قيامة العذراء وصعودها وتتويجها

قيامة العذراء وصعودها وتتويجها

بقلم / وردا إسحاق قلّو

   بعد موت العذراء مريم ارتفعت نفسها إلى السماء وبقي جسدها الطاهر في القبر .

فهل ظل الهيكل المقدس الذي حمل ابن الله تسعة أشهر وخدمه ورباه في القبر لكي ينال منه الفساد كباقي البشر ؟

   طالعنا قصص كثيرة عن صعود جسد العذراء إلى السماء بعد ثلاثة أيام فظل القبر فارغاً لحد اليوم . وهنا نريد أن نطالع الإيحاءات التي قالتها العذراء في مطلع القرن السابع عشر عن قيامتها ولإنتقالها وتتويجها للرائية الأسبانية الطوباوية ماري يسوع داغريدا التي دونتها في كتاب عنوانه ( الحياة الإلهية للعذراء مريم الفائقة القداسة ) نال الكتاب بركة البابوات ومدح من قبل اللاهوتيين فوصفوه بأنه واحد من أهم إنجازات العبقرية البشرية . وتلك الإيحاءات الصوفية لا تفرضها الكنيسة على عقيدة المؤمنين ، بيد أنها تفسح للقلب مجالاً رحباً للتأمل في عجائب تلك الأم التي اصطفاها الله من بين كل نساء العالمين . الله أعلن للطوباويين مرسومه الأبدي الخاص بقيامة جسد العذراء . فبعد ثلاثة ايام من الرقاد ، حان الوقت فنزل يسوع من السموات مصطحباً عن يمينه نفس أمه المح*بو-بة جداً وسط أجواق الملائكة ورؤساء الكهنة والأنبياء . ولدى وصوله القبر قال لموكبه ( لقد حُبِلَ بأمي بدون خطيئة حتى آخذ من جسدها الطاهر إنسانيتي ، لحمي هو لحمها . لقد شاركتني عدا ذلك بأعمال الفداء . لذا عليّ أن أقيمها من الموت كما قمت أنا ويجب أن يكون ذلك في نفس الوقت لأني أريد أن تشابهني في كل شىء ) فمجدّ هذا القرار جميع القديسين وخاصةً آدم وحواء والقديس يوسف ووالدي العذراء . قال يسوع لوالدته الراقدة  ( أنهضي يا قرينتي ، تعالي يا جميلتي وهلمي يا حمامتي ، فها الشتاء قد عبَر والمطر ذهب وصار في ذاته ) ” نش 10:2 “

وللحال دخلت نفس ملكتنا الجليلة الممجدة في جسدها العذري وأعادت له الحياة بدون أن يتحرك حجر القبر أو تتغيّر ثنايا ثوبها وكفنها . كما أنه يستحيل التعبير عن الجمال والإشراق اللذين زُينت بهما ونكتفي بالقول إنّ يسوع قد أراد أن يعيد إليها ما أخذه منها بتجسده . وكان ذلك يوم أحدٍ في الخامس عشر من آب مباشرة بعد منتصف الليل ، وفي هذا اليوم تحتفل الكنيسة المقدسة بيوم إنتقالها إلى السماء بالنفس والجسد .

    عندئذ انطلق من القبر نحو السماء تطواف بإحتفال لا مثيل له على أنغام موسيقى التهليل . دخل القديسون والملائكة إلى السموات كلّ حسب رتبته وبعدهم وصل سيدّنا يسوع المسيح مصطحباً عن يمينه أمه الكلية القداسة . ألتفت نحوها جميع الطوباويين لينظروا إليها ويباركوها بتهليل جديد وتسابيح جديدة وكلمات الفصل الثالث من سفر نشيد الأناشيد . وعندما وصلت إلى أسفل العرش استقبلها الثالوث الأقدس أحسن استقبالٍ ، فقيل لها ( يا أبنتي المح*بو-بة ، قال لها الآب ، أصعدي إلى العلى فوق جميع المخلوقات . يا أمي ، أضاف الأبن ، تقبلي من يدي المكافآت التي أستحقتِها . يا عروسي ، قال بدوره الروح القدس ، أدخلني إلى الفرح الأبدي الذي يتناسب وأمانتك ) .

 وفي هذه اللحظة ، غُمرت مريم الجليلة بأوقيانوس الألوهة غير المتناهي . وعندما جلست على العرش الإلهي أعلن السيّد ، لحاشيته السماوية المملوءة إعجاباً ، الإمتيازات التي أعطيت لها بمشاركتها هذه لعظمته . قال لهم الآب : ( إنّ ابنتنا مريم التي عملت مسراتنا الأولى لن تتخلى أبداً عن لقبها ولها الحق بمملكتنا التي يجب أن تكون معروفة منها ، ومتوّجة بكل حق : المعلمة والملكة الوحيدة . وقال الأبن : جميع المخلوقات التي صنعتها وأفتديتها هي خاصة أمي الحقيقية ، يجب أن تكوني الملكة الشرعية على جميع ما أملك عليه . وأستنتج أخيراً الروح القدس : بلقبها عروسي ، الأسم الذي حافظت عليه بأمانه يحق لها أيضاً على مدى الأبدية تاج الملك ، والذي استحقته أيضاً إلى الأبد ) .

