لماذا سأل المعمدان يسوع ( أنتَ هو أم ننتظر آخر ؟ )

لماذا سأل المعمدان يسوع ( أنتَ هو أم ننتظر آخر ؟ )

بقلم / وردا إسحاق قلّو

صورة ليسوع ويوحنا في طفولتهما مع العذراء

  يسوع المسيح من الناحية الجسدية قريب من يوحنا إبن زكريا ، وبسبب هذه القرابة ذهبت أمه مريم إلى أليصابات في اليهودية لتخدمها ، فعندما ألقت عليها السلام ، أرتكض الجنين ( يوحنا ) في بطنها وأمتلآت من الروح القدس . فهتفت قائلة ( من أين لي أن تأتيني أم ربي ؟ ) ” لو 43:1 ” .

  زكريا الكاهن أخبر إبنه يوحنا عن مهمته حول إعداد الطريق للمسيح والذي أوحاه الوحي الإلهي ( طالع نشيد زكريا في ” لو 1: 67-79 ” ) . لم يذكر الكتاب شيئاً عن طفولة يوحنا ، لكننا نعلم بأن إبن الكاهن عليه أن يصبح كاهناً ويلتحق بالهيكل بعد أن يبلغ العشرين من عمره لكي يبدأ بالدراسة لمدة عشرة سنوات ، وبعد بلوغه الثلاثين من عمره يرسم كاهناً .

   الشعب اليهودي كان يظن الرجل من دون سن الثلاثين غير بالغ فلا يستطيع أن يتولى المسؤولية ، فمثلاً   الملك شاؤل الذي رسم أول ملك على شعب إس*رائي*ل كان عمره ثلاثين سنة . وكذلك خلفه الملك داود الذي مسح ملكاً وهو صبياً ، لكنه ظل مطارداً من قبل شاؤل وبحسب خطة الله لكي يتحمل داود صعوبات وتجارب الحياة ويتعلم الكثير قبل بلوغه الثلاثين من عمره . وقبلَهم يوسف الصديق ظل في السجن 13 سنة ولم يصبح وزيراً لفرعون إلا عندما بلغ هذا العمر . وكذلك يوحنا المعمدان . والرب يسوع أيضاً الذي تعمد على يد يوحنا كان نحو الثلاثين من عمره ( لو 23:3 ) .

   عاش يسوع في الجليل في مدينة الناصرة ولم يلتقي بيوحنا الذي عاش في اليهودية ، ولم يتحدث إليه ، ولم يذكر الكتاب عن أي لقاء حصل بينهما ، لذلك صرح يوحنا قائلاً ( وأنا لم أكن أعرفه ) ” يو 31:1 ” . كان يعرف بأن له قريب إسمه يسوع ، لكن لا يعرف بأن يسوع هو المسيح المنتظر .

  يوحنا لم يلتحق بالهيكل ، بل ذهب ليعيش في البراري يلبس ثوباً من وبر الإبل ، وعلى وسطه زناراً من الجلد ، وظل هناك إلى يوم نزوله إلى نهر الأردن ليعمد الناس معمودية التوبة ليهيىء الطريق أمام المسيح ، أي يهيأ الشعب للمسيح المنتظرالذي لايعرفه .  كان يوحنا يعمد الناس في الأردن كل من يحمل الخطايا . فيتم التعميد بعد إعتراف المعمد بخطاياه أمام يوحنا . لكن يسوع الذي جاء إليه ليعتمد لم يكن له خطيئة ليصرح بها للمعمدان ، لهذا طلب يوحنا منه لكي يعمده لأنه أكتشف بحاسته الروحية بأنه أعظم منه ، لهذا مانع من تعميد يسوع قائلاً ( أنا أحتاج إلى الإعتماد عن يدك ، أو أنت تأتي إليّ ؟ فأجابه يسوع ” دعني الآن وما أريد ، فهكذا يحسن بنا أن نتم كل بر” . فتركه وما أراد ) ” مت 14:3″ . إذاً لماذا إعتمد يسوع ؟ الجواب موجود في نفس الآية ( ان نتم كل بر ) إعتمد عن البشرية الخاطئة ، وعلى الصليب سيحمل كل خطايا البشرليدفع ثمنها إلى الله الآب . بعد العماد خرج من الماء ، فرأى يوحنا من دون الناس أن السموات قد إنفتحت فرأى روح الله يهبط كأنه حمامة ينزل على يسوع ، كما سمع صوت من السماء يقول ( هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت ) ” مت17:3 ” رأى يوحنا الروح القدس كعلامة منظورة على شكل حمامة إستقرت على يسوع ، كما سمع صوت الآب ، أي عاش في تلك اللحظات مع الثالوث الأقدس كما حصل للرسل الثلاثة على جبل التجلي .

