آراء متنوعة

طو*فا*ن الدم: بعد نصف عام من الصراع

طو*فا*ن الدم: بعد نصف عام من الصراع

هناك فرق بين أن يصل مسلم إلى السياسة ويحكم بما أنزلت عليه إنسانيته أو أن يصل الإسلام إلى السياسة ويحكم بما أُنزل من التاريخ وهذا غير ممكن، فحضارة اليوم غير حضارة البارحة.

ضحايا أحلام واهية
مرّ نصف عام على “طو*فا*ن الأقصى” وكلا الطرفين لم يحقّق أيّ نتيجة براغماتية عسكرية تذكر سوى سيلان طو*فا*ن الدّم.

إذا نظرنا من زاوية عسكرية نرى أنّ الاحتلال وحركة ح*ما*س دخلا في وضع الدّفاع على السّواء لا الهجوم، وهما وضعان يختلفان عن بعضها تماماً، فالأوّل فيه مماطلة ويحقّق نتائج محصورة ومعنوية في أغلب الأوقات، في حين أن الآخر نتائجه سريعة وحاسمة وواسعة، لذا من هذه الزاوية لا منتصرا ولا مهزوما من كلا الطرفين، ويبقى الحلّ المطروح سياسيا بامتياز، وهو حلّ الدولتين أو الاعتراف بهما. ولا وجود في واقع الأمر لمطالب (أجندات ورقية) من كلا الطرفين لوقف إطلاق النّار، فهي شروط شبه تعجيزية أو تعجيزية، لا تنسجم مع الواقع أو الصورة السياسية والدولية اليوم.

المتضرّر الوحيد هم المدنيون أو الفلسطينيون أنفسهم، والتساؤل المطروح اليوم هل هم شهداء أم ضحايا حرب؟ هل من وجود للشهادة في ظلّ المدنية والتمدّن والحضارة والحدود السياسية أم ضحايا اعتداء طال حدود دولة ما أو تقسيم ما؟ هذه الإشكالية صحيح أنّها محبطة للغاية وغايتها ليست التشكيك على الإطلاق ولكن التوجيه؛ أي رؤية الواقع بعيون العالم الجديد من خلال الوطن والوطنية ولا شيء آخر أيديولوجيا، فالشهيد الوحيد اليوم في العالم الحديث هو الجيش، ويُسمّى شهيد الوطن وليس شهيد أيديولوجية ما.

هذه المعادلة لم يحسبها خطاب الإسلام السياسي حيث أنّ هذا الأخير منتهي الصلاحية، بل وفي تناقض مطلق مع نفسه، فالسياسة لا دين لها.. إمّا سياسة وإمّا دين. هذه المعادلة أصبحت “فورم” دوليا متّفقا عليه بالإجماع، وهناك خلط ولغط يقوم به الإسلاميون، فمثلاً: هناك فرق بين أن يصل مسلم إلى السياسة ويحكم بما أنزلت عليه إنسانيته، أو أن يصل الإسلام إلى السياسة ويحكم بما أُنزل من التاريخ، وهذا غير ممكن على الإطلاق، فحضارة اليوم غير حضارة البارحة.

◄ الوضع بعد نصف عام من “طو*فا*ن الأقصى” يظهر أنّ الأطراف المتصارعة لم تحقّق أيّ نتائج عسكرية تذكر سوى تصاعد العن*ف وسيلان الدّماء

المشكلة التي لا يحدّدها الإسلاميون بدقّة هي أنّ الخطاب بالدرجة الأولى يجدر به أن يكون قوميا عربيا، أو على الأقلّ سياديا؛ كلّ دولة في حدود سيادتها، لا أن يكون خطابا أيديولوجيا وفق مفاهيم ورؤى عفا عليها الزمن. فهي مفاهيم لم تعد ممكنة في حدود الدول اليوم، فالإسلام السياسي يخاطب المجتمع الدولي بلغة ومضامين غريبة ومريبة ليس حولها إجماع دولي إن صحّ التعبير.

إنّ الأيديولوجيا الوحيدة المطروحة اليوم والتي تعدّ ممكنة للتفاهم ولإرساء سلام وعدل سيادي لكلّ دولة هي النظريات السياسية في العالم الحديث. وتأكيداً على ذلك ما فعلته إيران في عمليتها “الوعد الصادق” لم يكن بهدف الدّفاع عن فلسطين وإنّما كان بهدف الدّفاع “التحذيري” عن سيادة إيران نفسها بعد أن قام الاحتلال بعمليات تفجير واغتيال داخل أراضيها.

أغلب الظنّ أنّ الإسلام السياسي السّني والإسلام السياسي الفارسي وجهان لعملة فشل واحدة، بحيث إذا تتّبعنا نتائجهما في الوطن العربي لرأينا نتائجهما الكارثية. لا يمكن أن تحكم دولة اليوم وفق أيديولوجيا إسلامية، المعادلة والتاريخ تغيّرا، لذا الحكم يكون بالعلمانية الجزئية وفق مضامين المدنية والتمدّن والوطنية والمواطنة، هذا هو المتاح الآن، بل الخطاب الوحيد المقبول عند اليمين واليسار؛ تلك القطبية التي تجمع وتفرّق العالم. ومن هنا فإن حلم “الهلال الخصيب” وكذلك حلم “الربيع العربي” مجرد أحلام واهية أغرقت المنطقة العربية في طو*فا*ن من الدّم، وجميعنا ضحايا لهذه الأحلام المندفعة غير المنسجمة مع الواقعية السياسية. فاليوم ليس هناك من إسلام سياسي بل يمكننا نحن العرب أن نعمل لإرساء سلام سياسي.

ختاماً، يظهر الوضع بعد نصف عام من “طو*فا*ن الأقصى” أنّ الأطراف المتصارعة لم تحقّق أيّ نتائج عسكرية تذكر سوى تصاعد العن*ف وسيلان الدّماء، ليبقى الحلّ السياسي الخيار الأمثل، سواء من خلال حلّ الدولتين أو الاعتراف بهما.

المدنيون هم الضحايا الوحيدون في هذا الصراع، وتحتاج القضية إلى رؤية واقعية تفضي إلى تقليل النزاع والحدّ من سيلان الدّماء بعيدًا عن الأيديولوجيات القديمة التي لا تتوافق مع الواقع السياسي الحالي.

مصطفى أمين
كاتب وشاعر لبناني

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!