في السودان.. الخيار الوحيد رفض الحرب
في السودان.. الخيار الوحيد رفض الحرب
الإسلاميون الذين يتقنون التلاعب بالمفاهيم والمشاعر الوطنية هم أعداء الإنسان بطبيعتهم يعادون قيم الحرية والمساواة ويزدرون حقوق الأفراد مستخدمين الدين ستارا لتحقيق مصالحهم.
لا مكان للحياد في الصراع داخل السودان
في خضم الحرب السودانية، تتباين المواقف بين من يؤجج الصراع ومن ينادي بالسلام والمحبة. أولئك الذين يُوصفون بأنهم محايدون في الحقيقة ليسوا إلا دعاة للسلام والخير، رافضين للحرب وما تجلبه من ويلات. موقفهم ليس مجرد موقف رمادي كما يُروّج البعض، بل هو الموقف الأخلاقي والإنساني الأصيل الذي ينحاز إلى الحياة ويقف ضد الموت والدمار.
في هذه الحرب، لا مكان للحياد؛ فالمواقف تتوزع بوضوح بين من اختار العقلانية ومن انغمس في العبث، بين المتلونين الذين يغيرون مواقفهم حسب مصالحهم، والمتوازنين الذين ينادون بالسلام العادل. هناك من ينحاز إلى الإسلاميين الذين يقتاتون على الفوضى والدماء، وهناك من يقف بجانب القيم الأخلاقية التي تسعى إلى إنهاء الحرب وحقن الدماء. الحياد في هذا السياق ليس إلا وهمًا، لأن الصراع يفرض على الجميع موقفًا: إما الانحياز إلى الخراب أو الالتزام بمسار السلام والبناء.
الإسلاميون، الذين يتقنون التلاعب بالمفاهيم والمشاعر الوطنية، هم أعداء الإنسان بطبيعتهم. يعادون قيم الحرية والمساواة ويزدرون حقوق الأفراد، مستخدمين الدين ستارًا لتحقيق مصالحهم. هؤلاء لا يترددون في إشعال فتيل الصراعات متى ما رأت أعينهم مكاسب سياسية أو اقتصادية، حتى وإن كان ذلك على حساب دماء الأبرياء. تاريخهم في السودان وغيره مليء بالشواهد؛ فهم من صنعوا الميليشيات وأسسوا بعض الحركات المسلحة، ليس لحماية الوطن، بل لتحقيق أجنداتهم الآنية.
◄ في هذه الحرب، لا مكان للحياد؛ فالمواقف تتوزع بوضوح بين من اختار العقلانية ومن انغمس في العبث، بين المتلونين الذين يغيرون مواقفهم حسب مصالحهم، والمتوازنين الذين ينادون بالسلام العادل
يصنع الإسلاميون هذه الميليشيات، يمولونها، ويغذونها بالشعارات الكبرى، ولكن بمجرد أن تؤدي هذه الحركات دورها في تحقيق مصالحهم، يسارعون إلى التخلي عنها، بل والانقلاب عليها. يتنصلون من مسؤولياتهم، مدعين أن هذه الحركات خرجت عن السيطرة أو أنها تابعة لأعداء الوطن. هذه الإستراتيجية الدنيئة تكشف عن نهج متكرر في استخدام أدوات الحرب والدمار لتحقيق الهيمنة، ثم تحميل الآخرين تبعات هذه السياسات عند انتهاء اللعبة.
اليوم، لا يختلف نهجهم؛ فهم يدعمون بعض الحركات المسلحة علنًا أو سرًا، متخذينها أداة لتحقيق مكاسب على الأرض، ولكنهم لا ينظرون إليها كحليف دائم، بل كوسيلة مؤقتة لتحقيق أهدافهم. خططهم المستقبلية واضحة: التخلص من هذه الحركات أو تحييدها بمجرد أن يعودوا إلى السلطة. هذا النهج ليس إلا استمرارًا لمسارهم الطويل في استخدام القوة لتحقيق أهدافهم، غير مبالين بالأوطان التي يتمزق نسيجها الاجتماعي أو بالدماء التي تُسفك دون وجه حق.
من يروّج للحرب ويصفها بأنها “عبثية” يمارس تناقضًا فاضحًا؛ كيف يمكن أن يُقر بعبثيتها ومع ذلك يستمر في تأجيجها؟ هذه التصريحات ليست إلا ستارًا لإخفاء الطموحات السياسية والهيمنة الأيديولوجية. الحرب بالنسبة إليهم ليست إلا وسيلة للوصول إلى غاياتهم، حتى وإن كان ثمن ذلك هو تمزيق الوطن وإغراقه في الفوضى.
في مواجهة هذا العبث، يصبح موقف رفض الحرب هو الخيار الوحيد الذي يحافظ على كرامة الإنسان ووطنه. من ينادون بالسلام ويدعون إلى المحبة يملكون الجرأة للوقوف ضد تيارات الدماء والتدمير. هؤلاء ليسوا محايدين بالمفهوم السلبي، بل هم أصحاب الموقف الواضح، الرافض للانحياز لأيّ طرف يُغرق السودان في أتون الفوضى.
الموقف الأصيل ليس في الحياد المتردد، بل في التمسك بالمبادئ الإنسانية التي تدعو إلى السلام وتنادي بالحوار كسبيل وحيد للخروج من هذا النفق المظلم. “لا للحرب” هو النداء الحقيقي لمن يسعون للحياة، لمن يحملون رؤى البناء بدلًا من أدوات الهدم، ولمن يقفون مع الوطن، لا مع المصالح العابرة أو الأيديولوجيات المدمرة.
د. عبدالمنعم همت
كاتب سوداني مقيم في الإمارات
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.