الحوار الهاديء

الاختزال الثقافي في ضوء بيان بطاركة الكنائس الشرقية

                                               الاختزال الثقافي

                               في ضوء بيان بطاركة الكنائس الشرقية

 

د. عبدالله مرقس رابي

 

اختتم مجموعة من بطاركة الكنائس الشرقية اجتماعهم المنعقد في لبنان / العطشانة في 16/12/2022 ببيان تحت عنوان (البيان الختامي الصادر عن اللقاء الأول لبطاركة الكنائس ذات التراث السرياني في المقر البطريركي للسريان الأرثوذكس) بدعوة من بطريرك انطاكية وسائر المشرق للسريان الارثوذكس). بيان اثار ردود أفعال متباينة من اتباع الكنائس المذكورة فيه. لا اعتقد هناك من يعترض لوحدة الكنائس عقائدياً، فالكل يتمنون وينتظرون ذلك اليوم، لكن دون المساس بالخصوصيات غير العقائدية للكنائس الموحدة. وقد ينتاب الفرد لسماعه عن هكذا اجتماع للكنائس المذكورة مع بعضهم قبول نفسي بالفرح والارتياح والانشراح لانفتاحهم على بعضهم والجلوس على طاولة واحدة لمناقشة أوضاعهم، بالرغم من المواقف التاريخية السلبية تجاه بعضهم، عقائدياً واثنياً.

كوني كباحث اجتماعي نفسي من المتابعين لأحوال الاثنيات الثلاث الكلدان والسريان والاشوريين وكنائسهم لفترة طويلة، اثار اهتمامي محتوى البيان المذكور، وعليه أرى بعد قراءته هناك اختزال لثقافة اثنيات متعددة في ثقافة واحدة على إثر استخدام غير الواضح والمربك للمفاهيم وعدم التمييز بينها، إضافة لمسألة التعميم وعدم احترام الخصوصيات الثقافية لاتباع بعض الكنائس، والتناقضات بين الواقع وما جاء في البيان.

من المشكلات الأساسية التي يتعرض لها غير الاختصاصيين في كتاباتهم او منشوراتهم الخطابية ونقاشاتهم هي عدم التمييز بين المصطلحات، فهي تعد المفتاح الذي يساعد المتابع في فهم وإدراك ما الذي يقصده الباحث او المناقش او الكاتب من تداوله للمصطلحات الواردة، وطالما ان عملية تحديد المفاهيم هي معقدة في العلوم الاجتماعية لأنها تتعامل مع المجردة منها، وعليه لابد تحديد بعض المفاهيم المرتبطة بمحتوى البيان قبل التحليل، وهي استنتاج من المفاهيم التي وردت في نظريات ودراسات متعددة واهمها:

الثقافة او الحضارة: غالباً ما يُستخدم المصطلحان مرادفان لبعضهما، وقد تُرجمت كلمة culture اللاتينية عند بعض المفكرين العرب بمعنى الحضارة، وعند الآخرين بمعنى الثقافة، وذلك تأثراً بالكتابات الغربية والجامعات التي تلقوا دراساتهم فيها. والمعنى اللغوي للمفهوم هو، حرث الارض وزراعتها، فأستخدمت مجازا في العلوم الانسانية والاجتماعية بمعنى تثقيف العقل وتنميته.

اختصر مفهوم الحضارة بما جاء به الانثروبولوجي البريطاني ( ادورد تايلور ) سنة 1871 في كتابه الموسوم (الحضارة البدائية) حيث يُعتبر الاكثر شمولية ولا يزال المرجع الاساسي  لعلماء الاجتماع والانثروبولوجيين، حيث يعرفها:

(ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والاخلاق والقوانين والعادات والقيم والتقاليد واللغة والقدرات التي يكتسبها الفرد باعتباره عضوا في المجتمع، وتشمل النتاجات المادية من حيث وسائل الانتاج بانواعها والفنون والكتابة، واللاماديات المجردة، فهي نمط للحياة وطريقة العيش خاصة بمجتمع معين). وكلا النمطين من العناصر تتغيرا زمانياً ومكانياً في المجتمعات البشرية بحسب التفسير الاجتماعي.

