مقالات دينية

هل أعتبر مار بولس رسائله إنجيلاً خامساً ؟

هل أعتبر مار بولس رسائله إنجيلاً خامساً ؟

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( … دعاه الله ليكون رسولاً وإصطفاه ليبلغ بشارته ) ” رو 1:1 “

هل أعتبر مار بولس رسائله إنجيلاً خامساً ؟

   الإنجيل المقدس المتداول اليوم دونه أربع أشخاص وهم ( متى – مرقس – لوقا – يوحنا ) ، ليست أربع أناجيل ، بل إنجيل واحد وهو إنجيل ربنا يسوع المسيح دُوِنَ بحسب أربعة شهود، فهل هناك كاتب آخر للإنجيل ؟  

     كان ليسوع إثنا عشر رسولاً . أما الرسول بولس الذي يعتبر رسولاً أيضاً ، إبتدأ حياته عندما كان شاباً مناهضاً للكنيسة ، ثم صار مؤمناً بعد ظهور الرب يسوع له في طريق دمشق . عبّرَ بولس عن هذا الحدث قائلاً ( قَبَضَ عليَّ يسوع المسيح .. ) ” فل 12:3 ” بعد ذلك آمن وتعمد فغيَرت حياته وأستولى عليه شغف المسيح وأمتلأ من الروح القدس ” أع 18:9 ” . بعد ذلك جعله الله إناءً لنقل كلمته إلى الأمم وكما كتب شهادته إلى القورنثيين ، فأصبحت بشارة الأنجيل ضرورة عندهُ ، قال ( فإذا بشرتُ ، فليس في ذلك مفخرة ، لأنها فريضة لا بد لي منها ، والويل لي إن لم أبشر ) ” 1 قور 16:9 ” لكن ما هو محتوى الإنجيل الذي بشرَ به بولس ؟ ولماذا يصّر على حقيقة أنه لا يوجد سوى إنجيل واحد طالع ( غل 1 : 6-8 . 2 قور 4:11 ) . يقول ( الإنجيل الذي بشرنا كم بهِ) ، إنها أول ملاحظة تدهش قارىء رسائله . فهل رسائل الرسول بولس تعتبر إنجيلاً خامساً ؟

   يظهر أنه يشير بلا تمييز إلى إنجيل الله أو ببشارته بصورة شاملة  ( طالع 1 تس 8:2 ، رو 1:1 ، 2 قور 7:11 ) أو إلى إنجيل ربنا يسوع المسيح ( 2تس 8:1 ) أو إنجيل الإبن ( رو 9:1 ) وقد يعود إلى إنجيله ( رو 16:2 ، 2 قور 3:4 ) .

فهل هناك إنجيل آخر ؟

  في الواقع هو إنجيل واحد ، وبشرى واحدة ، وبولس يبشر ويعلن نفس البشارة لكن بطريقته وأسلوبه وفلسفته لكي يعبِّر لنا ما أوحى له الروح ، وما كتبه بحسب آرائه الشخصية الغير موحى من الله فيشير إليها أيضاً لكي يفرزها عن ما لقنته بها  السماء . كتب بولس رسائل كثيرة باليونانية وصلنا منها ثلاث عشرة فقط وفقد غيرها . كتب رسائله قبل أن تدوّن الأناجيل الأربعة .

