آراء متنوعة

‎”لنتعلم من تجارب الآخرين”

‎د.حسن السراي
‎كاتب وباحث

‎من المعلوم للجميع أن اليابان يعتبر من البلدان الفقيرة جداً من ناحية الموارد الطبيعية، حيث تستورد اليابان كل إحتياجاتها من الموارد الطبيعية تقريبا من الخارج. ولكنها عملاق صناعي وإقتصادي كبير جدا وعظيم، ويضرب فيها المثل من ناحية تطورها وتقدمها. تبلغ مساحة اليابان 377,873 كيلومتر مربع، وعدد سكانها حوالي 128 مليون نسمة. وتبلغ مساحة العراق 434,924 كيلو متر مربع، وعدد سكانه غير معروف بالضبط لعدم وجود تعداد سكاني ولكن حوالي 38مليون نسمة. ويبلغ عدد سكان العاصمة طوكيو لوحدها ما يقارب ال 19مليون نسمة ويتم إعادة تجديد بنائها كل 20 سنة، وبغداد عاصمة العراق للأسف لا نعرف عدد سكانها ، ولا نعرف متى يجدد بناؤها، فلو قارنا اليابان بالعراق وما يملكه من موارد وثروات طبيعية هائلة كالبترول والكبريت والفوسفات والمعادن الأخرى، والثروة الزراعية ووفرة المياه من نهري دجلة والفرات وتوفر مساحات زراعية شاسعة، وكذلك موقعه الجغرافي والإقتصادي ومجاله الجوي كعقدة مواصلات عالمية، ومعالمه الدينية والتاريخية السياحية، وغير ذلك، لوجدنا أن اليابان كمثل فقير يسكن في عشوائيات أي مدينة عراقية، ولا يحصل على قوت يومه، مقابل ثري فساد يمتلك القصور الفخمة والعقارات والأرصدة والسيارات الفارهة وووو (مع فارق التشبيه). أي ان اليابان تحسد العراق على ثرواته وموارده وتحلم لو إنها إمتلكت أعشار أو أجزاء الأعشار منها. ولكن وال “لكن” هنا كبيرة ومؤلمة جدا، نجد ان اليابان تعتمد اربع مسائل؛ أولها الإهتمام بالإنسان وإعداده وذلك من خلال الإهتمام الإستثنائي بالمدارس حيث يعامل المعلم والطالب بإحترام شديد، وبشعر التلميذ الصغير بقيمته ويتعلم القيم والأخلاق بشكل عملي وتطبيقي يفوق ما يتعلمه الطلبة العرب بمئات المرات. والمسألة الثانية الإهتمام بالقراءة وشعارهم ” إقرأ في كل زمان ومكان”، للمحافظة على التراث والقيم والأصالة. والمسألة الثالثة هي الإهتمام بالصحة وإعطاءها أهمية قصوى، بدءا بالغذاء الصحي، والعناية الصحية بالفرد ليكون نشطا ومنتجا بشكل مستمر. والمسألة الرابعة هي إحترام الوقت، فلا تأخير بالمواعيد، ولا تأخير في بداية وقت العمل، ولا تأخير في حركة ووصول الباص والقطار بالدقيقة، وجرس الدرس، ووقت الطعام والنوم، ويتعلم الياباني هذه الخاصية في طفولته ويتربى عليها بإنتظام دقيق. فتخيل أن شعب ينهض من ركام الحرب، قصف جوي أدى لمق*ت*ل مائة ألف ياباني في شرق طوكيو لوحدها وتشريد مئات الآلاف، وإلقاء قنبلتين ذريتين، ق*ت*لت الأولى 120 ألفا وإصابت مئات الآلاف في هيروشيما، وق*ت*لت الثانية في ناكازاكي 60 ألفا ومئات الآلاف من الجرحى، وهزيمة جيشها وتعرضت لحصار بحري شامل تسبب بإنهيار الإقتصاد الياباني، ويوقع إمبراطورها وثيقة الإستسلام ، وتسبب الإنهيار الإقتصادي بنقص حاد بالإنتاج والغذاء والسلع وهذا ينذر بمجاعات مخيفة تؤدي لهلاك مئات الآلاف، وإنتشرت السوق السوداء وإرتفعت الأسعار بشكل هائل، وتفشت البطالة نتيجة لتسريح ما يقارب 5ملايين عسكري أصبحوا عاطلين عن العمل بالإضافة للعاطلين المدنيين، أي بحدود 10ملايين عاطل عن العمل. تخيل كل ذلك ولكن لا المجاعة حصلت ولا البطالة حدثت، حيث تم إستيعاب الجميع في قطاعي الزراعة والصناعات الحرفية. وتطورت الأمور شيئا فشيئا وبدأت الصناعة تتطور تطورا هائلا وسريعا ووصلت اليابان الى ما وصلت له اليوم بفضل الإعتماد على الداخل لا الخارج، على الإنسان الذي هو حجر الزاوية في البناء والتعمير والتطور. وبالتزامن مع ما ذكرناه آنفا نسأل ويسأل الجميع هل يمكن أن نستفيد من التجربة اليابانية ؟؟ الجواب نعم عندما تعتبر الدولة والقائمون عليها أن الإنسان العراقي قيمة عليا، يجري الإهتمام به، كما يحصل في اليابان وبقية البلدان المتقدمة، تصان حقوقه وتحدد واجباته، ويعامل وفق القانون بلا تمايز، ويكون الجميع متساوين في الحقوق والواجبات، ويعرف كل فرد ما له وما عليه، مع وجود نظام إداري مؤسساتي رصين يحميه ويحفظ كرامته، وكل هذه الأمور ليست بالمستحيلة على من يتولى قيادة البلد. وما التوفيق إلا من عند الله.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!