مقالات دينية

ضرورة دفن الموتى عند الأمم وفي العهدين

ضرورة دفن الموتى عند الأمم وفي العهدين

بقلم / وردا إسحاق قلّو

ضرورة دفن الموتى عند الأمم وفي العهدين

                 قال الرب يسوع ( طيّبَت جسدي إستعداداً لدفني )

   الإنسان منذ القِدَم أعتقد بأنه مهما بلغ من سلطة وقوة وصحة وجبروت فإنه سيلاقي حتفهُ ، فكلكامش الذي حاول أن يعيش الخلود فشل وأستسلمَ إلى القدر رغم الصفات الخارقة التي كان يتمتع بها ومن أبرزها أنه خلق ثلثاه من مادة الآلهة التي كان يؤمن بها ، كما لم يكن الموت في عقيدة السومريين والبابلين فناء مطلق للإنسان ، بل هو إنفصال الروح عن الجسد ، فالجسد يستقر في القبر ، أما الروح فينزل إلى عالم الأموات في الأرض السفلى ، أي إلى عالم الأموات الذي أطلقوا عليه السومريين لفظ ( كور ) لتبقى هناك إلى أبد الدهور . أي لا يؤمنون بعودة الروح إلى الجسد ولا بالقيامة . لكنهم كانوا يدفنون موتاهم بإحترام ، والإكتشافات الأثرية وجدت مئات المقابر في بلاد ما بين النهرين والتي أكتشف من خلالها عادة دفن الموتى . ففي أور معظم الناس دفنوا في مقابر الأسرة تحت منازلهم . وهناك عدد قليل تم العثور عليهم ملفوفين في حصير السجاد ، كما وجدوا أطفال متوفين وضعوا في جِرار كبيرة . ، وبقايا أخرى تم العثور عليها مدفونة في مقبرة عامة للمدينة . كم وجد في بعض القبور الملكية قطع ثمينة .  فالأقدمون في وادي الرافدين أكدوا على ضرورة دفن الميّت ، وعلى ضرورة تقديم القرابين وإقامة الصلوات على روحه ، أي كانوا يعتقدون ببقاء علاقة وصلة وثيقة بين الروح والجسد المحفوظ في القبر ، فبقاء الجسد مستقراً يجلب الطمأنينة إلى الروح المنطلقة إلى عالمها السفلي . وموضوع نبش القبر وبعثرة العظام كان مدعاة قلق وعذاب للروح ، وهذا قول الملك العظيم آشور بانيبال بهذا الخصوص لأعدائه العيلاميين : ( لقد أنهيت وخربت ، كما عرضت إلى الشمس قبور ملوكهم الأقدمين والمتأخرين الذين لم يخشوا بطش سيدي الإله آشور والآلهة عشتار والذين أزعجوا آبائي الملوك ، وقد سلَطتُ على أرواحهم القلق وحرمتهم من قرابين الطعام وسكب الماء ) . كما أعتقد سكان ما بين النهرين على ضرورة دفن الموتى لأن على خلاف ذلك سوف لا تعرف روحه الإستقرار فتخرج إلى دنيا الأحياء على شكل شبح وكما في المعتقد السومري والأكدي ويجوب الشوارع فيأكل الطين والنفايات ويشرب الماء الآسن ويلحق الأذى والأمراض بالناس . وهذا مثال لخروج شبح الميّت من العالم الأسفل لملاقات صديق أو رفيق من الأحياء ( خرج شبح أنكيدو لملاقاة صديقه كلكامش ، وشبح صوئيل لملاقاة الملك المتمرد شاول بحضور الساحرة ) . كانت أقصى عقوبة يمكن أن تفرض على الإنسان هي أن يترك جسده في العراء غير مدفون ، نذكر مضمون المادة (52) من القانون الآشوري ، وينص : ( إذا سقطت إمرأة ” ثمرة ” رحمها بمحض إرادتها وأثبتت التهمة ضدها فأنها سوف توأد ولا تدفن . وإذا ماتت بسبب إسقاط ثمرة رحمها فأنها سوف توأد ولا تدفن ) . أما لدى العبرانيين فأن دفن الميت أمراً مسلماً يصرف النظر عن ظروف موته ، سواء مات موتاً طبيعياً أو منتحراً ( طالع 2 صم 23:17 ) أم قتيلاً ( طالع يشوع 29:8 و 10 : 23-27 ) كما أعتبر دفن المَيّت عمل خير لنيل رضا الرب . أخبروا داود الملك قائلين له ، إن رجال بابيش جلعاد هم الذين دفنوا شاول ، فأرسل إلى أهل بابيش جلعاد ليقول لهم ( مباركون أنتم إذ قد فعلتم هذا المعروف بسيدكم شاول فدفنتموه ) . كذلك في الحضارة المصرية نجد بأن المصريين كانوا يدفنون موتاهم ، ويحنطون أجساد البارزين منهم كالفراعنة وكما تم تحنيط جسد أبينا يعقوب بأمر من أبنه يوسف . كما تم تشييد أهرامات عظيمة حفظ فيها أجساد الفراعنة .

