مدينة بابل . تسميتها .. موقعها .. تاريخها الحضاري

الكاتب: وردااسحاق
مدينة بابل .  تسميتها .. موقعها .. تاريخها الحضاري
ما هو أصل كلمة بابل ، وما هو تفسيرها ؟ أصل الكلمة هو من ( باب أيلو ) من اللغة الأكدية ، ومعناه ( باب الله ) . وهناك أسماً سومرياً مرادفاً وهو( كادينجرا) وتعتبر حي من أحياء بابل القديمة (شنعار ) . أسماء أخرى أطلقت على بابل منها ( تندير ) أي  مركز الحياة و( ايرودوكي ) المدينة الطيبة أو الفردوس ، أذ كان الباب*لي*ون يعتقدون أنها جنة عدن في بقعتها و ( سو – أنا ) أي اليد العالية ويظن أن المعنى هو ( ذات الأسوار العالية ) . وهناك اسماء اخرى اطلق على المدينة مثل ( جنة الحياة ) و ( بابيلاني ) أي بوابة الآلهة . كما كانت تسمة ( مدينة القنوات )  ألا أن أسم بابل بقي الأقوى والأكثر شهرة وظهر لأول مرة ، بشكل مؤكد في العصر الأكدي ، حيث شيّد الملك شركلي شري الأكدي معبدين في مدينة بابل . أستمر أسم بابل متداولاً حتى دخول أسكندر المقدوني الى بلاد ما بين النهرين ، وأنتقال الحكم من بعده عام 311 ق.م الى السلوقيين فسميت جنوب ما بين النهرين ببابل أما الوسط والشمال وأعالي الفرات حتى حلب فقد أطلق عليها بلاد آشور .
أما موقعها الجغرافي فهو على ضفاف الفرات القديم المسمى حالياً ب ( شط الحلة ) الواقع على خط العرض  32 درجة – 32 درجة وشرق خط الطول 44 درجة -26 درجة وذلك في مركز الأراضي الخصبة من بلاد الرافدين الجنوبية والتي كانت تحمل أسم ( بلاد أكد ) لدى العراقين القدامى مقابل بلاد سومر من جهة الجنوب . وتعود تسمية بلاد أكد الىسلالة سركون الأكدي بحدود 2350 ق.م حيث كان يحكم أول الأمر في مدينة كيش القريبة من بابل ثم انتقل الى عاصمته الجديدة أكد .
تتوسط مدينة بابل جغرافياً مدن عدة أكدية وبابلية مهمة منها :
أولاً – كيش : تقع جنوب شرق بابل
ثانياً – سبار: تقع على قناة سبار الأثرية جنوب مدينة اليوسفية ب 4 كم .
ثالثاُ –  دير : تقع على الحافة الشمالية لقناة اليوسفية قبل مركز قضاء اليوسفية .
رابعاً – أكد : يعتقد بأنها كانت قريبة من مدينة سبار .
خامساً – دور كوريكالزو ( عقرقوف حالياً ) شمال غرب بغداد .
أما عن بغداد فتبعد مدينة بابل الأثرية بحدود 80 كم . برز العمران وأنتشر في العراق فعندما أندثرت مدينة فسرعان ما تبنى مدينة بديلة عنها وقريبة منها وقد تكون على الطرف المقابل لكن ليس على أنقاض القديمة ، فظهرت مدينة الحلة كقصبة صغرة على الطرف المقابل لبابل . كما ظهرت مدينة الموصل مقابل نينوى . والناصرية بين أور ونهر الفرات وهكذا بالنسبة الى مدن أخرة كثيرة .
أما تاريخ بابل ، فلا يعرف الزمن الذي نشأت فيه المدينة ، الا أنها كانت معروفة عند السومريين بأسم كا – دينجرا وهي ترجمة حرفية للكلمة الأكدية ( باب أيلو أو باب أيلي ) . إلا أن بابل كانت معروفة قبل حمورابي في العهد السومري الحديث 2003 ق.م ولربما نشات فوق مستوطنات زراعية من عهود أقدم قد يكشف عنها التنقيب اذا ما أستطعنا الوصول الى الطبقات السفلى تحت مستوى المياه الجوفية الحالي . أما في الكتاب المقدس فجاء في سفر التكوين 8-10 : 10أن نمرود أسس بابل على أن البابليين ينسبونها الى مردوخ . لا يعرف تاريخ تأسيسها الحقيقي ، ولكنه من المؤكد أنه يعود الى الأزمنة البدائية لأن علم الآثار أكتشف أن الطبقة السفلى لبابل ترجع الى 40000 سنة ق.م . أما الهها الأعظم ورأس مجموعة الألهة فصار مردوخ بسبب نفوذ بابل كعاصمة أذ كانت محج عبادته , وقد وصلت بابل العظيمة الى ذروة مجدها في القرن الثامن عشر ق.م أي في عصر الملك حمورابي المشترع العظيم من الأسرة البابلية الأولى ( قام بتشريع قوانينه الشهيرة ” 282 مادة قانونية ” في السنة 43 من حكمه ) ووضع نسخة من قوانينه على مسلة سوداء من حجر الديوريت في كل من مدينتي بابل وسبار .
