هل يتناقض تعليم بولس مع المسيح والرسل في موضوع الخلاص ؟
الكاتب: وردا اسحاق
هل يتناقض تعليم بولس مع المسيح والرسل في موضوع الخلاص ؟
بقلم/ وردا أسحاق القلّو
( دراسة تحليلية لآراء المسيح والرسل ومار بولس حول الخلاص بالأيمان ، والأعمال ، والنعمة )
خلاص الأنسان يبدأ بالأيمان أولاً ، والأيمان هو وأختيار وأنتماء يأتي كهبة للأنسان من السماء . لا يأتي عن طريق العقل والعلم والمنطق . الأيمان هو الذي يعطي الثقة بالهدف الذي يؤمن به وكما قال الرسول بولس ( أما الأيمان فهو الثقة بأن ما نرجوه لا بد أن يتحقق ، والأقتناع بأن ما لا نراه موجود حقاً ) ” عب 1:11″ ففي المسيحية يبدا بالأعتراف بيسوع المسيح أولاً ، ومن ثم تسليم الذات له ، وقبوله رباً ومخلصاً ، وكما تقول الآية ( … لا يهلك كل من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية ) ” يو 16:3 ” نقول ، وهل الأيمان يكفي للخلاص ؟ هذا ما يعتقده الكثيرون مكتفين ببعض الآيات كهذه ( فسألوه : ” ماذا نفعل لنعمل ما يطلبه الله هو أن تؤمنوا بمن أرسله ) ” يو 6: 28-29 ” أي آمن فقط ، بهذا ينكرون عمل المعمودية ، فلا يلتزمون حتى بالآية التي تقول ( من آمن وتعمد خلص ) ” مر 16:16 ” أي التوبة والأيمان أولاً ، ومن ثم المعمودية ، وحسب الآية ( توبوا ، وليعتمد كل واحد منكم بأسم يسوع المسيح …. ) ” أع 38:2 ” . أنهم يلجأون إلى مبدأ الحذف والتلخيص والترشيق علماً بأن هذه الآية تسبقها آية أخرى تحث المعمدين إلى العمل بعد العماد ، فتقول ( أذهبوا إلى العالم أجمع وبشروا الخليقة بالأنجيل )
كذلك يستخدمون آيات في غير محلها لتمشية غاياتهم وأهدافهم لكنها لا تصمد أمام التفسير الصحيح للكنيسة الجامعة , هذا الأسلوب الهادف الى التمرد والأنشقاق ليس لصالح كنيسة الرب الذي يريدها واحدة موحدة كما هو والآب واحد , أستعمل مارتن لوثر ذات الأسلوب فأراد حذف رسالة يعقوب , لأنها توضح أهمية الأعمال مع الأيمان أكثر من كل الأسفار , والذي هو مدار بحثنا هذا . الكنيسة هي جسد المسيح التي تلج فيها الناس بالمعمودية كما من باب , أما الذي هو خارج الكنيسة فتقع ضرورة تبشيره على عاتق المؤمنين . إذاً على كل مؤمن معمد أعمال وواجبات ووزنات ، وهذه الأعمال ترافق ذلك الأيمان دائماً لأنهما كجسد واحد مرتبط لا يجوز الفصل بينهما لأن غايتهما واحدة مقدسة لأجل خلاص الجميع ( الله يريد أن جميع الناس يخلصون ويبلغون الى معرفة الحق) ” 1 تي 4:2″ . الأيمان نابع من تعليم الأنجيل ، وما كتب فيه ما هو الا رؤوس نقاط لأفكار الله اللامحدودة , أو عناوين لدروس عميقة وعظيمة تتسرب الى أذهان كبار المفسرين وحتى الصغار منهم , وما يؤدي الى سوء فهمهم للحقائق لدى البعض ، نشأت مذاهب وفلسفات لاهوتية خاطئة أدت بمفكريها للوصول الى مفاهيم ملؤها الكفر والهرطقة فتورطوا معهم أناس آخرين , كفلسفة آريوس وغيره . يجب أن يكون للمفسر رؤية ثاقبة مبنية على أساس من الأيمان والأطلاع واللجوء الى الروح القدس لكي يلهمه للوصول الى التفسير الصحيح , وإلا سيصطدم بجدار من الأخطاء دون أن يشعرفيصبح عثرة للآخرين , والرب يسوع يحذر الجميع من تلك الأخطاء التي تنقل الى صغار المؤمنين بقوله ( من سبب في عثرة واحد من هؤلاء الصغار كان الأجدر