلماني ( فريدريك أوزانام ) الإستاذ الجامعي ، ومؤسس جمعية مار منصور دي يول ، الذي مات في الأربعين من سنيهِ ، فقدمهُ مثالاً وشفيعاً للشبيبة التي تبحث عن المسيح لتخدمهُ في شخص الفقراء والمعوزين .
علَقَ الكردينال جان بتصريح رائع على النتائج الخلاقة لكلمات قداستهِ أثناء أسبوع الشبيبة بأنها : شهادة متجسدة في المكان الذي حصلت فيهِ ثورة الطلاب العنيفة قبلها بعشر سنوات . كما وضع الكردينال برنامجاً لمواعظ الصوم يلقيها بنفسه من إذاعة كرسيه في كاتدرائية نوتردام . ووضع العديد من المؤلفات الروحية واللاهوتية والراعوية عالجَ فيها قضايا الإنسان والمجتمع البشري مع ضوء تعاليم المسيح ، أهمها كتاب بعنوان ( إختيار الله ) .
إنتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية خلفاً للكردينال ( ألبير ديكورتراي ) فأصبحَ واحداً من ( الأربعين الخالدين ) . لعب الكاردينال لوستيجيه دوراً كبيراً للتقريب بين المسيحيين واليهود ، وكان وراء زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى دولة إس*رائي*ل وذهابه إلى حائئئئئط المبكى في أورشليم ، وإلى نصب ياد فاشم القريب من تل أبيب . كذلك لعب لوستيجيه الذي انتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية الدور الأبرز في حمل مجمع الكرادلة والمطرانة الفرنسيين على التعبير عن ( التوبة ) من اليهود للدور السلبي الذي لعبتهُ الكنيسة بحقهم أبان الحرب العالمية الثانية . وخصص لوستيجيه الكثير من وقته للتقريب بين السيحيين واليهود فزار إس*رائي*ل في العام 1996 وقاد أكثر من بعثة كنسية للحوار بين الأديان ، وكان يعد في العاصمة الفرنسية من أكثر الشخصيات الروحية وحتى الزمنية تأثيراً ، بما في ذلك في المجال السياسي ، حيث حارب الأشتراكيين عندما سعوا إلى تقييد التعليم الكاثوليكي الخاص لمصلحة التعليم العام .

في عام 2005م لدى بلوغهِ السن القانونية للتقاعد ، قَدّمَ إستقالتهِ للبابا بنديكتوس السادس عشر النتخب حديثاً . فأمضى سنتين بالصلاة والتأمل والكتابة ، إلى أن إستدعاهُ الرب إلى السماء في 5 آب سنة 2007 وهو في الثمانين من عمره وجاء في رسالة الوداع ، وهي آخر ما خطته يداه ( … دعوا خارجاً التحاسد والمطامع وإنطواء الجماعات المسيحية على ذاتها ، وعليكم بالتضامن لخلق نسيج متماسك في سبيل البشارة ) .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1″

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!