مقالات دينية

شريعة الله البليغةِ للكون

شريعة الله البليغةِ للكون

بقلم / وردا إسحاق قلّو

( بكلمةِ الرَّبِ صًنِعَت السمواتِ ، وبنسمةِ فيهِ كُلُّ جنودِها ) ” مز 6:33 “

 في الكتاب المقدس بعهديه آيات تتحدث عن خلق الله للكون كله ، ما يرى وما لا يرى ، خلقها بكلمة منه والكلمة هو يسوع الرب . ومن تلك الآيات نذكر المزمور ( السموات تتحدث بمجد الله ، والجلد يخبر بما صنعت يداه ) ” 1:19 ” . وهل للسموات الجامدة حديث لنا ؟ أم هل حديث العناصر الموجودة في الأجرام السماوية والتي تحيطنا من كل الجوانب هو حديث صامت يُعَبّر لنا حركة مليارات الكواكب والنجوم الموجودة في آلاف المجرات التي تسبح في الفضاء الواسع والتي تتحدث بصمت عن شريعة الله في خلقها فعلينا أن نفهم سّرِها والغاية من وجودها في الكون ! كما علينا أن نفهم سّر العلاقة بين عناصر الطبيعة  وشريعة الله ، فالآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع تتحفنا بالأجوبة الدقيقة . فقبة السماء المحيطة بنا هي الكلمة الأولى في المزمور المذكور ، ولفظة السموات تلفت إنتباه الإنسان المتأمل عندما يغدق نظره في السماء يبدأ بطرح أسئلته لها ، فالسموات تتحدث بلغة خاصة بليغة تعلِن لنا مجد الخالق كما قال صاحب المزمور . نستنتج من هذا بأن العلاقة الصحيحة بين العناصر الموجودة في الكون كلّه يقودنا إلى قراءة غنية بالمعاني تظهر لنا شيئاً من عظمة الخالق الذي لا تدركه عقولنا ، فعندما نرى حركة الكواكب الصامتة ، مسارها الدقيق عبر السموات ولميارات السنين ، كذلك بالنسبة إلى النيّرات في السموات وكم عددها في كل المجرات ، كذلك تعاقب حركة شمسنا في مجرتنا والقمر والنجوم التي تتناوب حركاتها بإنتظام دقيق ، إنها قصة حقيقية وكلام مهمً لنا ، فعلينا أن نقول ومن هو المشرف على هذا النِظام البليغ ؟ . تعبّر لنا  الآية عن هذا النِظام وتقول  ( النَهار للنهار يعلِن أمره ، والليل لليل يذيع خبره ) ” مز 3:19 ” .

نستنتج من قصة الخليقة سّر الله الخالق ، علماً بأن الكتاب المقدس يفاجئنا برأيه فيقول ( لا صوت لها ) أي ليس هناك من أمر يُسمَع عندما تسرد قصة الخِلق ( لا حديث ولا كلام ولا صوت يسمعه الأنام ) ” حز 4:9 ” هي لغة صامتة تحدثنا عن الخالق الذي خلق الخلقة بحكمته وفطنته الإلهية ، ألا يقول المزمور ( صانع السموات بفطنة ) ” 5: 136 ” وهذه اللغة الصامتة شمولية فيجب أن نفهمها . فعن الشمس يقول الكتاب ( هناك للشمس نصب خيمة وهي كالعريس الخارج من خدره وكالجبار تبتهج في عدوِها ) ” مز 19: 5-6 ” فنشاط الشمس لما يحتويه من نارٍ ونورٍ وحرارة قوية له علاقة بشريعة الله ، وحتى وإن كانت خاصة بالسموات وعناصرها . فسر الشمس يرمز إلى وجود شريعة لها يجعلها تخرج من مسارها هذه ، هي اللغة العميقة لها ولباقي الكواكب ، إنها لغة صامتة تدعونا إلى قرائتها وفهمها ، إنها شريعة من أجل الإنسان ، فكما للإنسان شريعة وناموس ، فللطبيعة وعناصرها شريعة في منتهى الدِقة والكمال . ومن تابع طريقها فيصل إلى ما صنعت يد الخالق . فهذه الطبيعة تخاطب كل إنسان عن عمل الله خالقها .

تنطوي نظرة القديس إغناطيوس إلى العالم والإنسان على العلاقة التي تجمع بين أقطاب ثلاثة ، وهي ( الله والإنسان والخليقة ) تربط بعضها ببعض إرتباطاً وثيقاً . وكل ما يبعث عن الله يمر ليندمج في صميم العالم المخلوق ، وفي المقابل ، ما من إلتزام كامل في العالم المخلوق إلا إن كان ثمرة إكتشاف الله من خلال خليقته ، فالمخلوقات يجب أن تساعد الإنسان لبلوغ الله .

وسّر كمال هذه الشريعة يبرز في الحياة المستفيضة منها بوفرة شديدة وبكلمة ، فإنها تعطي الحياة للإنسان وترافق هذه الحياة الحكمة التي تجود بالفطنة على أبسط الناس ( شريعة الرب كاملة تنعش النفس شهادة لرب صادقة تعقّل البسيط ) ” مز 8:19 ” أي تجعل الجاهل حكيماً ، وأول عطايا هذه الشريعة هي ( الحكمة ) وهذه الحِكمة تُفهَم ولا شك أن لغة السموات البليغة والصامتة هي شريعة فيها اليقين والثبات وثِمارها الطيبة لا تخفي على أحد .

نستنتج من هذا فنقول : إذا كان الله أميناً وإن كانت شهادته صادقة ، فلا بد لأمانته من أن تحرك في ضمير الإنسان جواب الأمانة أيضاً ، يدفع الله الإنسان على طريق الأمانة ، لأن مخافة الرب تعمر في قلب الإنسان الذي يمشي على طُرقهِ ، فمخافة الله ليست كخوف عبيد من سادتهم ، بل هي مخافة مُلؤها إحترام الله الذي خلقه على صورته ، هي مخافة بنوية تثبت المؤمن بالله على طريق الأمانة ، لأن ( مخافة الرب طاهرة تثبت للأبد ، وأحكام الرب حق وعدل على السواء ) ” مز 10 :19 ” فشريعة الله غالية وحلوة تعطينا القوة  ، لهذا يقول المزمور ( أحكام الرب … هي أشهى من الذهب ومن أخلص الأبريز  واحلى من العسل ومن قطر الشهاد ) ” 11:19 “. ولخالق الكون المجد دائماً

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!