به بأن يعلق في عنقه حجر الرحى ويطرح في عمق البحر) . أذن علينا جميعاً أن نقرأ ونفهم كل آية تتحدث عن موضوع نريد أن نتناوله ولا نتوهم بأن تعليم يسوع يختلف عن تعليم بولس , وبولس عن يعقوب ويوحنا , ونركز الآن الى ما يعنيه موضوع الأيمان والأعمال وحسب أقوالهم لكي نعلم في الأخير بأن للرب والرسل جميعاً رأياً واحداً ولا يوجد مجال للأختلاف والتناقض بل الأختلاف يعشعش فينا لقلة أيماننا ولسبب تفسيرنا الخاطىء وكبريائنا الذي لا يسمح لنا بالتنازل للطرف الآخرلكوننا ننتمي الى فئة طائفية كنسية لا نريد أن نتنازل لغيرها وهكذا نهين الأنجيل المقدس لا وبل نتهم المسيح والرسل بأنهم هم الذين قالوا ذلك معززين كلامنا بآيات وأقوال دون أن نعرف المناسبة التي قيلت فيها تلك الآيات ولماذا وما هي الغاية .أو لماذا تتناقض تلك الآيات ظاهرياً مع آيات أخرى عن نفس الموضوع وكيف تتلاقى مع بعضها لأنها لا بد وأن تلتقي في تفسير واحد ، وعلى هذا الأساس نبحث عن رأي بولس مقابل رأي يسوع ويوحنا ويعقوب وغيرهم في موضوع الأيمان والأعمال. ما قاله الرسول بولس في رسالتيه الى روما “3: 20-31” وغلاطية “16:2” هدف واحد ومقصد واحد وهو أن معرفة الأنسان للشريعة غير كافي لنوال الخلاص , بل لربما أدت به تلك المعرفة الى المعصية , أضافة الى ما قصده بولس هنا كان لمقاومة فكر اليهود الداخلين الى المسيحية وكانت غايتهم العمل بالناموس كما كانوا وبتقديم الذبائح الموسوية لهذا قال لهم بولس أن أعمال الناموس لا تبرر لأن المسيح هو الذبيحة الحقيقية التي نتبرر بها لا بأعمال الناموس.كان فهم مارتن لوثر وتفسيره لها خاطئاً ومن هذه الفكرة أقتنع بأن الأنسان يخلص لمجرد الأيمان هكذا أستمرت أفكاره وتوسعت فكوَن له عقيدة للتمرد عن الكنيسة الكاثوليكية وقد ساعدته الظروف التي كانت تمر بها الكنيسة لكي تتبعه جموع من المؤيدين الذين تورطوا بأفكاره وبنوده التي وصلت الى (95) بند منها اسرار الكنيسة المقدسة كلها عدا المعمودية ، والأفخارستيا الذي مارسها كمجرد عمل تذكاري ليس الا . هكذا استمرت عقيدته بالأيمان المجرد من الأعمال ، الأعمال التي طلبها منا الرب أن نعملها لكي نمجد بها اسمه القدوس فيعلم العالم بأننا نور العالم وحسب قوله ( فليضيء نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات )” مت 16:5″ . ما بينه بولس في “رو 7/ 7-12” قائلاً ( الشريعة اذاً مقدسة والوصية مقدسة عادلة صالحة) وحسب قول الرب ( أنني آتي لا لألغي الناموس بل لأكمله لذا يجب أن نحفظ الوصايا فالذي لا يحفظ الوصايا ويعمل بها فأنه كاذب على نفسه وعلى الناس ) . وكما يقول الرسول يوحنا ( فالذي يدعي أنه قد عرفه، ولكنه لا يعمل بوصاياه ، يكون كاذباً ولا يكون الحق في داخله. أما الذي يعمل بحسب كلمة المسيح، فأن محبة الله تكون قد اكتملت في داخله…. كل من يعترف أنه ثابت في المسيح , يلتزم أن يسلك كما سلك المسيح) ” 1يو 2/ 4-6″ . أما بولس فقال في غلاطية ( ولكننا اذ علمنا أن الأنسان لا يتبرر على أساس الأعمال المطلوبة بالشريعة بل فقط بالأيمان بالمسيح , آمنا نحن أيضاً بالمسيح يسوع لنتبرر على أساس الأيمان به لا على أساس أعمال الشريعة لأنه على أعمال الشريعة لا يتبرر أي أنسان) . لماذا قال بولس هذه