مقالات دينية

كنيسة المشرق والكنيسة الملبارية في الهند

سامي خنجرو

samdesho
كنيسة المشرق والكنيسة الملبارية في الهند سامي خنجرو-استراليا
العلاقة بين كنيسة المشرق وكنيسة الهند

ليست هناك شواهد أكيدة عن بدء العلاقة بين الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق والكرسي المطرافوليطي لمسيحيي مار توما على ساحل الملبار الهندي. ومن المعتقد بأن الشركة بين الكرسييّن يرقى الى زمن التبشير عينه. ومن المعلوم ان مطارنة واساقفة الابرشيات الخارجية لكنيسة المشرق، كان يتم اختيارهم من الرهبان عادة. ونجد اسقفا اسمه دودي ينطلق من البصرة الى الهند قبل سنة 390م في زمن الجاثاليق قيّوما (373-399)م. كما نجد معنا الجاثاليق (420-421)م، يرسل تراجم ديودوروس الطرسوسي الى بلاد البحر والهند سنة 420م. ولقد عثر على صلبان في كنيسة قديمة في كويام تحمل كتابات بهلوية من القرن السادس، وكتابات اسطرنجيلية من القرن العاشر. هده الشواهد تكشف عن وجود شركة مسيحية وعلاقة تبعية بين كنيسة المشرق والكنيسة في الهند منذ الاجيال الاولى للمسيحية. وستغدو هذه العلاقة اشدّ وضوحا في الازمنة اللاحقة.
يقول كوسماس انديكو في كتابه (المواقع الكنسية) والمكتوب سنة 520-525 م : وجود مسيحيين أصلهم من كنيسة المشرق في الهند. كما ويستلم الجاثاليق سبريشوع (596-604)م هدايا من الهند، بينما يرسل الجاثاليق ايشوعياب الثاني الجدالي (628-645)م أساقفة الى الهند. وتظهر رسائل البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي (649-659)م قيام علاقات رئاسية بشكل واضح بين كنيسة المشرق ومسيحيي مار توما، اذ يقول ايشوعياب البطريرك بان كنيسته تمتد الى ما وراء الهند، كما وينوّه الى انعزالية مطارنة ريوارداشير(بلاد فارس) ومحاولاتهم لابعاد اساقفة الهند وحملهم على عدم الخضوع لبطريرك كنيسة المشرق. ويقاوم البطريرك طيمثاؤس الكبير (780-823)م حركة مطارنة بلاد فارس الانعزالية، والتي قادت الى نوع من الانشقاق في صفوف الكنيسة في الهند، بحيث ان بعض الاساقفة من الهند يردّون على البطريرك قائلين: انـّنا تلاميذ مار توما الرسول، ولا علاقة لنا بكرسي ماري أي كرسي ساليق- طيسفون. لاشكّ ان هناك رغبة مشروعة في الحصول على نوع من الاستقلالية، لابل ان البطريرك طيماثاؤس نفسه يضطرّ الى سن قوانين في هذا الاتجاه، يذكرها عبدالله بن الطيب في مجموعته القانونية. كما ونرى البطريرك تيودوسيوس (852-855)م يمنح امتيازات استثنائية لكنيسة الهند.
لقد استمرّت العلاقات بين كنيسة المشرق ومناطقها الكنسية البعيدة، ومنها الكنيسة في الهند، بشكل طبيعي حتى نهاية القرن الثالث عشر، وسبّب الغزو المغولي خللا كبيرا في تلك العلاقات المشتركة وقطع أواصرها ، وخاصة مع الابرشيات الخارجية والبعيدة ومنها الهند، وذلك بسبب الفوضى وعدم الاستقرار من جراء هذا الغزو.
البرتغاليون والملبار
حطـّ البرتغاليون في سواحل الملبار الهندي سنة 1499م بقيادة المستكشف فاسكو دي كاما، ونشأت علاقات بين البرتغاليين ومسيحيي مار توما الملباريين. وفي سنة 1490م رسم بطريرك كنيسة المشرق شمعون الرابع شخصا ملباريا اسمه يوسف اسقفا على الملبار. وزار الاخير روما وترك تقريرا عن وضع كنيسته. كما نرى أربعة اساقفة يصلون من بلاد الرافدين الى الملبار سنة 1504م في زمان البطريرك شمعون السادس، أحدهم يعقوب أبونا من العائلة البطريركية الوراثية في القوش، في الفترة التي بدأ القديس فرنسيس كسباريوس اليسوعي رسالته في الهند. وفي رسالة وجهها القديس فرنسيس الى رئيسه القديس أغناطيوس دي لويولا سنة 1549 م، يسأله استرحاما من البابا لصالح الاسقف يعقوب ومن أجل القرى الستين المسيحية التابعة له.