وهناك من يستعمل مصطلح (الحضارة) مرادفاً لمصطلح المدنية (Civilization) لتشمل الجوانب المادية من حضارة المجتمع، بينما يتم وضع العناصر المجردة او اللامادية منها تحت مصطلح الثقافة، وعليه تُعرف الثقافة في هذه الحالة: مجموعة القيم والتقاليد والعادات الاجتماعية والدينية والأفكار واللغة والمواقف التي يكتسبها الفرد منذ الولادة وتؤثر فيه وتتحول الى اللاشعور، وتصقل شخصيته ليتوافق سلوكه ومواقفه مع أسلوب الحياة او طريقة الحياة في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه، وهي جزء مهم واساسي من عناصر الحضارة التي تمثل الشق المعنوي. واعتقد وهو المقصود به من مصطلح الثقافة الذي ورد في البيان واُختزلت بالثقافة السريانية.

ومما هو جدير بالذكر ان مصطلح التراث، كمصطلح عام لا تختلف عناصره عن الثقافة او الحضارة بمفهومها العام، وفقاً للدراسات فهي متطابقة، فالتراث هو ما يبتكره المجتمع من العناصر الحضارية بشقيها المادي والمعنوي اللامادي ويعتز بها وتتغير وفقاً للمستجدات من جيل لآخر. اذ يقول عالم الاجتماع الأمريكي (وليم اوكبرن) (الفكر الذي يستطيع إدراك الواقع الاجتماعي والمستجدات، لا يستوعب ظاهرة البقاء على التراث الذي لا ينسجم مع متطلبات الحياة). وفيما يأتي تحليل لفقرات البيان:

اتجنب تحليل ما يتعلق بالروحانيات التي تم الإشارة اليها في الفقرة الأولى من البيان لأنها لا تخص اختصاصي المعرفي، بالرغم من قيامي بإجراء عدة مقابلات فردية هاتفية مع عدد من الشمامسة والكهنة للاستفسار عما إذا كانت الطقوس او الليتورجيا واحدة في الكنائس المجتمعة، جاء الجواب منهم: مراحل القداس متقاربة عند كل الكنائس وليست عند الكنائس المذكورة فقط، وهناك اختلاف في تفاصيل الطقوس وبالأخص بين الكنيسة السريانية بشقيها والكلدانية والاشورية من جهة اخرى. الذي يهمني هو تأكيد البيان على استخدامه عبارات اثارت اهتمامي واهتمام القراء والمتابعين وهي:

(تعتزّ كنائسنا بتراثها السرياني العريق الذي يجمعها ويشكّل إرثاً تاريخياً مقدّساً غنياً ينبع من وحدتنا التاريخية ولغتنا السريانية الواحدة وطقوسنا الكنسية والليتورجيا المشتركة) (وسعياً لنشر التراث السرياني) (الحضور السرياني في الشرق الأوسط) (الحضور السرياني في بلاد الانتشار) بالطبع المقصود كشعب وليس لغة او طقس ديني، (اننا شعب واحد بتراثه السرياني) (سعياً لنشر التراث السرياني) (تشجيع تعليم اللغة السريانية) (اعادة احياء مؤتمرات التراث السرياني في الشرق الأوسط) ( إقامة ندوات ولقاءات ونشاطات تهدف نشر الوعي بين أبناء كنائسنا في بلاد الشرق وعالم الانتشار عن الهوية السريانية) (مباركة جهود المؤسسات التي سعت وتسعى لدراسة الإرث السرياني المشترك)، واثنوا بشكل خاص على المؤتمر السرياني العالمي ومؤسساتهم دون شمول المؤتمرات الاشورية والكلدانية ومؤسساتهم التي تسعى لإحياء تراثهم.

هنا تصريح واضح على اختزال تسمية التراث لاتباع الكنائس المجتمعة بالسرياني، نعم اللغة التي استخدمت في الطقوس الكنسية المجتمعة هي الآرامية او السريانية فيما بعد، ولكن السؤال هل الآرامية كانت لغة الكلدان والاشوريين والمارونيين؟ تشير المصادر المقننة الاكاديمية وليس تلك المؤلفة من قبل رجال الدين في الطوائف المذكورة ولا السياسيين ولا المتطفلين من الاختصاصات الأخرى، ان اللغة التي ظهرت منذ ألاف السنين واستخدمتها شعوب بلاد النهرين هي الاكدية بعد السومرية وبكتابة مسمارية واستخدمها سكان بلاد بابل وغالبيتهم العظمى من الكلدان في منطقة السهل الجنوبي وضفاف خليج الكلدي (العربي حاليا)، علماً بعض الباحثين يعتبرونها اللغة الكلدانية، كما استخدمها الاشوريون في المنطقة الشمالية منها بلهجة مختلفة. كما هو معروف تاريخياً ان موطن الاراميين هي البلاد المعروفة الان (سوريا).

