الحوار الهاديء

مشروع مُتميز للحفاظ على التراث الثقافي الكلداني من تدبير المطران مار ابراهيم ابراهيم

د .عبدالله مرقس رابي

 

مشروع مُتميز للحفاظ على التراث الثقافي الكلداني

من تدبير المطران مار ابراهيم ابراهيم

د . عبدالله مرقس رابي

في مقابلة أذاعية أجراها الاعلامي المتميز فوزي دلي في أذاعة صوت الكلدان من ديترويت الامريكية مع سيادة المطران المتقاعد مار ابراهيم ابراهيم راعي أبرشية مارتوما في مشيكن سابقا( رابط ادناه)ً، سُلط الضوء على مشروع يعد من المشاريع الثقافية التراثية للمجتمع الكلداني في ديترويت وأينما وُجدوا حول العالم، كما أنه حيوي واساسي للباحثين وطالبي العلم من مختلف الجماعات البشرية. وهو انشاء مكتبة لحفظ كل المخطوطات التراثية الكلدانية وتبعات أخرى مُلحقة بالمشروع. كيف بدأت الفكرة وما هو الهدف، وما هي طبيعة العمل، وما هي الفائدة المتوخاة منه ومن يندفع ويحفز ويشجع ويُدبر ويشارك ويتعاون ليرى المشروع النور، كل هذه التساؤلات أتضحت في المقابلة المذكورة في ضوء الاسئلة المناسبة التي قدمها الاعلامي فوزي حول الموضوع لسيادة المطران مار ابراهيم .

يرى المُتابع لتاريخ وجود الكلدان في ولاية مشيكن الامريكية والمدن الامريكية الاخرى عموما أنه تاريخ زاخر بالعطاءات المختلفة في الحياة، وكبرت هذه العطاءات مع زيادة ديمغرافيتهم في المنطقة، وأخص بالذكر في مدينة ديترويت الكبرى، حيث منذ ان وطأت اقدامهم سنة 1912 مدينة ديترويت وقبلها عام 1905 امريكا بدأت عملية استقطاب المهاجرين الكلدان الى هذه المدينة تدريجياً الى أن وصل عددهم هذا اليوم الى ما يُقارب 170 الف نسمة. وأكثر من سبعين الف في المدن الاخرى، وكان أكثر الكلدان الذين غادروا الى امريكا هم من بلدة تلكيف الواقعة شمال الموصل على نحو ثمان كيلومترات، وهم فعلا من بدأوا الهجرة وثم تبعهم من أبناء القرى والبلدات الكلدانية الاخرى من سهل نينوى والمناطق الجبلية في شمال العراق، لاتزال المغادرة مستمرة الى يومنا هذا. لا ترتبط مغادرتهم بعدم حبهم لوطنهم وارضهم، بل كانت لاجل البحث عن حياة حرة ومستقرة تمنح لهم وجودهم وكيانهم ورغبتهم للعيش في مجتمع يحقق لهم العدالة والامان والمشاركة الفعالة فيه التي حُرموا منها وهم على ارض أجدادهم منذ الاف السنين. وعليه نلاحظ ابداعاتهم ونكتشف عطاءاتهم بوضوح في المجتمع الجديد ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وعلمياً وفي كافة مجالات المعرفة .

بالرغم من عملية التكيف لكلدان ديترويت المطلوبة ثقافياً وأجتماعياً في المجتمع الامريكي، الا انهم حاولوا عبر المنظمات المدنية العديدة والكنائس التي أسست من قبلهم كمراكز اجتماعية وثقافية واعلامية الحفاظ على تراث آبائهم من الانساق الاجتماعية والثقافية والدينية التي تنسجم مع معطيات الحضارة المجتمعية الجديدة، ونقله الى الاجيال اللاحقة زمنياً لتحفيز المشاعر الانتمائية الاثنية الكلدانية لهم. وجاءت فكرة أنشاء المكتبة العامة لحفظ المخطوطات اليوم لتتوج تلك الابداعات والعطاءات المستمرة .

