مقالات دينية

إنتخاب مار نرساي لأسقفية ” السن ” ومواهبه  

إنتخاب مار نرساي لأسقفية ” السن ” ومواهبه  

إعداد / وردا إسحاق قلّو 

     بعد أن تناولنا موضوع ( السيرة الطاهرة للقديس مار نرساي أسقف السن ) سندخل في مرحلة حياته الأسقفية وبداية مواهبة الخارقة    

      أن روح الأنبياء تطاوع بعض القديسين ، والرؤى الإلهية تنتظر التحقيق إلى ان يبلغ أوانها ، فيكشفها الروح القدس ويعلنها . وقد بلغ موعد تحقيق الرؤيا السماوية التي رآها قبل سنين مار قرياقوس أسقف بلد ” تحدثنا عنها في مقال آخر ” عن إنتخاب مار نرساي وكثيرين آخرين لمناصب مختلفة . حان الأوان لكي يقام في الرئاسة الكنسية ، فقد كشف الله بواسطة الطوباوي شوحا لمارن الراهب ورئيس دير السن . فأخبر أولئك المؤمنين أن روح الرب قد ميّز القديس نرساي الراهب من بيت عابي ليكون راعياً ومدبراً لكنيستهم ، وحرضهم المسيح بواسطته أن يذهبوا دون تأخير في طلبه . فنزلوا عند الجاثليق مار طيمثاوس وطلبوا إليه أن يقيم عليهم أسقفاً الربان نرساي ، الراهب والناسك . فكتب لهم رسالة قانونية لكي لا يمانع أمام الأختيار الإلهي . ولما قرأها نرساي ورأى أن قد سدت أمامه منافذ الرفض إلى أن يمثل أمام الكرسي البطريركي . سافر معهم راضحاً للمشيئة الإلهية . ونال الرسامة بوضع يد البطريرك وصلوات رؤساء الكهنة    

    حينما دخل مدينته السن الواقعة شرق نهر دجلة بعد مصب الزاب الصغير، أستقبل بالحفاوة والإكرام اللائق بسيادته واكتسب فخراً بين المدن    الأخرى ، فتم لهم ما جاء في إنشودة الطوباوي داود ( أن الرب عظم الصنيع مع هؤلاء ) كان مار نرساي كالحارس اليقظ على القطيع الذي عهد إليه يتلفت إلى كل الجهات ويسهرعلى رعيته لئلا يصدر شىء مخالف للواجب عن أبناء رعيته . وكما يعمل البستاني الحكيم لجنته . كان مار نرساي ينقي ويطّهِر العروق المضرة والأصول المرة ، ويحافظ على أثمارها لئلا يلحقها أذى من مكائد الشيطان عدوها ، الذي لا هم له سوى زرع الزوان بين الحنطة المختارة . ولما كان عاكفاً على ذلك ومهتماً ومشتغلاً ومفكراً في كل فرائضها ، أمده الروح القدس بموهبة أخرى . هي قوة الشفاء ، فشرع يشفي دون عائق كل وجع ينتاب الجسد ببركة من يمينه المقدسة ، ونال أيضاً روح الرؤى ومعرفة الأمور البعيدة ، ومثل الأنبياء والرسل في عهدهم ، أشتهر القديس في تلك الأزمنة التي كان فيها العدل والبرارة هارباً من العالم ، والعفة والأعمال الصالحة قد رحلت وولت . فجدد موهبة العجائب التي كانت قد زالت من العالم في ذلك العهد ، حتى أخذ المسيحيون يعظمون أسم المسيح ، وأعاد إلى الحياة الرهبانية كرامتها , إذ منها نبتت قداسته ، وظلت مدينته حتى ختام حياته دون أضرار ، خفية كانت أم ظاهرة     

   هناك من يقولون اليوم بأن القلب هو مجرد مضخة لدفع الدم إلى جميع أنحاء الجسم ، ولا علاقة له بالحب أو الإرادة . لكن الرب يسوع يقول ( أحبب قريبك من كل قلبك … ) وماذا يقولون الأباء عن القلب ؟ جاء في كتابات بعضهم أن في القلب مرآة عقلية مجيدة ، ركّبها مبدع الكون ” الله ” من طبائع الخليقة كلها المنظورة والمعروفة ، إكراماً لصورته وكشفاً لعدم رؤيته ، وجعلها رباطاً وكمالاً لكل الطبائع ، ويدعوها الآباء جمال شخصنا ، والقديس بولس يدعوها موضع الحب . ويسميها الملافنة دار السلام . والحكماء منزل الصلاح ، وآخرون محط الأفراح ، وفيها تسكن روح ذخيرة البنين التي بالعماد المقدس ، وعليها يشرق نور النعمة . فمن نقى هذه المرآة الجميلة من دنس الأهواء والخطيئة ، وجدها وثبّتها في برارة طبيعتها الأولى يرى على ضوء  أشعتها المجيدة كل الروحيين الملحقين بطبائع الخليقة وشؤونها ، البعيدين منهم والقريبين ، ويتفرس فيهم بدون حجاب بقوة الروح القدس الخفية ، وكأنهم ماثلون أمام عينه ، وحينما يظهر تأثير هذه القوة على أنفس الصديقين ، فذاك دليل على أن الروح حال ومسقر فيها . ومار نرساي استحق هذه الموهبة التي هي من الروح القدس ، وهذا العطاء الذي يولي الغبطة ويكسب الحياة والنعيم الأبدي . قال القديس مار ماري من دير القديس الأنبا شمعون في السن . أن مار نرساي كان لأستغراقه في التأمل المقدس ، كان يعيقه غالباً عن الحضور في خدمة الأسرار المقدسة أيام الآحاد . وكان المؤمنون ينسبون ذلك إلى عمق الشيخوخة . ومرة حينما كان مختار الله ربان شوحالمارن رئيس ديرنا في البيم للقيام بصلاة الأحد ، رآه مستغرقاً في هذا التأمل ودام فيه خارج الإحساس والتأثير البشري ، أضطر إلى لكزه ليقوم بالأعمال التي تتطلبها الصلاة ، من الجلوس وقت القرآت والشروع بالشورايات ، وكان يراه مغمض العينين ولم يكن ليعرف أين هو . ولما صعد معه إلى الصومعة ، خر على ركبتيه وهو يقسم ويقول له : ( إني لا أقوم أو تطلعني على الرؤيا التي ظهرت لك في الكنيسة ) وحينذاك طلب منه مار نرساي أن يخفي ذلك إلى  وفاته ، فأجاب القديس وقال لرئيس الدير  