الآيات والتي لا يعني فيها الأيمان المجرد من الأعمال وينفي من خلالها ما أوصى به يسوع بعدم الأكتفاء بالأيمان الخالي من الأعمال والمحبة والألفة والرحمة , هذه الرحمة التي أكد عليها الرب في “مت 18: 21-35″و ” مت25: 34-46″ و” 1بط 8:3″ بأن الذي يرحم أخاه لا يخشى الدينونة لأن الله يعامله بالرحمة كما عامل الناس بالرحمة. (بالكيل الذي تكالون يكال لكم ) . ووضحها يعقوب في “13:2” قائلاً ( تكلموا واعملوا مثل الذين سيدانون بشريعة الحرية لأن الدينونة لا رحمة فيها لمن لم يرحم. فالرحمة لا تبالي بالدينونة ). اذاً كان قصد الرسول بولس هو محاربة أفكار اليهود المبنية على العمل بالشريعة لأجل الخلاص وهذه العقيدة كانت تشكل حاجزاً كبيراً بين اليهود وأبناء العهد الجديد , فما أراده بولس هو ازالة هذا الحاجز ومحاربته بقوة لكي يتسنى لليهود أن يروا ما وراء الحاجز من جديد, ولكي يقتنعوا ويؤمنوا بالمسيح وبما في الأنجيل . بولس يعلم جيداً وكما هو واضح من كلامه في الرسائل الأخرى وسنتناول قسماً من أقواله لاحقاً بأن هناك صلة بين الأيمان والأعمال وأن الأيمان لا يكون صادقاً صحيحاً إلا اذا اقترن بالأعمال الصالحة ، فكما أن الجسد بلا روح ميت , كذلك الأيمان بدون أعمال ميت كما قال الرسول يعقوب في ” 26/2″ . أما الرب يسوع فقال ( الغصن الذي لا يثمر يقطع ويطرح في النار) الأيمان لوحده عقيم وكما يوضحه لنا الرب في مثل السامري الصالح ” لو 37/10″ أي أعملوا أعمالاً صالحة الى جانب أيمانكم وكذلك قصد الرب هو ( لم آتي لألغي الناموس بل لأكمله) . قال عالم الشريعة ليسوع كيف أرث الحياة الأبدية فقال له ماذا قالت الشريعة فقال ( أحبب الرب الهك… واحبب قريبك كنفسك) فقال له ( أعمل هذا فتحيا) ولم يكفي العمل بالشريعة فقط بل ( من آمن وتعمد أيضاً ). كلام يسوع وبطرس ويعقوب ويوحنا يدعو الناس الى المحبة ( لا يناقضون تعليم بولس في رسالتيه الى روما وغلاطية) ومن المحبة تخرج الأعمال الصالحة لا من الأيمان لهذا يجب أن لا نقول من يؤمن يعمل أعمالاً صالحة, بل يجب أن يرتقي الأيمان الى مستوى المحبة ومن المحبة تخرج الأعمال الصالحة وكما وضحها بولس نفسه في أنشودة المحبة . بعد ذلك اراد بولس أن يوضح ما يريده من اليهود بالتركيز الى موضوع المحبة التي تشمل مقطعي الشريعة ، أي محبة الله والبشر، اضافة الى الأيمان بيسوع المخلص، وهكذا سيتوحد كلامه وتعليمه مع يعقوب الذي يقول ان ذلك الأيمان لا يكون صادقاً صحيحاً الا اذا عمل صاحبه بتعليم المسيح, وهذا ما قاله الرب في آخر عظته على الجبل ( … بل من يعمل بمشيئة أبي الذي في السموات)” مت 20/7″ . القديسون نالوا المكافئة بسبب أيمانهم المقترن بأعمالهم وكما تقول الآية ( يقول الروح: أجل فليستريحوا منذ اليوم من المتاعب لأن أعمالهم تصحبهم ) “رؤ 13/14” هذه الأعمال مطلوبة من كل مؤمن وأكدها الرسول بولس بنفسه قائلاً ( لا بد أن نقف مكشوفين أمام عرش المسيح , لينال كل واحد منا استحقاق ما عمله حين كان في الجسد أصالحاً كان أم رديئاً )” 2 قو 10/5″ وهكذا أكد لنا الرسول بولس على أهمية الأعمال الصالحة لكي نعلم بأن تعليمه وتعليم الرب والرسل تعليم واحد فقال (وأن يفعلوا خيراً ، ويكونوا أغنياء بالأعمال الصالحة …) ” 1تيم 18:6″