سقطت بابل على يد مرشيلي الأول القادم من بلاد الأنلضول عن طريق حلب ، وذلك بعد عام 1594 ق.م حيث انتهى حكم آخرملك من سلالة بابل الأولى وهو سمسوديتانا .
أستطاع الكاشيون حكم بابل بعد خروج الحثيين من بلاد الرافدين حتى استطاع الملك الآشوري توكولتي نينورتا الأول 1244 – 1208 تحريرها والقضاء على الملك الكاشي كاشتيلياش واستمر الحكم في بابل من سلالات متعددة ومتفرقة ضعيفة .. كما حكم ملوك آشوريين منهم ( شمس شمواوكين ) أخ الملك آشور بانيبال ، والذي ثار عليه فقضي عليه الأخير . أستطاعت سلالة نبوبلاصر والد الملك نبوخذنصر تأسيس حكمها في بابل واستطاع نبوبلاصر القضاء على عاصمة الآشوريين عام 612 ق.م وأستمر حكمه حتى عام 561 ق .م حكم بعده ثلاث ملوك ثم جاء نابوئيد آخر الملوك الكبار في بابل ( 550 – 529) ق.م والذي انتهى حكمه بدخول كورش الى بابل في 29- 10 – 539 ق.م ساعده في الأحتلال اليهود المقيميين في بابل والذين سباهم نبوخذنصر مستخدمين آيات ونبؤات سفر أشعيا النبي والتي سنتناولها بالتفصيل في مقال خاص .
لم تتمتع بابل بالهدوء بعد سقوطها فثارت بعد ا*نت*حا*ر قمبيز إبن كورش فدمرها دارا الأول وق*ت*ل قادتها .. وكذلك فعل احشويرش الملك فيما بعده فهدم معبدها وزقورتها وسبي تمثال الأله مردوخ .
حكم بعد كورش أبنه قمبيز الثاني في بابل 529 – 522 ق.م والذي ثارت عليه بابل فقضى عليعا بقسوة .
كما ثارت بابل في عهد دارا الأول بقيادة نبوخذنصر الخامس في 22 كانون الثاني 521 ق.م فقام دارا بمهاجمة بابل ودمرها وسلبها وخوزق ملكها وسرق قبور ملوكها ، وهدم أسوارها الداخلية .
استمر حكم الأخمينيين الفرس الى عهد دارا الثالث في 336 – 331 حيث جاء الأسكندر المقدوني ليقضي على دارا وجيوشه في معركة أربيل الشهيرة ، ودخل بابل للمرة الثانية بعد عودته من الهند واتخذها عاصمة له وكان يريد تحويلها الى عاصمة للعالم كله فأمر ببناء ميناء ضخم على فرات بابل لأستقبال ألف سفينة حربية مع مخازنها ومستودعاتها ، ظناً منه ان الوصول الى الجزيرة العربية هو عن طريق بابل والخليج وقبل أيام من بدء حملته سقط مريضاً لمدة عشرة أيام ومات في 10 حزيران 323 ق.م ويعتقد انه مات بمرض الملاريا أو بسبب التهاب رئوي حاد نتيجة لأصابته بسهم في أحدى المعارك .
بدأت بابل بالضمور التدريجي لفقدانها القوة السياسية ولتحول سكان المنطقة عن نهر الفرات الى دجلة في العهدين السلوقي والساساني ، وهكذا بدأت بابل بالزوال . ذكر الأصطخري بأن بابل كانت قريةً صغيرة عندما مر فيها في القرن العاشر الميلادي . سنتناول جوانب أخرى عن بابل في مقالات لاحقة .
بقلم
وردا أسحاق عيسى
ونزرد – كندا
 
..