مقالات سياسية

دور الأصولية البروتستانتية في أنشاء دولة أسرائيل

الكاتب: وردااسحاق
دورالأصولية البروتستانتية في أنشاء دولة أسرائيل

أنتعشت دعوات المسيحية الأصولية البروتستانتية بإعادة اليهود الى أرض أجدادهم ( أرض الميعاد ) منذ القرنين السادس والسابع ، أي منذ ظهور البروتستانتية التي ظهرت كعقيدة دينية ولدت رداً على الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر وشاعت في قطاعات واسعة من المجتمعات الأوربية قبل أن تنتقل الى القارة الأمريكية وتتجذر فيها . وأضحت الطقوس اليهودية جزء من طقوس الكنيسة الأنجيلية منذ البداية . كما تم حذف سبع أسفار من العهد القديم والتي لا تعترف بها اليهودية ، بينما تتخذها الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية أسفار قانونية ولم تحذفها يوماً . كما شاع في الحياة الثقافية اليومية المقولات والطروحات التي ستعتبر فيما بعد من مبادىء الحركة الصهيونية . وكثرت الدعوات التي تعتبر أتباع الديانة اليهودية المنتشرين في العالم بعد تدمير الهيكل في سنة 70 م من قبل القائد الروماني تيطس شعباً قومياً مستقلاً . ينبغي تجميعه وتوطينه في الأراضي المقدسة ، لكي يشكل كياناً سياسياً قوياً ، ويقيم له دولة قومية يهودية . أخذ الزعيم المنشق من الكنيسة الكاثوليكية مارتن لوثر يؤكد منذ البداية على دور التوراة في الحياة المسيحية . وكان يؤمن بأن نبؤات التوراة في تخليص بني أسرائيل أو انقاذهم سيتحقق . وقد أخذ بالطروحات اليهودية جميعها . ودعا الى أعادة اليهود الى أرض الميعاد وإقامة دولتهم فيها . فمارتن لوثر ( 1483- 1546) زعيم حركة الأصلاح الديني ، ظل يؤكد على دور التوراة في الحياة الروحية المسيحية . فكان لوثر المسيحي الأصولي الرجل الأول ، بل الداعية الصهيوني الأول في طلب تكوين دولة يهودية في أرض الميعاد ، بعيداً عن الأرض الألمانية التي يسكنها لوثر . ورأى أن ذلك الشعب اليهودي قد يكون مختاراً ، وقد يكون أبن يهوة البكر . لكنه رغم ذلك عبئ ثقيل علينا ومصيبة ستطول لهذا يجب أبعاده من المانيا وأوربا الى أرض أجداده .
وهكذا تسربت الفكرة الى بريطانية عن طريق التيارات التبشرية البروتستانتية فوصلت الى البرلمان الأنكليزي . فعالم اللاهوت الأنكليزي توماس براتيمان ( 1562- 1607) يعتبر الأب الروحي لعقيدة بعث اليهود التي سادت في أنكلترا وكان له أتباع من معاصريه ومن بينهم أعضاء البرلمان الأنكليزي . فكتب عن الأنبعاث اليهودي قائلاً ( أن اليهود كشعب سيعودون ثانيةً الى فلسطين أرض آبائهم ) . أما المستشار القانوني لملك أنكلترا ( هنري فنش ) فنشر كتابه ( البعث العالمي العظيم ) عام 1621 م تنبأ فيه أقتراب عودة اليهود للسلطان الزمني في أرضه . ثم قيامهم بتأسيس أمبراطورية عظيمة على نطاق العالم كله . وعبّر فيه عن أيمانه بالمستقبل الزاهر المعد لهم في الخطة الألهية . لذلك ظل طوال حياته يحث الأمراء المسيحيين على جمع قواهم لأستعادة أمبراطورية الأمة اليهودية . . جاء في كتابه ( سوف يعودون الى وطنهم ، ويعمرون الأرض كلها ويعيشون بأمان ويبقون هناك الى الأبد . وسوف تكون البلاد أخصب مما كانت عليه ، وأكثف سكاناً من قبل …الخ ) هكذا أنغرست أفكار فينش عميقاً في النفسية الأنكليزية ، وظلت راقدة حتى أنبعثت من جديد لاحقاً .
وهكذا استمر الأنجلوساكسون البروتستانت ينادون بفكرة العودة ويفسرون آيات نهاية العالم للرسول يوحنا على أنها تحقيق للنبؤات ، أي أن يوم الدينونة لا يمكن أن يحصل إلا إذا كان كل الشعب اليهودي مجتمعاً في الأرض المقدسة .