خلف مار يعقوب اسقف جديد اسمه يوسف، وهو اخو البطريرك يوحنا الثامن سولاقا، اول بطريرك كلداني كاثوليكي لكنيسة المشرق، الذي تم اختياره بسبب ادخال القاعدة الوراثية في المنصب البطريركي لكنيسة المشرق. ورافقت الاسقف الجديد بعثة رومانية مؤلفة من الاسقف امبروسيوس والراهب الدومنيكي انطونيوس اللذين كلـّفا من قبل الدوائر الفاتيكانية لمرافقة مار يوحنا سولاقا الى بلاد المشرق بعد رسامته بطريركا. ولدى زيارة الاسقف يوسف للبابا بيوس الرابع، يعترف البابا بسلطة البطريرك عبديشوع الرابع مارون (1555-1567)م، خليفة مار يوحنا سولاقا، على بلاد الهند. وانه اي البطريرك عبديشوع قد نال التثبيت من لدنه سنة 1562م. لا بل ان البرتغاليين انفسهم يقرّون بسلطان بطريرك كنيسة المشرق على مسيحيي الملبار. فنرى البطريرك عبديشوع يعيّن اسقفا اسمه ابراهيم في غياب الاسقف يوسف. ولدى عودة الاخير الى الهند، قام باتـّهام الاسقف ابراهيم بالهرطقة (النسطرة). فاشار البابا على البطريرك ان يقسّم بينهما المنطقة الكنسية الملبارية، يتولى كل منهما شؤون قسم.
وقام اليسوعيون البرتغاليون بمحاولات قسرية، منها الزام الاساقفة الكلدان المرسلين من البطريرك المشرقي، حصولهم على تأييد الكرسي الروماني. وعلينا أن نعترف بانّ ما عقـّد الامر، هو قيام أحياناً رئاستين كنسيتين مشرقيتين في الوقت ذاته، تنادي الواحدة بالخضوع للكلدان الكاثوليك، بينما تأخذ الثانية بالنسطورية. هذه الازدواجية في الرئاسة، أنما جاءت لعدم وضوح التعابير اللاهوتية في طقس كنيسة المشرق، لليسوعيين البرتغاليين في الهند. لان اليسوعيين لم يكونوا على دراية وافية بلاهوت كنيسة المشرق، اضافة الى عدم اتقانهم اللغة السريانية وتعابيرها اللاهوتية.
تدخّل روما في شؤون الملـّبار- مجمع ديامبر
لقد كان الشرقيون الملباريون يودون الحفاظ على التقليد الموروث وباي ثمن، بينما حاولت روما بشكل عام والمرسلون البرتغاليون بشكل خاص، تعميم النظام اللاتيني على جميع الكنائس، بما في ذلك الشرقية منها، مع العلم بان التعددية اللاهوتية لم تكن مقبولة انذاك في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
فنرى تقلص السلطان البطريركي الشرقي على الملبار ببراءة بابوية أصدرها البابا كليمنت الثامن وذلك سنة 1595م، وهي موجهة الى السيد دوم، رئيس اساقفة كوا اللاتيني. وفيها ما يشير الى جعل كثلكة الاسقف ابراهيم موضع شك، ومجيزا لرئيس الاساقفة دوم للقيام باي اجراء مناسب بشأن ذلك. وتذهب البراءة لتؤكد بانه لايمكن ان يترأس مسيحيي مار توما الملباريين الا مطران يعيّنه الكرسي الرسولي. وتمضي البراءة الى ابعد من ذلك، فتعيّن رئيس اساقفة كوا نائبا رسوليا على الملبار في حالة ظهور الاسقف ابراهيم متلبّسا بالهرطقة (النسطرة).
ان تدخل رئيس اساقفة كوا في شؤون الملبار، كان بداية الليتنة لمسيحيي مار توما. وتعيّن فرامسوا روز، وهو احد اليسوعيين اللاتين، نائبا رسوليا على الملبار، وقد كان الاخير مقتنعا كل الاقتناع بان الملباريين الشرقيين هم نساطرة. لذلك عمل روز كل ما في وسعه لكي يسنّ مجمع ديامبر، الذي عقد في كوا سنة 1599م، تشريعات لاتينية: لاهوتية وقانونية وطقسية. والغيت هكذا سلطة البطاركة الكلدان على الملبار وشرع المسؤولون الملباريون يراجعون روما مباشرة. كما وانحصرت اللغة الطقسية السريانية-الكلدانية ايضاً، اذ اعتبرت طريقا سهلاً بدخول الهرطقات. اضافة الى تعيين كهنة لاتين أو ممن يتقنون اللغة اللاتينية لخدمة هولاء الملباريين الشرقيين. ان الملباريين الشرقيين حضروا جلسات مؤتمر ديامبر، ولم تجرى مناقشة اي من القوانين ولا تعديل اي مرسوم، بل كان الملباريون يستمعون الى تلاوة القوانين دون فهمها لانها كانت بالاتينية. كما وتقرر ترجمة القداس والطقوس اللاتينية الى السريانية-الكلدانية لتحل محل الطقس الملداني الشرقي.
لم تكن هذه الاجراءات كافية لاقناع الملباريين الشرقيين وحملهم لتبنـّي النظام اللاتيني. لذا نلقاهم بين فترة واخرى للقيام بتحركات وانتفاضات. ولعل اكبر ما قاموا به، هو في زمان البطريرك يوسف اودو (1847-1878)م. هذا ما سنتناوله هي مقالنا القادم انشاء الله.
..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!