    يسوع المسيح صلب ومات وقام من بين الأموات ، وبولس تلقى الإنجيل لا من الرسل ، بل بشكل خاص جداً من المسيح نفسه الذي إصطفاه لهذه المهمة مذ كان في بطن إمهِ ( طالع غل 1: 15-17  ) لهذا بولس يستطيع أن يتحدث عن إنجيله الخاص به كقوة محبة الله الخلاصية لهُ . فإنجيل بولس يعلمنا بأن المسيح أرسله إلى الأمم لكي يبشر بالإنجيل ( 1 قور 17:1 )  وهذا الإنجيل دافع عنهُ بولس بشراسة متحدياً الموت ، وعندما يتكلم عن إنجيلهِ كان يعلم جيداً أنه لا يوجد إنجيل آخر غير الذي أعلنوه الرسل ببشارتهم إلى العالم ، فالإنجيل الذي قبّلَهُ بولس وبشر بهِ وأشار إليه برسالته إلى مؤمني قورنتوس في السنوات ( 54-56 م) ذكر عن إنجيلاً وصله ونقله لهم وطلب منهم أن يحفظوه كما بشرهم به . لكنه لا يفرق بين بشارته وبشارة الرسل ، بل يعتبر كل البشارة واحدة ، لهذا قال ( ولكن إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم ، فليكن أنا ثيما ) “ غل 8:1 ” . بولس سبق كل الرسل في الكتابة ، فرسالته الأولى التي تعتبر أقدم رسالة في العهد الجديد ، كانت رسالته الأولى إلى أهل تسالونيقي ، دَوَنَها عام ( 51م ) ، والثانية عام ( 52)  ، وآخر رسالة لهُ كانت الثانية إلى طيموثاوس سنة ( 67م ) . كما تنسب إليهِ الرسالة إلى العبرانيين ، ولكن العلماء يرون أن كاتبها هو أحد تلاميذه أو أعوانه . بينما أول إنجيل كتبه البشير مرقس عام ( 70م ) . إن إعتبرنا رسائل بولس إنجيلاً آخر فإننا نجد فيها أسرار لم تكتب في البشائر الأربعة ، منحها بولس للمؤمنين ، ومنها شرح توضيحي لأمور في غاية الأهمية كتناول جسد ودم الرب ، كما علم الأجيال بأمور كثيرة مهمة كمعرفة المسيح عن عمق ، وعن سر قوة قيامته وأهميتها لخلاصنا . ( فل 10: 3 ) فالإنجيل الذي بشر به بولس هو بالتأكيد إنجيل القيامة ، للذي مات عنا ، والذي بدأ موته على الصليب أكيداً ( طالع غل 13:3 ) وقام من بين الأموات ، ويؤكد ظهوره لبطرس شخصياً ، لخمسمائة مؤمن ، وليعقوب وجميع الرسل ( لم تذكره الأناجيل الأربعة ) ” 1 قور 5:15-8 ” . وتمحورت رسائل بولس في نفس الإصحاح حول قيامة المسيح المصلوب (15 : 1-5 ) . وأعلن إنجيل القيامة الذي يعطي كل معناه ( عار الصليب ) عند الجاهلين الغير المؤمنين . كما شرح بولس في رسالته الأولى إلى أهل قورنثوس الأصحاح الحادي عشر موضوع الإستعداد اللائق لتناول جسد الرب ودمه ، فعليهم أولاً أن يبتعدون نهائياً عن تناول الطعام أي الصيام قبل التناول ، أن يكونوا مستحقين لتناوله ، ففي خلاف الإستحقاق ، فهو محرم إلى جسد الرب ودمه … لأن من يأكل ويشرب وهو غير مستعد ، إنما يأكل ويشرب دينونة لنفسه ، إذ لم يميّز جسد الرب .

  ويؤكد أيضاً عن حقيقة الصلب والقيامة ، فيقول ( وإن كان المسيح لم يقم ، فتبشيرنا باطل ، وإيمانكم باطل ) ”  1قور 14:15″ فتبين لهم كيف يتأصل إيمانهم بقيامة المسيح المستقبلية ( 1قور 12:15 ) .  كما كتب عن البشارة في نهاية الأزمنة فيدخل الوثنيون إلى الإيمان جملةً ، كما سينال بني إس*رائي*ل الغير المؤمنين الخلاص ، ومن صهيون يأتـي المنقذ ويزيل كل كفر عن يعقوب ( رو 25:11) ، وكل هذا سيسبقه إرتداد أولاً ويظهر إبن الخطيئة إبن الهلاك ( را 2 تس 3:2)   .

   رسائل بولس تحتوي على مواضيع قليلة مشتركة مع ما جاء في الأناجيل الأربعة  . طوَّرَ بولس أسلوبه الفلسفي واللاهوتي فأتى بدروس جديدة مختلفة وضع فيها كل الأفكار بوضوح ، كما توسع في التفسيرات الخاصة بالعقائد .