وفي ألمانيا أيضاً أزدهر نوع من الحركات الأصولية التي تدعو الى عودة اليهود الى أرض الآباء ، فمثلاً ( بول فيلجنهاوفر ) نشر عام 1655م كتابه ( أخبار سعيدة لأسرائيل ) أكد فيه أن عودة المسيح المنتظر ووصول المسيح اليهودي حدث واحد . وكانت علامة ظهور المسيح اليهودي والمسيح المسيحي هي عودة اليهود الدائمة الى وطنهم الذي منحه الله لهم بوعده مه أبراهيم أب الآباء .
وفي السويد نشر  أنديرس كيمب  ( 1622 – 1689) كتابه ( أخبار أسرائيل السارة ) سنة 1688 قال فيه ( أن أسرايل هي صاحبة الحق في أمتلاك أرض كنعان الى الأبد ) وحث اليهود على أن يفرضوا على الآخرين الأعتراف بأنهم شعب الله المختار . وأن يتهيأوا للعودة .
وفي فرنسا دعا العالم الفرنسي  فيليب دي لانجالير 1656-1717 الى توطين اليهود في فلسطين ، عارضاً روما على الخلفية العثمانية بدلاً من القدس وتنبأ قسيس آخر هو ( بيير جوريو ) بإعادة تأسيس مملكة يهودية في فلسطين قبل أنتهاء القرن التاسع عشر .
وفي دانيمارك حث ( هولجر بارلي ) ملوك أوربا على قيام بحملة صليبية جديدة لتحرير فلسطين من الكفار . وتوطين اليهود وارثيها الأصليين الشرعيين .
وفي عان1696 قدم خطة مفصلة الى ملك أنكلترا ( وليم الثالث ) طالباً منه العمل على أحتلال فلسطين وتسليمها الى اليهود .
 هكذا أكد الفقه البروتستانتي على مسألة الربط بين الشعب اليهودي وبين الأرض . ورسخ في الأذهان أن هناك علاقة قومية بين أرض فلسطين وبين الشعب اليهودي المنتشر في أصقاع العالم . فظلت مسألة بعث الشعب اليهودي في صلب تعاليمهم منذ نشوء البروتستانتية في القرن السادس عشر وظل التعاطف مع اليهود يترسخ يوماً بعد يوم . فكانت المسيحية الأصولية ترى أن شعب أسرائيل وأرض أسرائيل والتوراة يشكلون ثالوثاً أبدياً لا ينفصل . وتحقيق وحدة هذا الثالوث هو مقدمة لمجىء المسيح وحلول الخلاص النهائي . وهذا يعني أن اليهود كانوا محور الخلاص التي تطلع اليه البروتستانت ، وتتمثل علامات الخلاص بعودة اليهود الى أسرائيل وبسط سيادتهم عليها ، وإعادة بناء هيكل سليمان .
أما العالم اليهودي الشهير أسحق نيوتن ( 1642-1727) فأشار في كتابه ( ملاحظات حول نبؤات دانيال ورؤيا يوحنا اللاهوتي ) قال فيه ( أن اليهود سيعودون الى وطنهم ) وتوقع نيوتن تدخل قوة أرضية من أجل اعادة اليهود المشتتين . لنسأل ونقول وهل اليهودي نيوتن يؤمن بالعهد الجديد لكي يستخدم سفر رؤيا يوحنا أم الغاية تبرر الوسيلة ؟
على الرغم من تعدد الطوائف والفرق والأتجاهات المذهبية الكثيرة في البروتستانتية لعل أشدها تطرفاً هو المذهب البيوريتانية ( التطهرية ) الذي ساد في انكلترا في القرن السابع عشر فكان شديد المحافظة على التقاليد العبرانية ، وكان هذا المذهب بمثابة أنبعاث جديد لروح اليهودية القديمة . وقد تميزوا عن بقية الفرق بأعتمادهم على العهد القديم فكانوا يلتزمون بتشريعاته وأخلاقياته وطقوسه التي كانت تخدم أفكارهم الشاذة .ومن الشواهد الدالة على التزامهم الشديد به أن مجموعة جمهورية متطرفة من البيوريتانيين طالبت الحكومة البريطانية بأن تعلن التوراة دستوراً للقانون الأنكليزي بدلاً من الكتاب المقدس كله وخاصة العهد الجديد  الذي لا يعترفون به اليهود . فعلاً تم ذلك . فبعد أن حل كرومويل البرلمان الطويل عام 1653 أستبدله بالبرلمان القصير المؤلف من أعضاء من البيوريانيين فقط . وكان مجلس الدولة يتألف من سبعين عضواً أسة بعدد أعضاء السنهدريم أي ( المجلس اليهودي الأعلى ) وكما كان في عهد موسى ، والأحتفال الأسبوعي الذي كانت الكنيسة تقيمه منذ زمن بعيد أحتفاء بذكرى قيامة المسيح من بين الأموات في يوم الأحد وحلول الروح القدس على الرسل في يوم العنصرة الذي كان الأحد أضافة الى ظهوراته الى الرسل في العلية في يوم الأحد تم تحويله الى يوم السبت اليهودي . وهكذا كانت البروتستانتية قريبة من اليهودية أكثر من المسيحية وتعمل لها ، بل كانت معادية للمسيحية وخاصة لكرسي الرسولي . هذه هي البيوريتانية المتصهينة تعمل منذ البداية وبحقد وتحارب بكل قوتها الكنيسة وهذا واضح جدا في بنيتها المذهبية . فكانوا لا يعمدون أطفالهم حسب الطقوس المسيحية المستمرة منذ بداية المسيحية ، ولا يطلقون عليهم أسماء للقديسين المسيحيين بل لأسماء العبرانيين القدامى ، وهكذا يفعلون اليوم كل فصائل الكنائس الأنجيلية فأسم مريم مثلاً لا يمكن أن نجده بين أسماء بناتهم لأنها مكروهة عند اليهود . هكذا غالى البروتستانت في أجلال العهد القديم مما دفع الى التماثل الواضح في المشاعر والطموحات بينهم وبين اليهود فتخيلوا أنفسهم مكان بني أسرائيل .