وفقاً لأسس نظرية الاقتباس الحضاري الثقافي بدأت تتوغل الآرامية الى بلاد النهرين واُستخدمت احرفها للتعامل الرسمي، وليس للتداول اليومي، ورسخت الكنيسة تداولها في كنيسة المشرق منذ البدء وذلك لأنها كانت لغة الرسل وتلاميذهم الذين بشروا بالمسيحية، والقادمين من سوريا الكبرى، فأصبحت بمثابة لغة مقدسة عندهم. فإذن هي لغة مفروضة على الكلدان والاشوريين والعرب والفرس والهنود والافغان والأتراك وغيرهم من اتباع كنيسة المشرق تاريخياً لأداء طقوسهم الدينية منذ دخولهم بالمسيحية، تماماً مثلها كاللغة اللاتينية التي فرضتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية على كنائس الشعوب الاوربية، وثم تخلصت منها في منتصف القرن الماضي. اما لغة الاثنيات الثلاث المعاصرة في بلاد النهرين (العراق حاليا) فهي تلك اللغة الناجمة من التلاقح بين اللغة الاصلية لهم الاكدية وتلك التي ظهرت مع قيام الحضارات المختلفة لسكانها الأصليين والغرباء الى يومنا هذا، وتشكلت اللغتان الكلدانية والاشورية المعاصرتين وفقاً لأسس علمي اجتماع اللغة واللغة الاجتماعي وتطور اللهجات وحيوية اللغة، اذ تتسع الفجوة بين اللهجات زمنياً الى ان تصبح لغة مستقلة غير مفهومة بكل مفرداتها الا لأهلها.

اذن لغتنا ليست السريانية المتداولة في الكنائس لأداء الطقوس، بدليل واضح جداً هو عدم إدراك المؤمنين لها الا بعد ترجمتها الى اللغتين الكلدانية والاشورية المعاصرتين او الى العربية التي بدأ اجدادنا بترجمتها منذ أواخر القرن التاسع عشر الى لغتنا الحالية. وان كانت لغة أداء الطقوس واحدة، لكن لا يعني ذلك اننا سريان وتراثنا وثقافتنا سريانية، فعليهم عدم خلط المفاهيم، ويجب التمييز بين اللغة والاثنية وبالأخص العرق، ليس كل من مارسوا الطقس السرياني في كنائسهم هم بالضرورة سريان، فالهنود الحاليين المنضمين للكنيسة السريانية هم هنود عرقاً  وثقافة والعرب سابقاً وحاليا في الكنيسة الارثوذكسية وفي كنيسة المشرق المسماة أحيانا النسطورية كانوا عرباً، بينما ثقافة وعرقاً هم عرب، مثلما ليس كل من يمارس الطقس اللاتيني حالياً في أمريكا الجنوبية واسيا وفي البلدان الكاثوليكية في اوربا هم لاتين، او لكونهم اتباع لكنيسة الرومان الكاثوليكية هم من الرومان او ايطاليين مثلا، علما ان الاسبان والايطاليين والفرنسيين وغيرهم هم من جذور واحدة، ولكن اليوم لكل منهم لغتهم وانتمائهم الاثني القومي.