الفكرة

وضح سيادة المطران مار ابراهيم الفكرة والهدف من تاسيس المكتبة خلال اجابته على السؤال الذي طرحه الاعلامي فوزي دلي عن كيف جاءت الفكرة وما هو الهدف؟ وقد أكد سيادته، ان الفكرة بدأت على أثر

تحسسه وادراكه أن المنطقة التي انتشر فيها الكلدان تاريخياً، العراق وسوريا وتركيا وايران باتت غير مستقرة ولا أمل في الاستقرار والعيش بسلام وامان مما يضطر الكلدان الى مغادرتها يومياً ودون رجعة. ولما كانت الكنائس الكلدانية المنتشرة في تلك البلدان تحتوي على كنوز ثقافية ابداعية متمثلة بالمخطوطات التي تركها لنا الاباء والاجداد ومبعثرة هنا وهناك، رأى سيادته وصمم للحفاظ عليها من الضياع لاستمرار الاضطهادات والاعتداءات على المسيحيين ولتعرض الكنائس للنهب والهدم من قبل المعتدين، أو تعرضها للتلف لقدمها اذ وُجدت معظمها مغبرة وممزقة، أو لاستحواذ البعض عليها وضياعها. والهدف الاخر هو شعوره باهمية وجود مكتبة خاصة لجمع هذه المخطوطات فيها وحفظها في مكان موحد بشكل مدروس وباتباع الاساليب العلمية في تصنيفها وحفظها، مما ستوفر الفرصة للاطلاع على ما تحتويه من ابداعات تركها لنا الاباء عن تاريخ الكلدان وكنيستهم. وستكون خزينة لثروة عظيمة وارث ثقافي سيكون في متناول الجميع وبالاخص الباحثين لدراستها وتحقيقها، وثم الاطلاع عليها من قبل الاخرين سواء الكلدان او غيرهم.

آلية العمل

طرح الاعلامي فوزي لسيادة المطران مار ابراهيم أسئلة تتعلق بآلية وسياقات العمل لانشاء المكتبة. ففي ضوء سؤال عن ما تم تحقيقه من العمل وهل المكتبة فُتحت ؟أجاب سيادته:

جاءت الفكرة قبل طلبه التقاعد، ولابد هكذا مشروع بحاجة الى تخصيص أموال ضخمة، ولما نظمت لجنة مختصة لتنظيم وأقامة حفلة تكريمية على شرف سيادته بمناسبة مرور خمسين سنة على رسامته الكهنوتية وثلاثين سنة على رسامته الاسقفية، تقرر وبموافقة المطران مار ابراهيم أن يكون ريع الحفلة وما يتبرع المدعوون مخصصاً لمشروع المكتبة، وفعلا كما وضح سيادته في المقابلة الحالية تم جمع اثناء الحفلة وبعدها من تبرعات الاشخاص 401 الف دولار امريكي، ووضعت تحت حساب خاص للمكتبة لتغطية النفقات، واكد سيادته بقى منها لحد اليوم 316 ألف دولار، وهذا المبلغ لايكفي لشراء المبنى وتكملة المشروع، وهناك الحاجة الى مبالغ اضافية. وأشار الى أن السيد مارتن منا سيساعدهم فعلاً رغبة منه .

موضع المكتبة

حالياً للمكتبة موضع مؤقت في كنيسة قلب يسوع، وفيها 250 مخطوطة مستنسخة وصلت من مصر حيث تجري عملية الاستنساخ هناك بسبب رخص العمل. وهي مرتبة ومصنفة علمياً ويشرف على العمل المطران مار فرنسيس قلابات الذي يعمل بجد ورغبة في تحقيق الهدف ومعه الشماس خيري فومية بالتعاون مع طلبة السينمير في الابرشية، ويرجع تاريخ أقدم مخطوطة حصلوا عليها لحد الان الى ما بين القرن الثامن والتاسع الميلاد بحسب رأي الخبراء. وفي حالة وصول العدد المتوقع الى 2500 مخطوطة مستنسخة الذي هو الهدف المنشود، سيتم فتح أبواب المكتبة أمام الجميع للاستفادة منها. ووفقاً لاجوبة المطران مار ابراهيم فأنهم يبحثون عن مبنى خاص للمكتبة، ويدرسون المسألة لتحديد موضعها بالنسبة الى مدينة ديترويت الكبرى حيث الكلدان يتوزعون في شرقها وغربها. وليس هناك اتفاق لحد الان لمكان المبنى، واذا تم الاختيار سيُباشر فوراً بالتنفيذ.

وفي سياق الحديث عن اختيار الموضع للمكتبة، طرح الاعلامي سؤالا عن مدى امكانية ان يحتوى المبنى المقرر على جزء مخصص للمتحف الكلداني الذي فُتح مؤخراً في نادي الكلداني( شنندوا) ليكون مجمعاً ثقافياً موحداً. أجاب سيادته :ان الفكرة موجودة لدى الطرفين، عند مسؤلي المتحف والمكتبة على السواء، واذا ما تم احتيار المكان المناسب سيباشر العمل بذلك.

