آراء متنوعة

الجانب المظلم من العولمة “الحلقة الثانية”

عمر سعد سلمان

يسود في اقتصاد السوق ذلك القانون، بأن الشركات الصناعية الكبيرة، تميل الى افتراس الصغيرة منها، هذه الاندماجات كانت مقتصرة على الإطار الوطني، لكنها بدأت تظهر على المستوى الدولي، رغم انه كان يتوجب منع تحول هذه الاندماجات الى احتكار السوق.
مع مطلع الالفية الثالثة أصبحت السوق الاوربية معولمة، وراحت شركات كبيرة تحاول ان تستعد لهذا السوق الكبير عن طريق الاندماج والانتقال. فحرية انتقال رؤوس الأموال تعود الى قدرة رؤوس الأموال ذاتها على الانتقال الى مستوى عالمي والتطور بشكل مستمر. وتبرر الشركات هذا التحول بدعاوى الصراع التنافسي الحاد مع الشركات الأجنبية، ولذلك فهي تحتاج الاندماج مع شركات أخرى، اذ يصبح بمقدورها إيجاد وسائل التمويل الضرورية لأبحاث الإنتاج والتطوير، الامر الذي يتيح لها التوصل الى نتائج سريعة. ومن يستطيع ان يكون الأول في السوق، يمتلك فرصة التحكم بتكلفة التطوير والتنمية، اذ ان الأسرع يلتهم الابطأ، ولأنه لا أحد يريد ان يلتهم في السوق، فالشركات تتسابق الى الامام يفكرون بسرعة، يقررون يطورون، ينتجون ليكونوا في المقدمة، وعبر الاندماج هنا يمكن الحصول على المزايا المتاحة من جراء المنافسة.
ان الشركات الكبرى أصبحت تشكل خطراً كبيراً على الدولة الديمقراطية، اذ انه من خلال التركز المتزايد للشركات تنشأ مقدرة هائلة لسلطة خارجة عن البرلمان والحكومة، والتي هي بدون هوية او موافقة ديمقراطية، فالشركات الكبرى تملك مواقع قوية لوضع أهدافها في وجه السياسة والشركات الصغيرة، ودائماً وعلى وجه واسع، تستغل هذه الشركات دعم بحوثها من أموال الدولة، وهي لا تتقاسم الربح الذي تحصل عليه مع المجتمع، والشركات الكبرى تحصل على عقود الدولة والدعم المالي، بحيث لا يتم تهديدها لدى تخفيض الآلاف من فرص العمل او نقل مواقعها الى الخارج، فهي تملك اليوم- في ظل الرأسمالية الضخمة – القوة، لان تثير الدول ضد بعضها البعض، حيث تختار مواقع صناعتها او شركاتها وتوطينها من جديد.
وتبدو الدول مرغمة على ممارسة السياسة في مصلحة الشركات الكبرى، والذي يثير الاستغراب، كيف ان الحكومات لا تميز الشركات المتوسطة عن الكبيرة متعددة الجنسيات، فتمنحها فرصة عادلة للمنافسة، ذلك لان القيادة في قضايا الاختراع وخلق فرص العمل لا تعود الى الشركات متعددة الجنسية، وانما الى تلك المتوسطة والصغيرة (حتى 500 عامل) اذ تستوعب هذه ما نسبته 71.9% من مجموع عمال الاتحاد الأوروبي.
وتترافق عملية التركز في القطاع الصناعي بحمى الاندماج والسلطة المتزايدة للبنوك، ذلك ان البنوك الكبيرة وحملة الأسهم وزبائنهم، يراقبون على الدوام، الأقسام الواسعة من الاقتصاد الوطني. وقد حصلت اندماجات كبيرة بين البنوك في الـ 25 سنة الأخيرة في أوروبا بالتزامن مع الاستغناء على الآلاف من الموظفين رغم تحقق الأرباح للكيانات المندمجة، وقد ارتفعت أسهم هذه البنوك مع الامل المنتظر في ظل اندماجات مستمرة.
ويجيء سباق العولمة ليعطي هذه التطورات لجهة الاتحاد والاندماج بين المؤسسات والشركات، دفعاً فيصبح أكثر قوة. ذلك ان الفضاءات الاقتصادية الواسعة تعني المزيد من المنافسة بين الشركات، ويظل المنتصر في هذا الصراع قلة من الشركات الكبيرة الاحتكارية، اذ تتقاسم السوق فيما بينها، فتعود اليها حركة الشركات الخاسرة والمهزومة في هذه السباق التنافسي.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!