 إنظر إلى مخطط الكنيسة أثناء القراءة   

مخطط 

 ( إني كلما أكون في الكنيسة وقت الأسرار ، فمن رؤية ما يجري فيها ، يرتفع عقلي من الكنيسة وجمعها إلى ما يجري في السماء . وإذا بالأمور التي تجري أمام عيني تشرح بأمور خفية عن الناس . فالكنيسة تصوّر أمامي وكأنها أورشليم الأرضية ، والبيم الذي فيها يمثل صهيون ، والمذبح يشير إلى تابوت العهد القديم . والصليب الذي فوقه والإنجيل يمثلان العهد الجديد وكرسي المسيح في زمان حياته ههنا وتكامل الوصيتين ، وجمع الكهنة الماثلين فيها يرمز إلى زمرة الرسل ، والزقاق الذي يوصل البيم بالقنكي هو الطريق الضيق الذي يصعد إلى السماء ، والمدراج الثلاثة أمام القنكي تشير إلى السماء الثالثة حيث أرتفع الطوباوي بولس ، والقسطروم ، هو المجال من هناك إلى الرقيع ، والدرابزون الذي على باب القنكي والستر الذي يعلوه هو رمز للرقيع ، والقنكي نفسه هو المكان الذي فوق السماء ، والناووس هو سماء السماء والمسكن الإلهي . أما الستر الذي عليه فهو يشير إلى أن الألوهية خفية عن الملائكة أنفسهم ، والمذبح عرش الألوهية ، والكهنة هم الملائكة المنقسمون إلى الكنائس العليا الثلاثة بطغماتهم التسع : 

فالكاروبيم والسرافيم ، والكراسي هم الكنيسة الأولى وهي تشير غلى البطاركة والمطرافوليطين والأساقفة ، والكنيسة الثانية اي القوات والسادات والسلاطين هم الكهنة والشمامسة والرهبان ، أما الكنيسة الثالثة أي الرؤساء ورؤساء الملائكة والملائكة فهم الرسائليون والقارئون والمؤمنون ، والأضواء التي في القنكي هي بمثابة الأشعة الإلهية والمعرفة السميا التي فيها تتلألأ وتستنير طغمات الروحانيين كلها . أما المبخرة التي يطوف بها الكهنة بين الصفوف من الأولين إلى المتوسطين ومنهم إلى الأخيرين فتشير إلى تلقي الأمور العتيدة والضرورية الخاصة بالعناية الإلهية ، والتي يقتبلها الملائكة بالمعرفة التي يتلقاها الواحد من الآخر. ومثل العطور التي تفوح رائحتها من هياكلنا المقدسة ، هكذا هي عنهم معرفة الأمور العتيدة وإعلان الأمور الخفية ، مع النعيم والفرح اللذين يأتيانهم من هناك . وإجتماعنا في الكنيسة يشير إلى الأجتماع العام أمام وجه الرب في أعلى الأعالي ، وصفوفنا المتقابلة والصلاة التي ترتل في جوقتين ، ترمز إلى صوت الملائكة الذين ينادي بعضهم بعضاً قائلين ” قدوس قدوس قدوس الرب القوي …”  

 من منظر هذه الأمور التي تجري أمام عيني ، يا صفي المسيح ، أرتفع إلى كنائس الروحانيين غير المجسمة ، فأنسى نفسي وأجتاز بالتأمل الذي  أستخلصه من هذه الأمور إلى المثال الذي يطوف في عقلي عن الأمور التي تفوق العالم ، ولأجل هذا فإني أمتنع مراراً عديدة عن الدخول إلى الهيكل المقدس في أيام إجتماع الأعياد المقدسة ، وإني إذ أتنعم بهذه اللذة كل أحد ، فلئلا يظنني الناس ثملاً ، وأكون بالفكر والمعرفة بعيداً عما يجري ويحتفل به ، أمكث في صومعتي لكي لا أظهر بهذا المنظر ) . 

  يا لعقل القديسين الطاهر ! فقد أحكم الرب حينما أعطى الطوبى قائلاً : ( طوبى لأنقياء القلوب فأنهم يعاينون الله) ” مت 8:5 ” وكذلك ( إذا أحبني أحد ، حفظ كلامي فأحَبّهُ أبي ونأتي إليه فنجعل لنا عنده مقاماً ) ” يو 23:14 . 

إلى اللقاء في مقال آخر للقديس مار نرساي ، عنوانه ( عجائب وأعمال مار نرساي وختام حياته ) . 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!