مقالات دينية

وكما رفع موسى الحيّة في البريّة، فكذلك يجب أن يُرفع ابن الأنسان

الكاتب: مشرف المنتدى الديني

 

وكما رفع موسى الحيّة في البريّة، فكذلك يجب أن يُرفع ابن الأنسان، لينال كُلُّ من يؤمن به الحياة الأبديّة

 

نافع شابو البرواري

 

يخبرنا الكتاب المقدس في بداية سفر التكوين انّ الله جعل الأنسان في الفردوس(2:8) ولكنه جعل فيه الحيّة أيضاً (3:1 ).

ونتسائل عن الحيّة التي تدلُّ على المجرّب والشيطان، ففي الميتولوجيّات الشرقية القديمة كانت الحيّة ترمز الى قوى خفيّة ،

 يرهبها الأنسان عند الكنعانيين، وكانت تمثّل النار المرسومة على تاج الآلهة والملوك عند المصرييّن، وكانت خليقة تيامات ، اله الشر البابلي، والتي أنتزعت من يد غلغامش شجرة الحياة فمنعت عنه الخلود.

فالحيّة اذن ترمز الى قوة الشر والحيلة والمكر والموت التي تعادي الأنسان وتعارض مخطط الله”وكانت الحيّة أحيل جميع حيوانات البريّة التي خلقها الرب الاله”تكوين 3:1 .

يقول كاتب سفر الحكمة “ولكن بسبب حسد ابليس دخل الموتُ الى العالم فيذوقُه الذين من حزبه”.

أمّا سفر الرؤيا فيضع أمامنا صراعا يبدو فيه ميخائيل وملائكته أمام التنين العظيم، الحيّة القديمة، المدعو المفسد والشيطان”رؤيا 12:9 .

تلك الصورة ترمز الى انتصار الله على قوى الشر”شققت  البحر بقدرتك ، وكسرت رؤوس التنانين على المياه”مزمور 74:13,14 .

اذن هذا المجرّب (الشيطان) الذي صوّرهُ لنا كاتب سفر التكوين بشكل حيّة  قال عنه يسوع المسيح انّه سيّد العالم.

السؤال لماذا الحيّة ترمز الى الشيطان وقوات الشر؟

الحيّة هي من الحيوانات الزاحفة وعندما تزحف فهي لا تسير باستقامة بل تنحرف يسارا ويمينا وهذا رمز الى الأنحراف وعدم الأستقامة في الحياة ( ونقول نحن في العامية عندما احدهم يحاول الكذب  فنقول : قُل بدون لف ودوران).

الحية لها جلد املس ناعم من الخارج ولكنها في الحقيقة حيوان مفترس سام وهناك من الثعابين (الحيايا) لها لدغات قاتلة ، فهنا يبدو مَكرها فهي تُظهر من الخارج عكس ما هي من الداخل ، وهكذا الشيطان قد يظهر بصورة ملاك نور كما يقول الكتاب المقدس.

عندما تاه بني أسائيل في البريّة أرسل الله عليهم ضربة من حيّات لمعاقبة الشعب على عصيانهم له وتمرّدهم عليه”عدد 21:8,9 .

ومن أشرف على الموت بسبب لدغة الحيّة كان يمكنه أن يشفى بأطاعة وصية الله برفع نظره الى الحية النحاسية المرفوعة، مؤمنا أنّ الله سيشفيه ان هو فعل ذلك .

في صحراء سيناء أنواع متعدّدة من الحيّات ، يختفي بعضها في الرمال ويهاجم دون أنذار وقد كانت صحراء سيناء منطقة عازلة بين مصر (الفراعنة) وأعدائها من الشرق القديم بسبب وجود هذه الحياّت بكثرة في سيناء ، فكانت لدغة الحيّة السامة تعني، في أغلب الأحيان ، الموت ، موتا بطيئا مع الام شديدة.