صرح يوحنا وإعترف قائلاً ( أنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي : الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليهِ فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس . وأنا رأيت وشهدت أنه هو إبن الله ) “يو 34:1 ” أعترف يوحنا بحقيقة يسوع قائلاً ( هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم ) وعندما سمع تلميذي يوحنا المعمدان ( إندراوس أخ بطرس ، ويوحنا إبن زبدي ) هذا الكلام تبعوا المسيح ( يو 37:1 ) .

لقد شهد يوحنا للمسيح وأعد له الطريق ليؤمن الكل بواسطته ( يو 7:1 ) فلا يمكن أن يشهد له إلا إذا كان يعرفه ، لهذا نادى قائلاً ( هذا الذي قلت عنه أن الذي بعدي صار قدامي ، لأنه كان قبلي ) ” يو 15 :1 ” وكيف كان قبله علماً بأن يوحنا أكبر منه عمراً بستة أشهر ( طالع مت 36:1 ) فهنا المقصود بأن المسيح هو قبل يوحنا روحياً وهو خالقه وخالق الكون .

   يوحنا إذاً عرف بأن يسوع هو المسيح ، فلماذا أرسل تلميذيه عندما كان في السجن إلى يسوع ليقول له ( أأنت الآتي أم آخر ننتظر ؟ ) ” لو 19:7 ” إلجواب : أرسلهم لأنه يعرف بأن رسالته قد تمت وعليه الرحيل ، فغايته كانت لكي يؤكد لتلاميذه بأنه هو المسيح المنتظر ، وأراد أن يسلمهم له ، لأنه ينبغي أن ينقص وذاك يزيد ، ولينضموا إلى جماعة المسيح . ويسوع لم يشأ أن يقول لهم صراحةً بأنه المسيح المنتظر لأنه لا يريد أن يعلن حقيقته قبل أن ينشر رسالته التي ستتم بعد ثلاثة سنوات ، لهذا أرسل جواباً غامضاً بالنسبة لتلاميذ يوحنا ليخبروا سيدهم ، وفي الجواب سر سيعرفه يوحنا المعمدان وهو سيشرح لكل تلاميذه ما قصد به المسيح من جوابه . قال المسيح للتلميذين المرسلين ( أذهبا وقولا ليوحنا بما تسمعان وتنظران : العمي يبصرون ، والعرج يمشون ، والصم يسمعون ، والموتى يقومون … وطوبى لمن لا يعثر فيّ ) ” مت 4:11-6″ .  هنا نلاحظ بأن رسالة يسوع إلى يوحنا بدأت ب ( العمي يبصرون ) والسبب لأن لا يوجد أحد من الأنبياء قد فتح عيون الأعمى ، إلا الرب يسوع ، وهذا ما نقرأه بالنبوة التي جائت في المزمور ” 8:146 ” ( الرب يفتح أعين العمي ، الرب ينهض المنحنين … ) فداود النبي قال هذا بالروح ، ويوحنا المعمدان فهم رد المسيح لسؤاله ، وشرح المقصود لتلاميذه ليؤكد لهم بأن يسوع هو المسيح المنتظر .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

Exit mobile version