ترتبط اللغة في الثقافة ارتباطاً وثيقاً وفي علاقة متبادلة، اذ يعتبر (سابير) في نظريته عن اللغة والثقافة (ان الثقافة مجموعة معانٍ في التفاعلات الفردية، فهي اساساً نسق اتصال ومن خصائص اللغة نقل الثقافة، وهي ذاتها مطبوعة فيها) ويقول (ليفي ستراوس: ان علاقة اللغة بالثقافة من اعقد المشاكل، فاللغة هي نتاج الثقافة، واللغة المستخدمة في مجتمع ما تعكس ثقافته الافراد، واللغة في نفس الوقت شرط لوجود الثقافة). وعند تطبيق النظرية على إشكالية اللغة السريانية عندنا، نرى طالما لا يتحدث  كل من الكلدان والاشوريين ومعظم السريان بها، وانها محصورة في الكنائس لأداء الطقوس لأسباب ذكرتها أعلاه، ونفس اللغة المستخدمة لا يفهما العامة من الناس الا بعد ترجمتها، فإذن من المنطق القول ليست لغتنا، بل لغتنا هي التي نتحدث بها في التواصل الاجتماعي وبدورها تنقل عناصر الثقافة لكل اثنية من حيث الأفكار، أي بعبارة أخرى ان اللغة السريانية المستخدمة في الكنيسة لا تؤدي وظيفتها في نقل ثقافتنا المعاصرة بتاتاً وحتى لا تؤدي وظيفتها في نقل وعكس العلاقة بين المؤمن والله في صلواته لأنه يرددها أي الصلاة دون ان يعرف المعنى، عكس ذلك لو تم أداء الصلوات باللغة الكلدانية او الاشورية المعاصرتين وبالعربية للمتحدثين بها لأدت وظيفتها في فهم وادراك الصلاة. (ارجو عدم الفهم إني أشجع التعريب وما شابه، بل أداء الطقوس والصلوات والأنشطة الكنسية الروحانية الأخرى بلغتنا المحكية بعد الترجمة). ومن جهة أخرى تلك اللغة لا تعكس ثقافتنا وذاتنا للآخر المشاهد لعدم استخدامها في الحياة اليومية. فاللغة التي نستخدمها في حياتنا اليومية هي التي تعكس هويتنا وثقافتنا للآخر المختلف. مثلما تماماً تعكس العربية ثقافة المارونيين اليوم.

الثقافة هي في حالة  ديناميكية، ولا ثقافة بشرية في الحالة الاستاتيكيية تاريخياً، الا تلك المعزولة تماماً عن المجموعات البشرية الأخرى، فهي في حالة تغير دائمة وفق المعطيات الدراسية العلمية، فإذن في ضوء العلاقة المذكورة أعلاه بين اللغة والثقافة في ترابطهما، اللغة هي الأخرى كعنصر من عناصر الثقافة تتغير تاريخياً، ولهذا فان جمود وبقاء اللغة السريانية محصورة تحت قباب الكنائس و تدريسها في الأقسام العلمية في الجامعات فقط دون استخدامها في التفاعلات الاجتماعية والتنشئة الاسرية للأبناء فقدت وظيفتها في الثقافة ولا تعكس ثقافتنا. فلا توجد ممارسة او تواصل اجتماعي فني مثل الأغاني، وكتابات ونقاش وندوات ومؤتمرات وحديث عائلي وتنشئة اسرية للأطفال ولا في الاعلام يتم استخدام السريانية القديمة. والنتيجة في رأيي من الخطأ حصر ثقافتنا باللغة السريانية المحصورة في الكنيسة.

يقول بعض المهتمين: هناك اقسام علمية تدرّس اللغة السريانية في الجامعات وبعضها تحت مسمى الآرامية، طيب وما علاقة ذلك بثقافتنا؟ هل هي اللغة التي نتحدث بها في حياتنا اليومية؟ لو قارنا انفسنا مع الإنكليز او الاكراد او العرب او غيرهم، بالطبع هناك فرق فهم يتحدثون نفس اللغة الرسمية والاكاديمية وان كان هناك بعض المفردات القليلة لا يستعملونها، عكسنا تماماً لا نستعمل الا القليل من المفردات اللغوية للغة السريانية التي تدرس في الجامعات، فتدريسها اكاديمياً لا اظن لأنها مهمة لكونها لا تزال تؤدي وظيفتها الثقافية، بل مهمتها لتأدية وظيفتها في دراسة التاريخ والمخطوطات واللقى الاثرية المكتوبة عليها حالها حال اللغات التي انقرضت او على وشك الانقراض، وكان لها دوراً ثقافياً في مكان وزمان معينين. وفي هذا الصدد لماذا لا يتم تطوير لغتنا المحكية ولكل اثنية في صياغتها وصرفها وبنائها وتُدرس بدلاً عن السريانية القديمة التي لا تفي بالغرض في المعاهد الدينية وفي مدارس التعليم في الكنائس؟ وهذا يتطلب ايضاً عدم حصر تسمية ثقافة المسيحيين في العراق رسمياً بمديرية الثقافة السريانية، بل يتطلب استحداث مديريات التعليم الكلداني والاشوري ومديريات الثقافة الكلدانية والاشورية. لا توصف مشاعري بالارتياح عندما اقرأ كتاب المدائح المنسوب (لداويذ كورا) المؤلف بلغتنا الكلدانية المحكية، وكم انشرح عند سماع قداس عن أحد كهنة ابرشية مارتوما في مشيكن بلغتنا المحكية. واعتقد هكذا هو شعور أي كلداني او اشوري وسرياني اليوم.

