مجلة أنفاس: من المنتدى الأدبي إلى المنتدى السياسي -12 –
التحول في الخط التحريري
من خلال مراقبة مسار المجلة، نرى أن الأعداد 1 و7-8 و10-11 تبرز بوضوح عن الاعداد الأخرى. الاعداد 2 و7-8 سلطت هذه المجلات الضوء على قطاع ثقافي محدد. أما العدد10-11 فهو نوع من “العودة إلى المصادر”.
عرف عام 68 العديد من التحولات ال مرتبطة بمسائل أيديولوجية مما دعا الى المراجعة:
إن العديد من المتعاونين المنتظمين اصبحوا أقل حضورًا. عبد اللطيف اللعبي: مقال واحد فقط في العددين 7-8، ولا شيء في العددين 9 و12، ويقدم فقط مقتطفاً من عمل قيد الإعداد في العدد 10-11. وكان حتى ذلك الحين قد وقع على كل الأعداد… ولم ينشر الخطيبي سوى “مقدمة” العدد 10-11؛ اما ستوكي وبعناني لا ينشران أي شيء. علما أنه منذ عام 1968، “أصبحت مجلة انفاس أكثر حساسية للأطروحات الماركسية، وبدأ بعض أعضاء فريقها في المطالبة باتخاذ توجه سياسي أكثر صراحة”. ونشر الصفريوي، مجلة انفاس، 1966-1973، آمال ثورة ثقافية في المغرب، الدار البيضاء، طبعات سيروكو، 2012. ويمكن للمرء ان يفترض أن كل هذا يوشي ربما لانشقاق في صفوف فريق انفاس سيما و ان العدد 9 يلقي خطابا ثوريا وعلى غير العادة يفرط في استخدام بعض المصطلحات التي كانت حتى الآن أقل حضورا في المجلة.
وقد انكشف الامر مع العدد 12 حين أظهرن الخطاب أيديولوجي، والولاء الماركسي أكثر حزما.
على سبيل الختم
كان المرتجى من الحلقات السابقة هوة تحديد ما إذا كان بإمكاننا تتبع تطورات مجلة انفاس عبر مرور الوقت، للتمكن من نقاط التحول التي حولت المراجعة الأدبية والثقافية تدريجيًا إلى منتدى سياسي مصمم كل التصميم على الانخراط في الصراع السياسي بالبلاد.
ومن خلال دراسةأعداد أنفاس، ربما قد خلصنا الى تحديد التغييرات عبر السنوات.
فمنذ السنة الأولى، شهدت «المراجعة الشعرية والأدبية» تغيرات عميقة. وتوسعت آفاقه في المغرب العربي وقدمت المجلة محتوى أكثر تنوعا من خلال دمج الثقافة والانفتاح على الأنواع الأدبية الأخرى. لقد بدأت المهنة الشعرية وحدها في الاختفاء، وأصبحت الإنتاجات الأدبية المتنوعة والنصوص التحليلية أكثر عددًا. وفي العام التالي، اكتسب البعد الثقافي زخمًا، وفي عام 1968، حدثت نقطة تحول ثانية، من خلال تقديم محتوى أكثر تسييسًا لقرائها.
كما سمحت الدراسة النصية بملاحظة القواسم المشتركة والاختلافات الأساسية بين مختلف اعداد مجلة انفاس ا.
احتوت الأعداد 4 و5 و6 على تشابهات معجمية قوية وتميزت بوضوح عن الأعداد الأخرى، مما يمثل، تباينًا كبيرًا جدًا. وهذا ما مكن من بروز ملاحظات حول مسار اتطور المجلة.
مثل العدد 4 نقطة التحول الأولى. بين الربع الأخير من سنة 1966 والربع الثاني من سنة 1967، إذ بدا أن المجلة قد أسست خطها التحريري: تبلورت المراجعة في “مراجعة أدبية وثقافية”. هذه الفترة تتوافق مع فترة الاستقرار على مختلف المستويات :
– توسع الفريق ينمو، متعاونون جدد اضحوا يوقعون اعمالهم بانتظام على صفحات المجلة.
– نوعت المجلة أقسامها : ملفات المؤلفين- “التحليلات” …وأَحت تكمل بعضها البعض لغربلة الثقافة الوطنية والثقافة المغاربية والثقافة الدولية بشكل أعمق.
– انتظام نسبي غير مسبوق في صدورالمجلة و ولاء القراء يتاكد أ من قضية إلى أخرى .
– اصبحت المجلة تقدم نفسها كمنتدى ثقافي: يتم استدعاء المتحدثين لأنه من خلال استجواب الأشخاص المعنيين في المقام الأول تريد معالجة حية للثقافة.
– كانت سنة 1967 سنة قراءة الأدب، خاصة وأن مجلة انفاس أنشأت مجموعة أدبية نشرت كتيباتها إلى جانب المجلة. ومع ذلك، لم يختف الأدب من الصفحات: كان عام 1967 أيضًا هو العام الذي تم فيه وضع الشعراء الناشئين والكاتب المسرحي الملتزم في مركز الاهتمام. وتم التعامل مع المجال الأدبي من زاوية نقدية: فبالفشل في تقديم نصوص ذات طابع جمالي. وتكريم الكتاب من خلال نشر ملفات أدبية وتقديم نماذج يمكن اتباعها مثل مسرحية الكيب الصديقي وغيره. فقدأصبح الأدب والجدل وقتئذ مرتبطين ارتباطًا وثيقًا.