  بولس يبشر بإنجيل واحد ، ويشهد لشخص واحد هو الذي ظهر له في الطريق ، وكتاباته لا بديل لها ، ولا يمكن الإستغناء عنها والتي تتميز بميزتين بارزتين ، هي : 1-  لا يتردد أن يعرض بإسلوب من أنتصر في حرب الخلاص الذي أتى به يسوع . 2- يلجأ غالباً للإستشهاد بالعهد القديم ، كما أن إنجيله يوَضّح لنا كل أحداث موت المسيح وقيامته والأحداث المقروءة في ضوء ما جاء في الكتب والمتعلقة بالبشرى السارة عن الخلاص والتحرير . التحرير من الخطيئة ، ومن الشريعة وقيودها ، ومن الموت الأبدي .

  يعترف بولس قائلاً بأن المسيح لم يرسله ليُعَمّد ، بل ليبشر ، ” 1 قور 17:1 ” فهو مدعو

لكي يقول حكمة الله التي هي حماقة في عيون البشر ( 1 قور 1: 18-25 ) .

  أعلن بولس بأن أجرته مجانية في نشر الإنجيل ، لهذا كتب بأنه كان يعمل في صناعة الخيام ليؤمن أحتياجاته إلى جانب تبشيره بالإنجيل في آن واحد ، وذلك لأنه لم يقبل صدقة أو مساعدة مالية إلا من الجماعات المقدونية ( فل 4: 15-16 ) فكتب لهم عن موضوع كسب العيش بالعمل ، فقال ( إذا كان أحد لا يريد أن يعمل فلا يأكل ) ” 2 تس 10:3 ” . .  كما ذكر بأنه واجه مسيحيين كانوا يتدرعون بتعاليم إنجيلية منتظرين عودة المسيح القريبة . كذلك أكد على موضوع المحبة التي توَحّد تلاميذ المسيح وهي قوة إنجيلية لها القدرة على تحويل العالم وبناء إخوّة حقيقية مع مقاومة أعداء الإنجيل ومحاربتهم وخاصةً المتعلقين بإمور الشريعة وفرضها على المؤمنين الأمميين ، وبهذا التعليم أخفق كل الذين كانوا يريدون تشويه رسالة الإنجيل . كما ركّزَ على موضوع التواضع والإعتماد على قوة الله الذي يسند ضعفنا ، فقال ( عندما أكون ضعيفاً أكون قوياً ) ” 2 قور 12: 8-10 ” ، وذلك لأن قوة الله تكمن في ضعف الإنسان المؤمن . فعلينا أن نقتدي بتواضع بولس ، وبسيرتهِ وما طلب من المؤمنين الإقتداء به ، لا كعلامةٍ على الكبرياء ، بل كنداء للدخول في الإقتداء بالمسيح ، فقال ( إقتدوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح ) لأنه إذا كان يجعل نفسه مثالاً ، فغايته هي لكي يقودنا إلى المسيح ، ولكي نلبس المسيح لنعيش في المسيح وللمسيح . وأخيراً أكد بولس حقيقة مجىء المسيح في آخر الأزمنة ، وبعد ذلك يتحدث عن عالم جديد يكون النصر فيه للمؤمنين .

   في الختام نقول . إن سبب عدم جعل رسائل بولس المهمة إنجيلاً مستقلاً ليصبح إنجيلاً خامساً هو لعدم وجود أقوال الرب يسوع فيها ، كذلك لا تحتوي على الآيات والمعجزات التي إجترحها أثناء إعلانه للبشرى على العالم . فرسائل بولس تخص بشرح ما جاء في الأناجيل ، وتُبَسِط الأفكار ، وتوضح للمؤمنين الأمور الأكثر أهمية لتصبح مرجعاً من أهم المراجع المسيحية للوصول إلى عمق عقائدنا وما تدعوه إليهِ مكارم الأخلاق المسيحية . أعجب المسيحيون برسائل بولس على مر العصور فألف الآباء القديسون مثل يوحنا فم الذهب والقديس أغسطينس مؤلفات ضخمة في تفسيرها ، ولا يزال اللاهوتيون وعلماء الكتاب المقدس يأخذون رسائل بولس موضع إهتمامهم للوصول إلى ما هو أفضل .

ليتمجد إسم الرب يسوع

التوقيع( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

المراجع

1-الكتاب المقدس – الطبعة الكاثوليكية الثامنة – منشورات دار المشرق

2-( بولس الراعي ) بيار دوبرجيه

3- ( روحانية القديس بولس ) أخويات عائلات مريم

4-( جواب من الكتاب ) الأب يعقوب سعادة .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!