آلية جمع المخطوطات المستنسخة

في سياق الاسئلة التي طُرحت لسيادة المطران مار ابراهيم عن كيفية جمع والحصول على المخطوطات، وضح سيادته:

خصصنا الاموال لجمع المخطوطات كخطوة أولى، وبدأنا مفاتحة الكنائس الكلدانية وطرح الفكرة للكهنة والاساقفة لاستنساخ ما في حوزتهم من المخطوطات على نفقتنا وارسالها للمكتبة في ديترويت. ولاعتزاز الكنائس بالمخطوطات لايمكننا الحصول على المخطوطة الاصلية، وانما نكتفي بالاستنساخ. فبعضهم لم يوافقوا على استنساخها أيضاً، فمثلا لم نتمكن من أقناع الرهبنة الكلدانية في دير السيدة من القبول باستساخ مخطوطات الرهبان، وعليه جدد مطالبته بالتعاون والقبول.

ولما رأى المطران مار ابراهيم الرغبة الحقيقية والح*ما*س الكبير لدى الاب نجيب الدومنيكي، في الاهتمام بهذا الارث الثقافي، حيث يجعل من المخطوطة الممزقة والمشوهة كأنما جديدة، طُلب منه التعاون لارسال نسخة مصورة الكترونياً لكل مخطوطة وعلى نفقة المكتبة. وأبدى تعاوناً شديداً وهو يعمل مشرفاً لعمل جمعية أيطالية مهتمة بالموضوع، فيرسل نسخة مصورة الكترونياً، ويتم طبعها في مطبعة تم شراؤها لهذا الغرض في ديترويت بثلاث نسخ، واحدة للمكتبة والاخرى لمكتبة الكونغرس الامريكي والثالثة سيحدد لمن ستُعطى مستقبلا. والان منشغلون بتصوير مخطوطات البطريركية كما أكد سيادته. وأكد ان جهدهم منصب الان على المخطوطات 90% ،وبالطبع أن المشرفين على المكتبة سيشترون الكتب المطبوعة لتزويدها لتبقى مكتملة.

هكذا يضيف كلدان ديترويت في أمريكا صرحاً ثقافياً آخراً الى ابداعاتهم الثقافية، صرحاً له أبعاد تعليمية وترويجية تعريفية لحضارة الكلدان لتبقى الاجيال على اتصال ومعرفة عن أصولهم الحضارية لكي يعتزوا أمام الاخرين بأنهم بُناة حضارة انسانية وايمانية راقية للبشرية، وليس غريباً أن يكون صاحب الفكرة المطران مار ابراهيم ابراهيم الراعي السابق لابرشية مار توما الكلدانية في مشيكن، حيث عُرف بأهتماماته التراثية واعتزازه بانتمائه الاثني الكلداني وحثه الكلدان للاعتزاز والافتخار بارثهم ونشر الوعي الانتمائي بنشر الثقافة الكلدانية وتوظيفها لاجل الانشداد والارتباط بأثنيتهم مع تأكيداته المستمرة للاحترام المتبادل بين الجماعات البشرية وقبول الاخر. وهو مطمئناً بأن المطران مار فرنسيس راعي الابرشية الحالي شديد الاهتمام بالمشروع وله رغبة كبيرة لتحقيقه، ومطمئناً ان الخيرين من ابناء الكلدان سيدعمون المشروع كل وبطريقته وأمكاناته سواء في المال أو الخبرة أو الاستشارة.

وبهذه المناسبة، وانا أستمع الى المقابلة القيمة راودتني بعض الافكار المتواضعة، أضعها أمام المشرفين على المشروع كمقترحات لعلهم يستفيدون منها :

اولا: اعتزازا وافتخارا بالمطران مار ابراهيم ابراهيم صاحب الفكرة اقترح ان تكون لائحة التعريف لمبنى المجمع الثقافي تحت تسمية( مجمع المطران ابراهيم الكلداني الثقافي )أو أي تسمية اخرى مناسبة محتوية على ذكر اسم سيادته.