في عام 1790 قدم الأسقف البروتستانتي ( ريتشارد بيير ) أسقف بروك استرحاماً الى رئيس الوزراء الأنكليزي ( وليم بت ) طالباً المساعدة على تحقيق عودة اليهود نهائياً الى الأرض المقدسة . وفي عام 1800 نشر جيمس بشينو كتابه ( عودة اليهود أزمة جميع الأمم ) أعتبر فيه عودة اليهود بأنها قصة دولية وهكذا كانت الحوافز الأولى التي دفعت أنكلترا البيوريتانية للأهتمام بأحياء أسرائيل نتيجة قيام العقيدة الأنجيلية على أساس القبول بكل ما جاء في الكتاب المقدس والأقتناع بأن أنشاء دولة أسرائيل هو أعظم حدث في التاريخ الحديث . وهو دليل على أن نبؤات الكتاب في طريقها الى التحقيق .
اللورد شانتسبري ( أنطوني أشلي كوبر ) 1801- 1885 يعتبر من أشد المتحمسين لحب صهيون ، ومن أبرز المبشرين الأنجيليين الذين عمل على تشجيع الأستيطان اليهودي وهو من أهم ممثلي المسيحية المتصهينة في بريطانيا في القرن التاسع عشر ، رأى أن اليهود يلعبون دوراً رئيسياً في المخطط الرباني لمجىء المسيح الثاني . فالمسيح حسب أيمانه لن يعود إلا إذا عاد اليهود جميعاً الى أرض الميعاد .
أما اللورد الأنكليزي ( بالمرستون ) 1784-1865 فعين وزيراً للخارجية البريطانية وبعدها أنتخب رئيساً لوزرائها سنة 1855 وظل في منصبه الى وفاته عام 1865 . كان متحمساً لفكرة توطين اليهود في فلسطين ، فكان أهم نصير سياسي لمشروع اللورد شافتسبري الخاص بإعادة اليهود . وكان متجاوباً بشكل خاص مع أقتراح شافتسبري القاضي بأستخدام اليهود كأسفين تدقه بريطانيا داخل الأمبراطورية العثمانية المعادية . ويبدو أنه كان ينوي أستغلال الوجود اليهودي لتعزيز النفوذ البريطاني في الشرق الأوسط . لذلك أصدر عام 1838 قراراً بفتح قنصلية بريطانية في القدس . وفي 11 أب 1840 بعث برسالة الى سفيره في العاصمة التركية ملوحاً فيها بالشعور الجياش الى عودة يهود اوربا الشرقية الى وطنهم القديم .
 الكولونيل ( جورج غاولر ) 1796-1869 فكان أول حاكم لمستعمرة استراليا وظل ينادي بإعادة اليهود الى فلسطين تمهيداً لأقامة كومنويلث يهودي يتمتع بالحكم الذاتي تحت وصاية بريطانية .
هكذا كان الذهن الأنكليزي مُهيئاً لتقبل الأفكار الصهيونية قبل هرتزل ووايزمن وأن بذور الصهيونية نبتت وأنتعشت ونمت في أنكلترا على أيدي المسيحيين البروتستانت المتهودين قبل ظهور هرتزل بفترة طويلة . ومن هنا فأن زعماء الصهيونية يعتزون بأن وعد بلفور هو ( وثيقة بروتستاتنتية ) فهو يدعو ل ( عودة ) اليهود الى اس*رائ*يل أنتظاراً لعودة المسيح بحسب أعتقاد البروتستانتية . أو ل ( ظهوره ) الأول حسب أعتقاد اليهود . وهكذا تشكلت الفكرة في ذهنهم فوعد بلفور عام 1917 حقق آمال الشعب اليهودي وأحلامه .