– تكاثرت النصوص التحليلية وهمت مجالات مختلفة: الأدب بالطبع، ولكن أيضا؛ الفنون الجميلة والصحافة والمسرح.
– اضحى من الواضح أن مسألة الثقافة الوطنية تقع في قلب الاهتمامات التحريرية للمجلة: لقد تم التعامل معها من عدة زوايا وتظهر في كل عدد ينشر بين منتصف عام 66 ومنتصف عام 67.
– برزفي النصوص التحليلية، خطاب مثير للجدل بشكل لا يمكن إنكاره. ودافعت المجلة عن مُثُلهاو مبادئها ولم تكن تتردد في مهاجمة كل ما من شانه أين يتعارض مع بناء وإرساء ثقافة وطنية. ا سيترسخ هكذا خطاب منذ 1968 (خاصة في العددين 4 و6).
هذه الفترة هي الأكثر إخلاصًا لمقدمة إصدار البيان التاسيسي لمدلة انفاس كفضاء للإبداع ومنصة للتأمل وركح للنقاش. لكن الأحداث التاريخية والالتزام السياسي للمساهمين سوف ينسف هذا الاستقرار.
لكن سنة 1968 ظلت تثير الكثير من التساؤلات لأنه خلالها تم يقديم، للوهلة الأولى، محتوى شديد التباين عما كان عليه الامر سابقا.
– المساهمون المنتظمون أصبحوا أقل حضورا (بما في ذلك مؤسس المجلة، الذي كان حتى ذلك الحين حاضرا في كل مكان، والذي لم يوقع سوى القليل ا جدا مما حوته المجلة في سنة 1968).
– إذا كانت سنة 1967 هي سنة الاستقرارالنسبي، فإن عام 1968 سيكون عام التحولات والانقلابات. إذ بدا كأن مجلة انفاس “تبحث عن نفسها”، لكنه في الواقع بدأت تتجه تدريجياً نحو ما يعرف بمراجعة متشددة ومسيسة.
– العدد 9 يقدم خطابا ناشطا من خلال حدث ثقافي.
– العدد 10-11 يضع الإبداع الأدبي على راس قائمة الاهتمامات والمهام . في حين أن انفاس كانت معتادة على الاحتفاظ بقراءها من خلال الإعلان عن المقالات أو المواضيع القادمة، فإن هذا العدد المزدوج يصل دون سابق إنذار. وبالتالي فإن الدوافع الكامنة وراء هذا العدد الثنائي اللغة كانت غامضة للغاية، بل وحتى مشبوهة في الوهلة الاولى.
– العدد 12 جسد فعلا الخطاب الأيديولوجي الذي كان ملموسا في العددين 4 و 6. والميولات الماركسية اضحت على حين غرة واضحة سواء في المقدمة أو في النصوص الاخرى. وتم الكشف عن المُثُل السياسية للمحررين والمطالبة بها بوضوح كأمثلة يجب اتباعها.
في سنة 1968، تلت “مقدمتان” إحداهما الأخرى. مثل الأول، فهي قطعية. ومع ذلك، فإنها تمثل اختلافًا كبيرًا مع مقدمة إصدار البيان الاول للمجلة. الذي خصص مكانا خاصا للقارئ، ودعاه للمشاركة في مغامرة أدبية؛ بينما في المقدمتين الأخيريتن، لم يعد القارئ يستفيد من نفس المعاملة: نادرا ما يتم ذكره ودوره سلبي نسبيا. إن مقدمات العددين الأخيرين لتلك السنة هي بمثابة أمر أو توجيه فوقي أكثر من كونها دعوة.
__________ انتهى _____________
ملحوظة وهامش
ملحوظة
سأحاول تجميع الاجزاء المنشورة في كراس – PDF- وسأبعثه قريبا إلى مكتب الحوار المتمدن لكل غاية مفيدة
هامش
لمن يريد المزيد من سبر اغوار مجلة انفاس ها هي بعض المراجع بالفرنسية
Ouvrages et articles
CALMETTES.X, « 1968 : Crépuscule du -print-emps cubain ? », L Ordinaire des Amériques [En ligne], 217 | 2014, mis en ligne le 15 décembre 2014. (http://orda.revues.org/1562).
COLLECTIF D AUTEURS, sous la -dir-ection de Jean-Louis Joubert, Littératures francophones du Monde Arabe, « Anthologie », Paris, éditions Nathan, 1994.
FANON.F, Les Damnés de la terre, Paris, éditions Maspero, 1961.
KHATIBI.A, Le roman maghrébin, Rabat, S.M.E.R, 1979.
LAÂBI.A, Chroniques de la citadelle d’exil, Lettres de prison, Paris, éditions Denoël, 1983.
MANSOURI.A, A peine un souffle, « Œuvre poétique complète”, Tanger, Virgule Editions, 2016.
MARX.C, Le Capital, Le Capital, livre I, Broché, 2009.
MEMMI.A, Portrait du Colonisé, précédé du Portrait du Colonisateur, Paris, éditions Buchet/Castel, 1963.
SEFRIOUI.K, La revue Souffle, 1966-1973, Espoirs de révolution culturelle au Maroc, Casablanca, éditions du Sirocco, 2012.
YATRIBI.K, Ahmed SEFRIOUI, Entre l Oubli et la Réhabilitation, Rabat, Editions & Impressions Bouregreg, 2014.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.