ومن المسائل التي اثارت انتباهي هي: مشاركة الكنيسة المارونية في الاجتماع، فقط شاركت حسب ما وصلني لمشاركتها نوعاً ما في طقسها مع الكنيسة السريانية الانطاكية. غريبة جداً هل لو فرضنا جدلاـ ان المارونيين سريان سيعيدون اللغة السريانية بدلا العربية التي اقحمت كل تفاصيل حياتهم وتعكس هويتهم الثقافية التي تختلف عن سائر الاثنيات القومية في الشرق الأوسط المسيحية؟ كانت معلوماتي عن الموارنة واصولهم الثقافية والمذهبية سطحية لانهم ليسوا موضع اهتمام عندي، ولكن دفعتني مشاركتهم في الاجتماع المذكور الى دراسة مستفيضة هذه الأيام عنهم، وتبين لي باختصار حالهم حال كل الاثنيات التاريخية في الشرق الأوسط  من حيث التباين في أصولها المذهبي والاثني، وكل ما كُتب عنهم أيضا هو من قبل رجال الدين غير المختصين والسياسيين المؤدلجين وكل منهم يكتب بحسب اهوائه ومواقفه المذهبية، وان كان تشكيل هذه الطائفة الدينية جاء اصلها من احد الرهبان السريان (مارون) ولم اعثر على اسمه الكامل، وكما هناك تباين في الآراء وعدم الاتفاق على سنة وجوده ومكان ديره بالضبط، بل يُعتقد في نواحي حلب السورية، والتباين في الظروف التي أدت الى نشوء الطائفة، كما قرات وجود عدة رهبان باسم مارون وبل احدهم أشار وجود راهب باسم مارون نسطوري في سوريا الداخلية اشتهر في القرون الأولى، وكل ما هو متداول تاريخياً ان تلاميذ هذا الراهب لأسباب الصراعات العقائدية في انطاكية السورية توجهوا الى جبال الارز في لبنان ونشروا عقائدهم هناك بين القاطنين في المنطقة وتكونت الطائفة. بالطبع يؤكدون ان الطقس الكنسي لهؤلاء الرهبان كان على الطقس السرياني، طيب لو سلمنا بصحة الطقس، ولكن ماذا عن الاثنية القومية لمن اتبعوا تعاليم أولئك الرهبان يا ترى؟ المعروف تاريخياً ان جبل الارز وسواحل البحر المتوسط الشرقية سكنها الكنعانيون الذين سموهم الاغريق بالفينيقيين، أ ليس هؤلاء الموارنة جزءٌ من سليلي هؤلاء الفينيقيين؟ بالتأكيد، الا في حالة مرافقة مجموعة كبيرة من السريان لتلاميذ الراهب مارون الى جبل الأرز، وهذا لم يتم ذكره تاريخياً. ولا يعني ان من يمارس الطقس السرياني فهو سرياني الأصل او الاثنية، فهناك حالياً الهنود الذين يمارسونه في الهند ومارسه العرب في القرون الأولى قبل دخولهم الإسلام كما ذكرت اعلاه. فاعتقد لو يبقى المارونيون على ثقافتهم العربية الحالية أفضل لهم من دوخة الراس.

