مقالات

بولاق الفرنساوي لحجاج أدول والحنين للماضي

انتهيت من قراءة رواية “بولاق الفرنساوي” للروائي السكندري حجاج أدول الصادرة عن منشورات إبييدي – لندن 2022. كنت حضرت مناقشة لها في مقر “المدينة للفنون البصرية” في الاسكندرية قبل حوالي عام قبل أن أقرأها. إنها الرواية الأولى التي أقرأها لـ عم حجاج كما اعتاد مثقفو وكتاب الاسكندرية على مناداته.

عم حجاج من مواليد النوبة الإسكندرية 1944 وبدأ الكتابة الأدبية بشكل متأخر وهو في عمر الأربعين، وهو صاحب كتاب الصحوة النوبية الذي كان التعبير الكتابي عن نشاطه في إحياء القضية النوبية المتمثلة بمطلب «العودة إلى النوبة» للنوبيين الذين هجروا من قراهم خلال بناء السد العالي. السد الذي عمل به خمس سنوات. شارك في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر بين العرب وإس*رائي*ل على الجبهة المصرية. وكل هذا ينعكس في كتاباته التي تجاوزت العشرين كتابا، و حصلت كتبه على العديد من الجوائز والمنح منها جائزة ساويرس جائزة الدولة التشجيعية فرع القصة القصيرة، كتب في الرواية والقصة والسينما من كتبه التي لاقت رواجاً «معتوق الخير»، «خوند حَمْرة».

تبدأ الرواية بوصف تقريري لبولاق الفرنساوي وتاريخه دون حدث، حتى بدا ذلك الفصل أقرب لتقرير سردي عن المكان. إنها رواية مكان أو أمكنة وشخوص يدور زمنها في فترة حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر التي شارك بها الراوي “والمؤلف”، ومكانها بشكل أساسي حي بولاق الفرنساوي في القاهرة، رغم أن الحكاية والشخوص يتنقلون بين الجبهة والاسكندرية وبولاق ماسبيرو وقرى مهجري النوبة والزمالك أيضا الذي يرد ذكره على سبيل المقارنة مع حي بولاق، حيث يسكن فيه الأثرياء بينما بولاق الفرنساوي يضم خليطا من الناس منهم المهجرين.

حكاية الرواية بسيطة، إنها حكاية بشر عاديين يعيشون حياة عادية، فهي تتناول حياة مجموعة من الأصدقاء الذين يرتبطون ببعض خلال خدمة الجندية، لكنهم يلتقون بشكل أساسي في بولاق الفرنساوي. ومن خلال تلك الرواية التي تحكي عنهم علاقتهم، وعلاقتهم بالمحيط وخلفياتهم المكانية والاجتماعية، يستفيض الراوي في تعريفنا بحي بولاق الفرنساوي والطبقة تحت الوسطى التي تعيش فيه، عاداتها وتقاليدها أنماط اللباس والطعام وأشكال العلاقات.

تجعل الرواية من الفتوة عليوة الزوربا، بطلها وتتبع حياته في الحي و معاركه. عليوة الذي استقر على هذا الاسم بعد رحلة طويلة مع الأسماء، والرواية تحفل بتتبع الأسماء المستعارة أو الكُنى لشخوصها وكيف أطلقت عليهم. فهو يتتبع على سبيل المثال “كبدة ابن الوسخة” وتاريخ المحل والألقاب التي أطلقت على صاحب محل أو عربة الكبدة قبل أن تستقر على هذا الاسم كبدة “ابن الوسخة”، ويصبح مجرد اسم.

الرواية تمر سريعا وخفيفا على أحداث كثيرة مرت بها مصر من الهزيمة إلى الاستنزاف إلى تهجير النوبيين بعد بناء السد العالي إلى عصر الانفتاح الذي ينتقده الراوي الذي شارك في حرب أكتوبر ولم ينل بعدها سوى العوز. تتنقل الرواية بين الأزمنة بخفة وتداخل بلغة سردية تجعلها أقرب للحكاية وتتبع مصائر الشخوص من شلة الأصدقاء الذين يكون محور اجتماعهم عليوة الزوربا. وهذا الاسم قادم من السينما المغرم بها عم حجاج وألف عنها كتباً فلابد أن يكون لها نصيب من أحداث الرواية كمكان وتأثير على الشخوص، حتى أن عليوة أطلق على أحد معاركه في الحي التي خاضها على ظهور الحمير مهاجماً خصمه، معركة الكايبوي المأخوذ من أفلام الكاوبوي التي كان مغرما بها.

إنها رواية قصيرة وشيقة لمن يحب الحكايات والتعرف على الأماكن من خلال سرد روائي لا يعوزه التكثيف والبساطة والسخرية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!