مجلة أنفاس: من المنتدى الأدبي إلى المنتدى السياسي -10 –
التحول من البرنامج الثقافي إلى البرنامج السياسي
تأكد منذ العدد المزدوج 10-11 أنه من الآن فصاعدا، الأدب الوحيد الصالح في نظر الفريق هو الأدب الملتزم,علما. أن أي أدب لا يمكن أن يكون ذا قيمة في نظر فريق انفاس لحظتئذ إلا إذا انخرط بعمق في النضال الثقافي، وإذا انضم إلى النضال الوطني ككل وقدم العدد 12 نموذجين317أحدهما قطعة مخصصة، لتجار الرقيق لدانيال بوكمان ولكنها أيضًا قصيدة مرتبطة ارتباطًا جوهريًا بمفهوم الاحتجاج: إنها «فجر الألواح»، أول قصيدة للطاهر بن جلون، مكتوبة في معسكر تأديبي.. بالنسبة للجزء الناطق بالفرنسية، يعلن الملخص عن “مقدمة”. ميثاق برنامج البحث والعمل» .
ويفصل الميثاق ويكرر الأهداف المرجوة ويكشف في عدة صفحات عن حالات الطوارئ والعقبات التي يجب التغلب عليها. ويتمحور الجدل حول ثلاثة محاور رئيسية “التاريخ”، و”إعادة تفسير الثقافة الوطنية328، و”دور المثقف”. في خطوطها العريضة، تحتوي على الأفكار التالية: يجب علينا التغلب على حالة التثاقف (التي خلقها الاستعمار وتحافظ عليها السلطة)، للسيطرة على الثقافة الوطنية، ويلعب المثقف دورًا رئيسيًا في عملية إعادة التملك هذه. لذلك تم تحديد ثلاثة مذنبين: الغرب الإمبريالي، والسلطة السياسية، والسياسة
“المهرج الفكري”. نقترح أدناه إعادة إنتاج بعض المقاطع المميزة من الخطاب الوارد في هذا الميثاق.-
“…غير أن خيار هذا النموذج من االنشاط لا يمكن أن يكون مبدعا (…) إذا لم يربط المثقف النظرية بالعمل باستمرار (…) وهذا النهج وحده يمكن أن يضمن تخلصه من التبعية ويعيده إلى وظيفته كمبدع ومناضل وليس مجرد مسير وخاضع- انظر ض 9 من عدد 12انفاس.
ومن ثم فإن الخطاب نضالي بشكل واضح. فحتى ذلك الحين، قدم فريق التحرير خطابًا احتجاجيًا أقل شراسة تجاه من هم في السلطة.
جاء في الصفحة 5 “…“تتم ممارسة هذه الاستراتيجية من خلال (…) الرقابةالذاتية المتعمدة والفعالة وسياسة متعمدة لإخضاع الشباب لآلة الدولة. »، «(…) التلاعب بثقافتنا مستمر في إطار تصفية الاستعمار السياسي. »
علما أن العدد 9 كان قد ألهم خطابًا ثوريًا، ولكن بطريقة مونتسكيوفي مؤلفه – Montesquieu, Lettres persanes – أعادت مجلة انفاس فقط إنتاج النصوص المنسوبة إلى أطراف ثالثة. ولم تخف تعاطفها الحزبي مع الكوبيين، لكن الملف كان موجها إلى موضوع محدد، بعيدا عن الثقافة المغربية. وهنا، يتم تبني الهجمات وتستهدف الغرب بقدر ما تستهدف السياسة الوطنية.
في نص تحت عنوان “الثقافة والتقدم العلمي”- ض 10- 21 العدد 12- 1968، يقدم السرفاتي عرضًا منهجيًا طويلًا يهدف إلى إزالة الغموض عن الهالة الكوكبية التي تستفيد منها الثقافة الغربية والتقدم. ويؤكد أن احتكار الثقافة الغربية ينشأ ويحافظ عليه من خلال شكل من أشكال الاستعمار الجديد الذي يتمثل في حجب الثقافات الأخرى وإبقائها تحت نيرها. ويذكر أن التقدم العلمي ارتبط في البداية بالثقافات الأخرى (مثل الثقافة الصينية والثقافة العربية والثقافة الهندوسية) وأن العلوم الغربية بعيدة كل البعد عن أن تتمتع بحق الاختراعات. بالنسبة له، بدأت الثقافات الأخرى في الانحدار جنبًا إلى جنب مع السياسة الاستعمارية الإمبريالية، التي سعت إلى تنفير جميع الشعوب التي كانت على اتصال بها. ويوضح أخيرا أن ثقافة الغرب وتقدمه العلمي يحافظ على علاقات وثيقة مع السياسة الإمبريالية ومع تأسيس الرأسمالية، لأن النفوذ الغربي، ثم الثورة الصناعية، كان قائما باستمرار على استغلال الشعوب.
إن البانوراما التاريخية التي رسمها السرفاتي تسترشد بالخطاب الأيديولوجي لأن تظاهراته ترتبط إلى حد كبير بالجوانب السياسية. وهكذا، فبينما يعلن العنوان عن مقال عن «الثقافة» و«التقدم العلمي»، تظهر كلمة «الرأسمالية» كثيرا. يكررها المؤلف مرارًا وتكرارًا لدعم نظريته. من ناحية أخرى، وكما تؤكد مقدمة العدد 12 من انفاس، فقد تناولت المجلة بالفعل عدة مرات الحاجة إلى إعادة التخصيص، وإعادة صياغة الثقافة الوطنية في الإصدارات السابقة وهذا يكشف بالتالي أن فريق التحرير يستخدم مفردات جديدة لمعالجة موضوع متكرر.
