مقالات

قوانين العفو العام

قوانين العفو العام والعدالة ،كيف تؤثر قرارات العفو المتكررة في العراق على الثقة في النظام والردع والأمن المجتمعي

ان تكرار قرارات العفو العام في العراق على مدار العقود الماضية كان له تأثيرات متباينة ، ومع حقيقة ان العراق قد اصدر 10 من قوانين العفو العام خلال 38 سنة إلى جانب عشرات من قوانين العفو الخاص العامة والمئات من قرارات العفو الخاص الفردية ، والتي وعلى الرغم من أنها قد ساهمت من جهة في تخفيف الاكتظاظ في السجون وإطلاق سراح العديد من الأبرياء خصوصاً في ظل نظام صدام والتقليل من الضغط على النظام القضائي، لكنها من جهة أخرى أثارت تساؤلات حول تأثيرها على الثقة في النظام السياسي ومنظومة العدالة في العراق وتحقيق الردع العام.

وأنا هنا احاول ان اسلط الضوء على بعضاً من هذه الآثار السلبية لقوانين العفو المتكررة وعلى وجه الخصوص ما يتعلق منها بمحاور رئيسية ثلاث اجدها بالغة الأهمية دون الإخلال بمحاور أخرى وهي ؛-
1. إضعاف قوانين العفو للثقة في القضاء ومنظومة العدالة من خلال :-
أ. إشاعة الـ إحساس بعدم الجدية في العقوبات بسبب تكرار قرارات العفو، خاصة عن المحكومين بجرائم خطيرة، والذي يُعطي انطباعاً بأن العقوبات في العراق ليست جادة أو نهائية، مما يضعف الثقة في النظام القضائي باعتباره أداة لضمان العدالة.
ب. غياب العدالة في نظر الضحايا فهو الآخر يتحقق عند إطلاق سراح أشخاص ارتكبوا جرائم بحق الآخرين، وخاصة جرائم خطيرة كجرائم الار*ها*ب او الجرائم الجنائية كالق*ت*ل والسرقة، دون إتمام العقوبة أو تحقق تنازل الضحية، فإن ذلك يولد إحساسًا بعدم تحقيق العدالة، وهو ما يضعف الثقة لدى الضحايا وذويهم في قدرة النظام القضائي على إنصافهم.
ج. التأثير السلبي على الشفافية والنزاهة في عمل السلطات فهنا تُثار تساؤلات حول معايير إصدار قرارات العفو، خصوصاً إذا ما كانت تعتبر قرارات سياسية أو لتحقيق أهداف معينة قد يكون من بينها ما يشكك بقرارات القضاء مما يؤثر على حيادية ومهنية القضاء واستقلاليته ويُضعف الثقة به.

2. تأثيرات سلبية على الردع العام والتي اجدها من خلال :

أ. التشجيع على ارتكاب الجرائم ذلك ان البعض يجد أن قرارات العفو المتكررة تمنحهم فرصة الإفلات من العقاب، خاصةً أولئك الذين يرتكبون جرائم بشكل متكرر، مما يقلل من تأثير الردع العام ويشجع الأفراد على ارتكاب الجرائم لأنهم يتوقعون عفواً قريباً دائماً .
ب. اضعاف التأثير للعقوبة والتي تعد عنصراً أساسياً لتحقيق الردع، وعندما تصبح العقوبات غير مؤثرة بسبب قرارات العفو المتكررة ، يفقد النظام العقابي جزءاً من قوته الرادعة، ما يجعل المواطنين والمجرمين المحتملين يرون في الج#ريم*ة خياراً ممكناً دون عواقب وخيمة.
ح. الإفراج عن مرتكبي الجرائم الخطيرة ، فإطلاق سراح المحكومين بجرائم خطيرة (مثل الق*ت*ل العمد أو الاختطاف، الاتجار بالمخ*د*رات، بالبشر ، بالأعضاء ، بالآثار او جرائم الفساد المالي ) دون التأكد من تأهيلهم ودمجهم في المجتمع يزيد من احتمالية عودتهم للج#ريم*ة، مما يقلل من الردع الخاص لهؤلاء الأشخاص ويهدد السلامة العامة.

3. الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السلبية واجدها متحققة من خلال :-

أ. التكلفة الأمنية الإضافية من عودة بعض المفرج عنهم إلى الج#ريم*ة تتطلب إعادة تعبئة الأجهزة الأمنية والموارد القضائية للتعامل معهم من جديد، مما يسبب تكاليف مالية إضافية على الدولة، يمكن أن توجه لتحسين البنية التحتية أو تطوير برامج التأهيل والرعاية اللاحقة.
ب. التأثير على الاستقرار الاجتماعي فإطلاق سراح أشخاص ارتكبوا جرائم بحق آخرين قد يؤدي إلى توتر بين الضحايا او عوائلهم أو الفئات المتضررة في المجتمع، مما يعزز من احتمالية النزاعات أو الثأر ويضر بالتماسك الاجتماعي.

ج. التأثير السلبي على عائلات الضحايا نفسياً واجتماعياً فقد يتسبب قرار ات العفو المتكررة بمعاناة لذوي الضحايا وسيتسبب بضغوط نفسية واجتماعية إضافية عند رؤية الجناة طلقاء دون اكتمال العدالة. هذا الأمر يؤثر على امنهم ورفاههم ويزيد من الضغوط النفسية عليهم.
د. إضعاف ثقة المواطنين في السلطات التنفيذية والتشريعية وبرامجها المعلنة في مكافحة الج#ريم*ة والفساد ، فتكرار قرارات العفو قد يُفسر بأنه تدخل سياسي في عمل القضاء، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في الحكومة والبرلمان وفي نزاهة النظام القضائي، إذ يعتبره البعض محاولة لتحقيق مكاسب سياسية أو لاسترضاء فئات في مقدمتها مافيا الج#ريم*ة والفساد .
هـ .التأجيج الطائفي أو العرقي إذا كانت قرارات العفو تشمل فئات معينة دون أخرى، فقد ينظر البعض إلى هذه القرارات بأنها تتبع سياسات تمييزية، مما يزيد من احتمالية تأجيج التوترات الطائفية أو العرقية في المجتمع سيما وان العراق قد مر بتوترات ونزاعات طائفية تركت آثارها المؤلمة .

ختاماً اجد أن قرارات العفو المتكررة في العراق، رغم دورها في تخفيف الأعباء على السجون وإظهار التسامح، تسببت في آثار سلبية عميقة على الثقة في النظام السياسي والقضائي ومنظومة العدالة، إضافة إلى إضعاف الردع العام. فهذه القرارات، خاصة عندما تتعلق بجرائم خطيرة، لا تؤدي فقط إلى إثارة تساؤلات حول نزاهة النظام الحاكم بسلطاته الثلاث ، بل تضعف الشعور بالعدالة لدى الضحايا وذويهم، وتساهم في زعزعة الاستقرار الاجتماعي، مع تكاليف أمنية واقتصادية باهظة.

لذا، ينبغي على الدولة أن تتخذ إجراءات أكثر توازناً وصرامة، بما يشمل معايير محددة للعفو تضمن عدم الإخلال بأمن المجتمع، وأن تدعم ذلك ببرامج تأهيلية فعّالة للمفرج عنهم، لتسهم في دمجهم بسلام في المجتمع. فتحقيق العدالة وضمان الأمان المجتمعي يجب أن يكونا أساساً في أي سياسة عفو مستقبلية، مع تعزيز ثقة المواطنين في القضاء كحامي للعدالة ونظام عقابي يضمن الردع الفعال ويحفظ الاستقرار الاجتماعي.

خبير سيادة القانون

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!