في الحادي والثلاثين من آب 1918 بعث الرئيس الأمريكي ويلسون برسالة الى زعيم الصهيونية الأمريكية الحاخام ستيفن وايز مصادقاً بشكل رسمي على وعد بلفور ، رغم أن وزير خارجيته روبرت لانسنغ عارض مسألة الموافقة الأمريكية السريعة على وعد بلفور منطلقاً في موقفه من أعتبارات سياسية . وقد عرض رأيه في مذكرة الى الرئيس ويلسون . لكن ويلسون لم يأبه بنصيحة وزير خارجيته ، بل واصل تأكيده لزعماء الصهيونية أن بأستطاعتهم الأعتماد على تأييده الشخصي فكتب الى الزعيم الصهيوني فيلكس فرانكفيلرتر قائلاً ( لم أفكر يوماً بأن من الضروري ان أقدم لكم تأكيدات جديدة على التزامي بوعد بلفور . ولم أجد حتى الآن من يعارض الهدف الذي يجسده . لا أرى ما يدعو للشعور بالأحباط . بل أرى كل مبرر للأمل بالحصول على ضمانات مُرضِية .) وقد أوصت ورقة العمل التي قدمها الرئيس ويلسون الى مؤتمر باريس للسلام بدعوة اليهود للعودة الى فلسطين والأستيطان فيها . مع التأكيد على مساعدتهم . والتأكيد على أن سياسة عصبة الأمم ستكون الأعتراف بأسرائيل كدولة يهودية عندما تصبح يهودية فعلاً . كما عبَّرَ الرئيس الأمريكي واردن هاردنح ( 1921- 1923 ) عن تعاطفه مع الحركة الصهيونية .
أما الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ( 1976-1980 المولود من جديد حسب طقوس الكنيسة الأنجيلية فتركت تربية البروتستانت أثراً بالغاً في ثقافته وقناعته فعبر عن خلفيته الأصولية البروتستانتية في كلمته أمام الكنيست الأسرائيلي في آذار 1979 بقوله ( إننا نتقاسم معاً تراث التورات ) كان يرى أن دولة أسرائيل هي أولاً وقبل كل شىء ( عودة الى الأرض التوراتية التي أخرج منها اليهود ومنذ مئات السنين ، وأن أنشاء دولة أسرائيل هو المجاز النبؤة التوراتية وجوهره ) فكان مفهوم كارتر للسلام يدور حول ( الوجود الدائم والآمن لدولة اس*رائ*يل اليهودية) وكان أستقباله المؤتمر الذي جرى في البيت الأبيض لبيغن رئيس وزراء أسرائيل حيث وعد كارتر له ولوجهاء اليهود في الولايات المتحدة ( بأن تواصل أميركا دعمها لأسرائيل الى الأبد ) وأضاف كارتر ( منذ خراب بيت المقدس واليهود يصّلون كي تكون السنة القادمة في أورشليم ، وقد عانى اليهود خلال الفي عام التمييز والمذابح المنظمة ، حتى قامت دولة أسرائيل وعاد اليهود الى أرض التورات ) .
إذاً الأصولية المسيحية البروتستانتية هي التي هيأت للأيديولوجية اليهودية الصهيونية المناخ الفكري والحضاري ولعبوا البروتستانت عبر الزمن دوراً سياسياً عن قصد أو من غيره في مساعدة الصهيونية لتمكينها من تنفيذ مشروعها الأستيطاني في الشرق الأوسط . والدور الذي ما فتىء التيار الأصولي المسيحي في تطوير المشروع . فكانت البروتستانتية عنصراً أساسياً في أنجاح هذا المشروع لما كانت تمثله من قوة سياسية وثقافية على الساحة الأوربية والأمريكية في صنع القرار في السياسة الخارجية كما كان لها دور فاعل في ترسيخ الكيان اليهودي في عقول الغربيين والدعم الحثيث ، العاطفي ، المتقد ح*ما*سة ، والمنظم تنظيماً رفيعاً . هكذا عملت الأصولية في الماضي على تأييد قيام دولة يهودية في أرض فلسطين . وما فتئت تعمل بجهد لا يستكين على دعم أسرائيل التي أقامتها الأمبريالية العالمية بوثيقة أعتراف من منظمة الأمم المتحدة لأجل خدمة المصالح البريطانية والأمريكية في المنطقة .
بقلم
وردا أسحاق عيسى
وندزر – كندا
 
 
 
..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!