   نفهم من أسفار العهد القديم بأن عدم دفن الأشرار الخارجين على طاعة الله كان إشارة إلى غضب الله عليهم كنبوخذنصر الذي حرم من الدفن بسبب اللعنة الكبرى من السماء ( راجع 1مل 21:13 -22 و أش 19:14 و أر 19:22 ) في حين يكون من الواجب دفن الأخيار من الناس ، لهذا كتب ( وقد ساء عملك أكثر من جميع الذين كانوا قبلك . لذلك ها أنذا جالب شراً على بيت يربعام .. من مات ليربعام في المدينة تأكله الكلاب . ومن مات في الحقل تأكله طيور السماء لأن الرب تكلم ، وأنت فقومي وانطلقي إلى بيتك وعند دخول رجلين المدينة يموت الولد ويندبه الجميع ويدفنونه لأن هذا وحده من يربعام يدخل القبر لأنه وجد فيه أمر صالح نحو الرب ) “ 1 مل 4: 9-14 ” .

  والعهد القديم يأمر بدفن المَيّت بإكرام ، كتب إبن سيراخ في سفره وقال ( أذرف الدموع يا إبني على المَيّت .. كَفّن جسدُ كما يليق ، ولا تتهاون بدفنهِ ) ” 38: 38 – 22 ” .

وفي ( 2 مل 13: 20-21 ) يذكر أن لجسد الميت قوة فجسد الميت الذي سقط على قبر النبي إيليشاع ولمس قبره عاد الروح في جسد الميّت وبهذا أراد الله أن يكشف للأجيال بأن القداسة ترافق جسد المقبور وبهذا يثبت سر قداسة جثمان النبي المقبور ، ولهذه الأسباب تُكرم الكنيسة رفاة قديسيها ، وكل أجساد المؤمنين الراقدين لأنها آنية مقدسة محفوظة ليوم القيامة ، فالميت يجب أن يدفن جسده لأن ذلك الجسد كان هيكلاً للروح القدس الذي يقدس العظام . لهذا لا يجوز أن يباع للمستشفيات أو للمختبرات العلمية ، بل يدفن بإحترام في التراب لأنه من التراب وإلى التراب يجب أن يعود . كما لا يجوز حرق الجثة وتحويلها إلى رماد كما يفعل الهنود بجثث موتاهم ويحولونها إلى رماد يذرى فوق الجبال أو على المياه الجارية أو على أرض قاحلة عكس معتقدات كل الأديان السماوية . أما الصينيون فيقبرون موتاهم في مقابر تحفر على رؤوس الجبال أو على أراضي مرتفعة . هناك الكثيرون من المسيحين في الغرب يحرقون جثث موتاهم لكي لا تتحمل العائلة مصاريف شراء التابوت والقبر وغيرها ، إنه لأمر سخيف يؤلم نفس الميّت ، هذا الأمر غريب وغير مقبول في المسيحية فلا يجوز حرق جسد الموتى إلا في حالة صدور أمر من الكنيسة لحرقها في حالة وجود وباء خطير وذلك لغرض سلامة الأحياء والقضاء على الوباء ، بشرط أن تدفن رمادها . 

    جسد الإنسان هو من صنع الله ، والكتاب المقدس أوصى على عدم ترك أجساد الموتى بدون دفن ، وحتى لأعتى الأعداء ، كتب حزقيال النبي ( ويقبرهن بيت إس*رائي*ل ليطهروا الأرض سبعة أشهر ) ” حز 12:39 ” . فللميّت حق الجناز بعد أن تغمض عيناه ، وهذا ما حصل منذ فترة سفر التكوين ( طالع 4:46 ) . وفي العهد الجديد قال الرب يسوع ( طيّبَت جسدي إستعداداً لدفني ) ، وبعد موته أشترى نيقوديموس مُراً وعود نحو مئة رطل لدفن يسوع ، ودفن في قبر جديد . كان الميّت ينقل على حمالة كالتي كان عليها إبنة أرملة ناين الذي اقامه الرب يسوع .

   لجسد المؤمن قيمة يستحق الإحترام ، لأنه بحد ذاته يستحق الإحترام حتى بعد الموت لأنه هيكل الروح القدس ( 1 قور 15:6 ) وهو هيكل الله الحي ( 2 قور 16:6 ) لذلك يقول الرسول ( مجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله ) ” 1 قور 20:6 ” لهذا لم يكن اليهود يحرقون موتاهم ، بل كان لديهم الرعب من حرق الميت لأنهم كانوا يعتبروا هذا العمل ضد ناموس الطبيعة ، بل تعتبر قصاصاً إضافياً يلي ج#ريم*ة الإعدام . لهذا يجب أن تدفن في مقابر بعيدة عن المساكن بخمسون ذراعاً . فوادي يهوشافاط كان ممتلئاً بتلك المقابر ، وما يحدث للميّت بعد القبر يختص بالله وحده .

دفن جسد المؤمن يجب أن يدفن بإحترام ومقرون بالصلوات من قبل الكاهن ومؤمني الكنيسة ، والكاهن يرشه بالماء المبارك ، وتستمر صلوات الأهل وتقديم الذبائح الإلهية لقريبهم تعبيراً عن إستمرار التواصل بين كنيستنا الأرضية والكنيسة السماوية الممجدة .

 التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن )  “رو 16:1”

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!