كانت الحيّات لبني اس*رائ*يل رجسا “لاويين 11:42 ، كانت تذكارا لهم بالخطية واللعنة لأنّ الحية هي التي أغوت حواء وادم للسقوط في الخطيئة ، ومن ثمَّ صارت تحت اللعنة “لأنك فعلتِ هذا فأنتِ ملعونة من بين جميع البهائم وجميع وحوش البر”تكوين 3:14 ” .

وها نحن نرى الحيّات مرة أخرى مصدرا للموت عقابا على الخطيئة والتذمّر.

وبالمثل تماما كان الصليب رمزا للعنة “لأنّ المعلّق (على الخشبة) ملعون من الله” التثنية21:23  ويقول الرسول بولس”ملعون كُلّ من مات معلّقا على خشبة”غلاطية 3:13 ولهذا لم يستطع بني اس*رائ*يل (وحتّى التلاميذ في يوم الصلب) أن يفهموا موت يسوع المسيح بهذه الصورة  فصار عندهم عثرة لأنهم كانوا ينتظرون المسيح كملك ذو سلطان أرضي  .

ولليونانيين جهالة، لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ جميع الأمم جهلاء اي لايمتلكون الحكمة والمعرفة  فصاروا (اليهود والرومانيين) يهزئون بيسوع المسيح عند الصلب ، لأنّ اليهود يعتبرون المعلق على الخشبة هو ملعون بسبب الخطية . أما الرومان المتأثرين بالفكر والحكمة اليونانية فالصليب يدلّ على أنّ المصلوب هو مجرم يستحق الموت وهو في نفس الوقت يدلّ على الضعف”(فاصحاب القوة والعلم والمعرفة كانوا يستهزأون بالمؤمنين بسبب خلفيتهم ، حيث كان المؤمنون من عامة الناس والصيادين واحيانا غير متعلمين) ويقول الرسول بولس لهؤلاء الناس الذين لايقبلون بموت المسيح الكفاري على الصليب.

” …..فالبشارة بالصليب حماقة عند الذين يسلكون طريق الهلاك وأمّا عندنا نحن الذين يسلكون طريق الخلاص ، فهو قدرة الله ” 1كورنثوس 1:18″.

نعم عندنا نحن المؤمنين، الصليب هو سر الحُب اللامحدود للبشرية كلها”هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد من أجل خلاص كل من يؤمن به فتكون له الحياة الأبدية”    أما لماذا الحية النحاسية ؟ لأنّ النحاس من المعادن القويّة واكثرها احتمالا ، وهو يرمز الى الآلام التي أحتملها يسوع المسيح على خشبة الصليب من أجلنا. فالحيّة النحاسية ترمز الى يسوع المسيح المرفوع على الصليب “لأنّ الذي ما عرف الخطية جعله الله خطية من أجلنا لنصير به أبرارا عند الله”2كورثوس 5:21” .

انّ سم الخطيئة هو الموت، أمّا الدواء الألهي(الشافي) فهو الحية النحاسية المرفوعة على خشبة (رمز الى الخطيئة المسمّرة على  خشبة الصليب بموت يسوع المسيح الحامل خطايا العالم ).

كلّنا نشاهد علامة الحيّة الملفوفة على عمود من الخشب على لوحة كل صيدليات العالم وهي علامة على أنّ هناك في الصيدلية دواء لشفاء المريض فهذه العلامة مأخوذة من الحية النحاسية التي صنعها موسى ليشفي الله كل من ينظر اليها من لدغتهم الحية ، فكم بالأولى أن ننظر الى المرموز اليه وهو يسوع المسيح المعلق على خشبة الصليب، فهو الطبيب العظيم الذي يشفينا من سم الخطيئة وينقذنا من الموت ويحررنا من الشيطان. “…ناظرين الى رأس ايماننا ومُكمِّلِهِ ، يسوع الذي تحمّل الصليب مستخفّا بالعار ، من أجل الفرح الذي ينتظره” العبرانيين 12:2.”