   وضع عندئذ الثالوث الأقدس على رأس مريم الجليلة تاجاً من المجد جميلاً جداً وذا إشراق جديد إلى درجة أنّها لن تحصل أبداً على مثله بعد اليوم . وخرج من العرش في اللحظة ذاتها صوت يقول ( انت معلمة وملكة جميع المخلوقات . رُفِعَت بالنعمة فوقها جميعاً قتنازلت بحبكِ دون الجميع . فأشغلي الآن إذاً المنصب الرفيع الذي يحقُ لك . ومن علو عرشك أملكي على الخليقة وعلى جهنم وعلى الأرض والسماء . فليخضع لكِ الشياطين والبشر والملائكة . نُهُبكِ سلطتنا الإلهية . ستصبحين العضد والتعزية والمحامية والأم لجميع الصالحين كما أنت للكنيسة المجاهدة . كل ما هو لنا هو في يدكِ ، كما كنتِ دوماً خاصتنا ) .

   وإنجازاً لهذه المعجزات الممنوحة لملكة الكون ، أمر الله حاشيته السماوية أن يطيعوها ويعترفوا بها سيدة . فقدمَ لها الجميع التماجد والذين كانوا هناك بأجسادهم سجدوا أمامها وكرموها بأفعال خارجية وكان هذا مكافأة للتواضع الذي به شرفت القديسين طيلة حياتها الزائلة . فنشر تتويج ملكة السموات عليهم مجداً طارئاً جديداً . والذين نالوا منه أكثر من الباقين كان القديس يوسف والقديسين يواقم وحنة وباقي الأقرباء وملائكتها الحُراس . وفيما كانوا شاخصين إلى جسدها الممجد لاحظ القديسون في صدرها شكل كرة صغيرة ذات جمال وإشراق فريدين سببا لهم إعجاباً وفرحاً لا مثيل لهما . وكان هذا كشهادة ومكافأة عن الذي حفظته بقلبها الكلمة المتجسد تحت الأعراض السرية . بعد أن تناولته بكل إستحقاق في القربان المقدس دون أي نقص . وبالنسبة للمكافأت الأخرى التي تتناسب وإستحقاقاتها فمن غير الممكن وصفها . سيشاهدها كل مختار في السماء قدر استحقاقه . والآن علينا أن نترك سيدتنا في السماء يمين ابنها القدوس حيث ستملك إلى أجيال وأجيال حتى تعود إلى الرسل والتلاميذ الذين كانوا يحرسون قبرها .

   لاحظ القديسان بطرس ويوحنا في اليوم الثالث أن الموسيقى السماوية قد توقفت وأستنتجا بنور الروح القدس أن العذراء الكلية القداسة قد قامت واصبحت في السماء بجسدها كما بنفسها . فقرر القديس بطرس كرئيس للكنيسة أنه ينبغي التأكد من هذه المعجزة حتى تُعلن الحقيقة لجميع الذين كانوا شهود موت ودفن مريم الجليلة . ومن أجل هذه الغاية جمع الرسل والتلاميذ والمؤمنين حول القبر وشرح لهم الأسباب التي دفعته لذلك وهي أن يعطي شهادة للكنيسة عن حقيقة هذه المعجزة التي يتحظى بتكريم جميع الأجيال ، وستعود على السيّد وأمه الكلية القداسة بالمجد العظيم . فحبّذ الجميع رأيه ، وبأمره رفع حجر القبر . فلم يجدوا جسد ملكة السماء هناك . ولم يجدوا سوى فسطانها ممدداً كما كان يغطيها مع كفنها . فأخذ القديس بطرس هذه الأشياء وكرمها بإحترام وكذلك فعل الآخرون من بعده . وفيما كانوا جميعهم مقتنعين بقيامة وإنتقال سيدتهم وملكتهم راحوا يترنمون بمزامير وتسابيح التمجيد للسيد وللمجيدة مريم .

   ولما كانوا غير قادرين على الأبتعاد عن القبر نزل ملاك من السماء فظهر لهم وقال : ( لماذا أنتم واقفون هنا ؟ إن ملكتكم وملكتنا هي الآن بالنفس والجسد في السماء حيث ستملك إلى الأبد مع سيدنا يسوع المسيح . وقد أرسلتني حتى أؤكد لكم هذه الحقيقة وأوصيكم أيضاً بالكنيسة وبالبشارة بالأنجيل وتبشير الشعوب وأحرّضكم على العودة لرسالتكم سريعاً . وإن تكن قد اصبحت بالمجد لن تكفّ أبداً عن موازرتكم ) . تشجع الرسل بهذا الكلام وراحوا بأسفارهم يختبرون حماية ملكتهم المُحِبة ، وبالأخص ساعة الأستشهاد لأنها كانت تظهر وقتئذ لكل منهم وتقدم نفسه للسيد .

   ويحكى ، قالت في الختام المكرمة ( ماري يسوع داغريدا ) أشياء أخرى كثيرة عن موت وقيامة العذراء الطوباوية ، ولكن لم تفوضها لكتابتها . وفوق كل ذلك وفي سياق هذه السيرة اللإلهية بكاملها ، لم يكن لي الخيار بمواضيعي ولم أستطع أن أقول غير الشىء الذي تلقنته وأمرت أن اكتبه .

                         التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

Exit mobile version