وبالتالي يمكن أن نتساءل عما إذا كانت هذه الملاحظات مرتبطة بمشاركة السرفاتي في صياغة الميثاق و/أو مع الالتزام السياسي المتزايد لعبد اللعبي. وقد قيل: “لقد اتخذوا من الثقافة منصة لجمع الجميع، وكان هدفهم هو استعادة الاحتجاج”.- انظر الصفريوي، مجلة انفاس، 1966-1973، آمال ثورة ثقافية في المغرب، الدار البيضاء، طبعات دو سيروكو، 2012، (اقتباس من مقابلة)، ص 88..
جاء في عدد انفاس 12 – 1968-7 ص ما يلي :
“على أية حال، ليس علينا أن نشكك في الثقافة بأكملها أو الحضارة الغربية. تحتوي هذه الثقافة نفسها على بذور الاحتجاج الخاصة بها. وهكذا كانت الماركسية، على وجه الخصوص، رغم كونها جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الغربية، إلا أنها كانت حركة احتجاج جذرية ضد بنياتها”.
يبدو ان السرفاتي تبنى هذه الحجة ويدعم عرضه باقتباسات من ماركس- “ك ماركس. أسس نقد الاقتصاد السياسي. أنثروبوس. باريس، 1967.. ويزُزعم أيضًا أن الموقف الذي طرحه فيما يتعلق بالعلم هو موقف ماركسي:
“بالنسبة لنا، العلم الذي نحتاجه هو، مع الأخذ بعبارة ماركس المتعلقة بالفلسفة، ذلك الذي يجب أن “يحول العالم” وليس فقط “يفسره”-مجلة انفاس عدد12 ص 16-17.
“الثقافة الغربية التي نتنافس عليها هي الثقافة الاستعمارية، الثقافة الإمبريالية.” انفاس رقم 12، 1968، ص 7.
“إن صعود الرأسمالية الوليدة يتوافق مع مرحلة “فصل المنتج عن وسائل الإنتاج” المرجع نفسه، ص 18/ “في الاقتصاد البرجوازي والعصر المقابل، بدلاً من التطور الكامل للداخلية الإنسانية، يتم التجريد الكامل؛ يبدو أن هذا التشييء العالمي هو كلي، وأن الإطاحة بجميع العقبات الأحادية الجانب هي بمثابة تضحية بالهدف في حد ذاته من أجل هدف خارجي تمامًا. المرجع نفسه، ص 14
ذلك ويبدو أن صفحات مجلة انفاس أضحت تمنح اىذاك مكانًا مهمًا للتعبير الأيديولوجي، ب أن المنصة الثقافية تعمل كذريعة لنقل خطاب سياسي. ويرتبط هذا التطور في الخطاب بلا شك- حسب الكثيرين – بالتزام عبد اللطيف اللعبي وابراهام السرفاتي، اللذين قاما بعد ذلك بحملة نقدية شرسة في صفوف حزب التحرير والاشتراكية .هكذا كانت بداية تكريس وترسيخ الفعل في التحول إلى التطرف والاستعداد الظاهر والمعلن للانضمام إلى الأطراف المنشقة من حزب التحرر والاشتراكية و حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبيةP (حزب المعارضة الذي أسسه المهدي بن بركة في عام 1959) وهذا كخطزة لتشكيل حركة أكثر تطرفًا (“إلى الأمام”).
ولذلك تجلى أن المنصة الثقافية اقترنت بمنصة أيديولوجية بارزة المعالم و التوجهات.
فخلال عام 1968، قامت مجلة انفاس سوفلز بالعديد من التحولات. ويبدو أن المراجعة تمت من خلال طرح قضية ذات دلالات ثورية أولاً، ثم قضية أدبية وشعرية؛ لعرض مسار “المعركة الثقافية” أخيرًا والتي ستتحول سريعا إلى صراع سياسي يل لبس فيه.
غن ماكان يتم تقديمه على أنه معركة ثقافية يخفي في الواقع نقطة تحول رئيسية: في الواقع، أصبح البرنامج الثقافي بالفعل منصة سياسية واضحة الاهداف والمرامي.
يقدم هذا العدد مبادرة ذات رسالة ثقافية، ويوشي أن محرري انفاس مشبعون بشدة بمثلهم السياسية التي تنعكس في كتاباتهم. وتقدم كنزة الصفريوي هذا العمل باعتباره عملاً يقع على مفترق الطرق بين الثقافة والسياسة. وقتئذ كانت قد توضحت معالم التمرد الذي كان ينمو بين الشباب.
وبذلك اضحت انفاس المنصة الثقافية مقترنة بمنصة أيديولوجية مكشوفة لا سيما من خلال طرح قضية ذات دلالات ثورية أولاً، ثم قضية أدبية وشعرية؛ لعرض علامة “المعركة الثقافية” أخيرًا. وتبدى أن ما يتم تقديمه على أنه معركة ثقافية يخفي في الواقع نقطة تحول رئيسية: في الواقع، أصبح البرنامج الثقافي بالفعل منصة سياسية.
___________________________ يتبع _________________________
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.