الحية النحاسية هي على شكل الحيّة(الشيطان) التي سببت الموت للأنسان فمن لدغتهم الحية(أشارة الى الخطيئة)فهم في الحقيقة اصبحوا أموات لأنّ السم (سم الخطيئة) يسري فيهم بالتدريج حتى يموتوا فعلا. ولهذا في حوار المسيح مع نيقوديمس عالم الشريعة اليهودي أراد الرب يسوع المسيح أن يقول له يجب أن يُرفع ابن الأنسان على خشبة الصليب كما فعل موسى برفع الحية النحاسية ولكن كان قصد يسوع في العهد الجديد هو انّ من ينظر ويؤمن بموت المسيح الكفاري على خشبة الصليب فهو يولد ولادة جديدة (الولادة الروحية) وتكون له الحياة الأبدية”يوحنا 3:14″  .

عندما  رُفعت الحيّة النحاسية على العمود ، لم يكن في أمكان بني اس*رائ*يل أن يدركوا معناها الكامل الذي أشاراليه يسوع المسيح في(يوحنا 3:13,14 ).

لقد أوضح الرب يسوع أنّه كما أنّ بني أسرائيل شفوا من أصابتهم بالنظر الى الحيّة فوق العمود( لم تكن الحيّة هي التي شفت الشعب الأسرائيلي بل بايمانهم أنّ الله قادر أن يشفيهم)، هكذا يمكن الآن أن يخلص جميع المؤمنين من مرض الخطيئة (لعنة الخطيئة)بالنظر الى موت يسوع المسيح على الصليب  .

نعم يسوع المسيح هو الذي سحق رأس الحية (الحية القديمة أي الشيطان) وهو الذي سمّر خطايا البشرية على عودة الصليب وحررنا من قيود الشيطان ، فبموته غلب الموت”أين شوكتك ياموت ، أين غلبتك ياهاوية” .

نعم نتطلّع الى الرب يسوع المسيح المرفوع على الصليب من أجل أن نتخلّص من لدغة الخطيئة القاتلة برفع نظرنا اليه مؤمنين أنّه سيخلّصنا”من يؤمن بالأبن ، فله الحياة الأبدية ومن لا يؤمن بالأبن فلا يرى الحياة بل يحّلُ عليه غضب الله “يوحنا 3:36 .

الصليب هو قوة الله للخلاص ورمز لأنتصار المسيح على الموت والخطيئة  والشيطان.

الصليب ببعده العمودي هو رمز المصالحة بين الله والبشرية بشخص المسيح (الطبيعة الالهية) الذي علق بين السماء والأرض والصليب ببعده الأفقي(يسوع المسيح فاتحا ذراعيه ليحضن البشرية) هو رمز المحبة الفائقة بين يسوع المسيح (الطبيعة البشرية) واخوته البشر .

عندما نرسم علامة الصليب فهذا أكثر ما يزعج الشيطان لأنّ الصليب علامة على الأنتصار على الشيطان ودم المسيح هو علامة على غفران الخطايا والتحرير من قبضة الشيطان ليصبح المؤمن في صف المسيح لمحاربة الشيطان رئيس هذا العالم.

فالصليب الذي نعلّقه على صدورنا هو علامة الخلاص والأنتصار على قوى الشر وعلى الموت .

الصليب هو علامة على انّ المؤمنين أصبحوا ابناء الله بالتبني.

الصليب علامة على الفداء والمحبة والحرية والقوّة الممنوحة من الروح القدس.

ونحن مسيحيي العراق علينا أن نسأل أنفسنا ( ونحن في ذكرى صلب يسوع المسيح ) هل الله سمح لمعاناتنا والامنا التي نواجها اليوم لكي نرجع ونركّز نظرنا الى يسوع المصلوب على خشبة الصليب لكي نخلص ؟ سؤال يجب قبل الأجابة عليه ، أن نراجع أنفسنا ونتأمّل في حياتنا الماضية فهل كُنّا نُركز على المصلوب من أجلنا أم كُنا نركز على أشياء أُخرى ؟ وشكراً.

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!