وفقا لما قدمت في رايي، ان اجتماع البطاركة سوف لا يحقق مستقبلاً ما يسعون اليه طالما هكذا كانت اللغة الخطابية لبيانهم الختامي من جهة، ومن جهة أخرى، قد يكون هناك اهداف معينة مبطنة مكبوتة في العقل الباطني لكنيستي المشرق الاشورية والسريانية لتحقيق الذات والوجود من خلال وجودهم جنباً الى جنب مع الكنيسة المارونية والكنيسة الكلدانية اللتان هما اكثر كنائس الشرق الأوسط وجوداً ونشاطاً وتأثيرا في الساحة السياسية والاجتماعية محلياً في بلدانها واقليمياً في الشرق الأوسط وعالمياً، او توقعاً من رئاسة الكنيسة السريانية الارثوذكسية والكاثوليكية بإمكانهم اقناع اتباع الكنائس الأخرى بما جاء في البيان كأهداف استراتيجية واعتبار كل الطوائف المسيحية بحسب فلسفتهم في الشرق الأوسط سريانية الأصل. او اعتقاد من رئاسة الكنيسة المشرقية الاشورية انه من خلال هذا التجمع وهذه الالية يمكن كسب اتباع الكنائس الأخرى عدداً وقومياً لاعتبار في فلسفتهم اكليروساً وشعبا ان كل الطوائف المسيحية في الشرق الأوسط هم اشوريون ولغتهم سريانية. والا لماذا هذه المشاركة من رئاسة الكنيسة الاشورية بالرغم من تأكيداتها اننا كلنا اشوريون وهذا ما جاء في خطابات المرحوم البطريرك مار دنخا وهكذا اكدها ثلاث مرات في كلمته البطريك مار آوا مؤخراً في تهنئة العيد حينما يقول (كل أبناء كنيستنا وامتنا جميعاً) فمن هم جميعاً بالطبع يقصد الكلدان والسريان والا اكتفى بأبناء كنيستنا! وكان من الأولى على الكنيسة السريانية الارثوذكسية، أولا الغاء هرطقة اتباع كنيستي الاشورية وكنيسة المشرق القديمة لترسيخ حسن النية، وهل تتمكن الكنيسة المذكورة ان تتخلى من الانضمام والمشاركة في موقف مجموعة الكنائس الارثوذكسية وبالأخص القبطية تجاه كنيستي المشرق في هرطقتهما التي تكونت لأسباب سياسية وصراعات وتهديدات ومغالطات لغوية منذ أكثر من 1500 سنة؟ سؤال اضعه امام رئاسة الكنيسة السريانية الارثوذكسية.

ختاماً:

أرى ان رؤساء الطوائف المسيحية المجتمعة ومعهم السياسيين وبعض الكتاب من كل الاثنيات يتخبطون كثيراً في مسالة الأصول الاثنية لاتباع الكنائس وتراثهم وثقافتهم دون جدوى، وذلك باعتقادي، تاريخياً، كل اثنية من الاشوريين والكلدان والسريان المعاصرين اخذت مكانتها الانتمائية الاثنية والثقافية ولا اعتقد سوف تزحزح اية محاولة من المشاعر الانتمائية القومية لأفرادها، هكذا ترسخت، وكل ما يكون هناك محاولات من هذا القبيل تُثار عملية الترسيخ أكثر فأكثر، فلا جدوى منها.

بالنسبة الى الاشوريين محسومة سياسياً قناعتهم لانتمائهم الاثني الاشوري، وذلك يتجلى خلال مؤتمراتهم وانشطتهم القومية والسياسية، سواء عند الروحانيين او عامة الشعب وحققوا وعياً قومياً عميقاً. وهكذا حُسمت العملية عند الكلدان، انهم كلدان اثنيا وقومياً تجلى ذلك من خلال مؤتمراتهم العالمية التي جمعت الاكاديميين والسياسيين ووضعت أسس تحفيز الوعي القومي تحت رايتهم (العلم) المتفق عليها في مؤتمر ساندييكو وجٌدد الاتفاق في مؤتمر ديترويت ولهم مؤسساتهم الكلدانية، كما ان الرئاسة الدينية وكما هو معروف عن مساعي البطريرك الكاردينال مار لويس ساكو في تأكيداته الرسمية في العراق على ادراج التسمية الكلدانية مستقلة في الدستور الكوردستاني والمركزي في بغداد، وتشجيعه على ترسيخ الانتماء للهوية الكلدانية عبر مؤسساتها الاجتماعية والثقافية، وقبله المرحوم البطريرك عمانوئيل دلي، وهكذا يناشدون اغلب اعضاء الاكليروس من الأساقفة والكهنة الكلدان، نعم هي محسومة من قبل الكلدان ولهذا بحسب تحليلي ومتابعتي عدم مشاركة الكنيسة الكلدانية برئاستها قد يكون لقناعتهم قد حسموا موضوع التراث وينطلقون دائماً من لغة احترام خصوصيات الاخر والتعاون والتعاضد والتماسك، ولكي لا تقع في التناقض كما وقع رؤساء الكنائس المجتمعة فيه. وهذا أيضا ينطبق على السريان شعباً واكليروساً، فلهم مؤسساتهم السريانية الثقافية ومؤتمراتهم وتأكيداتهم على الهوية السريانية، ومطالبتهم الأخيرة في ادراج اسمهم الى جانب الكلدان والاشوريين. ولكل من الاثنيات لها مفكريها من الأكاديميين وغيرهم يبحثون في الموضوع قد تكون متفقة او مختلفة في نتائجهم.