ثانياً: تسمية القاعات وأجزاء المبنى بأسماء الذين تركوا بصمات ثقافية وايمانية في المجتمع الكلداني وكنيسته، على سبيل المثال، القس المرحوم يوسف حبي، والقس البير ابونا وغيرهما كما لابد من تسمية بعضها باسماء أشخاص وهم رواد الثقافة الكلدانية العلمانيين من اساتذة الجامعة والباحثين، وأخص بالذكر من أبناء الكلدان في مدينة ديترويت الكبرى.

ثالثاً:على المسؤلين في الرهبنة الكلدانية التعاون والاستجابة لطلب المشرفين على المكتبة للسماح باستساخ مخطوطات الدير لوضع الحقائق والمعرفة العلمية والايمانية التي تحتويها تلك المخطوطات في متناول الجميع وبالاخص الباحثين للاستفادة منها. طالما لا ينفق الدير على العملية أية مبالغ نقدية. وللتذكير سبق وان أطلعت على سجل الرهبنة الكلدانية بموافقة المرحوم القس الراهب شربل المسؤول انذاك في دير مار كوركيس أثناء جمع المعلومات لتاليف كتابي عن بلدتي منكيش، حيث اكتشفت فيه حقائق مُثيرة ومهمة جداُ من الاحداث وحياة الرهبان وتاريخ الدير، وفعلا استغربت ولم كنت اتوقع بان بلدتي منكيش كانت لها مساهمة فعالة في عدد ابنائها الرهبان في الدير حيث بلغ 40 راهباً منذ تاسيسه على يد الاب جبرائيل دنبو، وجاءت بالمرتبة الثالثة بعد القوش وتلكيف ،وبحسب النسبة والتناسب السكاني بين القرى قد تكون الاولى. ومما اثار انتباهي ايضا أن الرهبان الستة الاوائل الذين جددوا الرهبنة الانطونية الكلدانية مع الاب جبرائيل دنبو هم من منكيش حيث اتى بهم شخصياً للدير. معلومات ادهشتني وادهشت ابناء بلدتي. فالرجاء وضع المخطوطات امام المهتمين للاستفادة.

رابعاً: الاتصال بطلبة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية والانسانية من الكلدان وغيرهم لدراسة المخطوطات وتحقيقها.

خامساً: لا يُشترط ان يكون المختص المشرف على المكتبة في علم المكتبات من الكهنة، بل من العلمانيين، واقترح توفير هذه المهمة الان للاستفادة في انشاء المكتبة علمياً. كما اتمنى تغذية اللجنة الحالية بالعلمانيين المهتمين فهي مكتبة الكلدان ولا تخص الكنيسة فقط.

سادساً : أن يتوسط مبنى المزمع انشاؤه بين الشرق والغرب من مدينة ديترويت الكبرى، وان يكون أكثر قرباً من منطقة الاكثر كثافة من الكلدان في المدينة.

سابعاً: أن لا يقتصر المبنى على المكتبة والمتحف فقط، وانما يتضمن،قاعة للمحاضرات العامة لتكون بديلة عن قاعات الكنائس لاجل اقامتها في المناسبات المتعددة، قاعات مخصصة ومهيئة للاجتماعات والندوات والمؤتمرات العلمية والعامة لاستخدامها الذاتي، أو لغرض تاجيرها للمؤسسات والمنظمات التي تحتاجها للاستفادة من مواردها.

ثامناً: ذكر سيادة المطران مار ابراهيم انهم يعدون ثلاث نسخ ،خصص اثنتان منها ،واقترح الثالثة ان تكون للفاتيكان أو للمكتبة المركزية في بغداد.

تاسعاً: البحث عن الاطاريح العلمية في مختلف الاختصاصات التي أعدها الطلبة الكلدان في جامعاتهم لنيل الشهادات العلمية لتكون مفخرة للاجيال القادمة ولاهميتها وقيمتها العلمية للاستفادة منها. وكما اقترح البحث عن الكتب التي أُلفت عن قرانا وبلداتنا الكلدانية لضمها الى المكتبة.

عاشراً: وضع مخطط يشير الى المصدر الجغرافي للمخطوطة لكي لا تُضيع حقوق المالك الحقيقي سواء كان شخصاً أو كنيسة، وثم ستتبين الجهود المبذولة من قبلكم في عملية جمع وحفاظ هذه المخطوطات، كأن يُكتب اسم الكنيسة ومكانها، القرية او المدينة والبلد.

مع اجمل التهاني والتمنيات لكلدان ديترويت والقائمين على تنفيذ المشروع بالنجاح والتوفيق لتحقيق هدفكم.

كندا في 19/10/ 2018

http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=906775.0

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!