فالعملية تقولبت وتمركزت في اذهان الافراد ولا يمكن تفكيكها في رأيي، وعليه ادعو الى انهاء التشاور والنقاش في هذه المسالة واثارتها. ان سمينا كلنا اشوريين او كلدان او سريان ماذا ستكون النتيجة وما الذي نحققه؟ القوة كما ظن الاخرين، لا ابداً كلنا لا نساوي نقطة في بحر بالنسبة للآخرين في الشرق الأوسط، هل يمكننا ان نحقق حقوقنا الاجتماعية والسياسية في ظل سياسات تتبنى في دساتيرها الشريعة وتحكمها أحزاب دينية متنفذة؟ لا اعتقد طالما يكون هناك غياب القانون وغياب المفاهيم الوطنية، وهل سوف تقف هجرة أبناء الاثنيات الثلاث لو تسموا بتسمية واحدة؟ كلا لان للهجرة عوامل متعددة منها تكون خارج إرادة الانسان.

فإذن، لتكن محاولات الاثنيات الثلاث قومياً توحيد خطابهم والعمل المشترك واتخاذ المواقف السياسية المشتركة، ودينيا تسعى المذاهب الى احترام خصوصية بعضها البعض الاثنية والعقائدية، وحتى لو توحدت عقائدياً لتبقى على خصوصيتها الاثنية لكي لا تتفاقم المشكلة. فمسالة الانتماء الاثني والعقائدي معقدة جداً ومتشابكة ولها عواملها الحضارية والتاريخية والنفسية والاجتماعية المتداخلة والمترابطة لا يمكن حلها كما يسعى اليها البعض، ليحترموا انتماء بعضهم البعض ويقبلوا الاخر كما هو لا كما يريدون هم، واقصد كل الأطراف، قبول بعضهم عقائدياً وفكريا وسياسيا واجتماعيا، وتترك الحرية للفرد لانتمائه الاثني، فالأثنية القومية ليست طبيعية مثل العرق البشري بل مكتسبة وفق المعطيات العلمية في علوم الاجتماع والنفس والانثروبولوجيا، فضلا ان تشخيص العرق النقي الخالص للبشر وهو ضرب من الخيال كما يقول الانثروبولوجيون. فلماذا كل هذه المحاولات التي لا تجني نفعاً. فالإنسان حر في تحديد انتمائه الاثني وتحديد تسمية هويته.

ملاحظة: ارجو الانتباه ما كتبته لا يخص التاريخ، ولا بناء وصرف وقواعد اللغة، بل في ضوء دراسات علم الاجتماع الحضاري والنفس، واجتماع اللغة والانثروبولوجيا الثقافية، لدراسة ما الاحظه اليوم من موجود اثني وثقافة ولغة، وعليه ارجو من الاخوة القراء ان لا يأتي بقال وقيل من مصادر تاريخية، وقال رجل الدين وغيره، وبالأخص عندما تكون كتاباتهم قديمة ومتناقضة وغير اكاديمية، او من المتطفلين في اختصاصات غيرهم. فلا وقت لي لمناقشة مهزلة التاريخ.

رابط البيان الختامي

https://ankawa.com/forum/index.php/topic,1040294.0.html

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!