مقالات

هل يؤخذ الناخب بجريرة المرشح؟

1. ان الشرع والقانون يؤكد على ان المرء لا يؤخذ بجريرة غيره، أي بذنب غيره، وهذا ما ورد في قوله تعالى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) (وكل نفس بما كسبت رهينة) ومصداقهما ماورد وفي الحديث الشريف (لا يُؤخذُ الرجلُ بجريرةِ أبيه ولا بجريرةِ أخيه)، اما في الدستور العراقي فانه اكد على ان العقوبة شخصية ولا يجب ان تطال غير مرتكب الاثم وعلى وفق ما ورد في المادة (19/ثامناً)،
لكن لكل مخالفة جزاء، يتحمله مرتكب تلك المخالفة، والمخالفة يقصد بها مخالفة القانون والتشريعات واللوائح القانونية، ويتحمل مرتكب هذه المخالفة الجزاء المترتب عليها، ولا يجوز ان يتعدى الجزاء الى غيره، وسواء كانت المخالفة ترتقي الى الاثم الجنائي او تبقى في حدود الاثم الإداري، او مخالفة التعليمات واللوائح الأخرى، ومثال ذلك المتعلق بعنوان هذه المادة هو مخالفة المرشح للانتخابات النيابية او المحلية اللوائح والتشريعات فانه يتحمل جزاء هذه المخالفة بالاستبعاد عن سباق الترشيح،
2. لكن متى يستبعد هذا المرشح هل قبل اجراء السباق الانتخابي ام بعد اتمامه؟، نرى ومن خلال نص المادة (7) من قانون الانتخابات رقم 12 لسنة 2018 ، بوجوب توفر عدة شروط حتى يقبل ترشح المرشح للانتخابات، وفي المادة (8/ اولاً) من قانون الانتخابات قد اشترطت عرض سيرة المرشح على عدة جهات رسمية لتدقيق المعلومات التي تقدم بها وعلى وفق النص الاتي (أولاً :- ترسل المفوضية قوائم بأسماء المرشحين إلى وزارات ( التعليم العالي والبحث العلمي ، الدفاع ، الداخلية ، التربية ) والهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة وهيئة النزاهة والأجهزة الأمنية الأخرى ومنظومة الدفاع الوطني كلاً حسب اختصاصه للبت فيها خلال ( 15 ) خمسة عشر يوماً من تاريخ استلامها)، ثم تعرض أسماء المرشحين بعد تدقيقها وتوفرها على شروط الترشح على مجلس المفوضية للمصادقة عليها وعلى وفق الفقرة (ثانياً) من المادة (8) من قانون الانتخابات التي جاء فيها الاتي (يخضع المرشحون لمصادقة المفوضية) على وفق اختصاص المفوضية الوارد في المادة (10/ثالثاً) من قانون المفوضية المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019،
لذلك فان المرشح الذي أعلن عن قبول ترشحه يكون قد استوفى كل الشروط، ومرر على جميع مراحل التدقيق ثم تمت المصادقة على صحة ترشحه من قبل مجلس المفوضين المكون من القضاة المنتدبين للعمل في المفوضية، وهذا هو عنصر الاطمئنان للناخب عند اختياره للمرشح الذي يمثله،
3. ان حق الناخب في المشاركة بالانتخابات واختيار من يمثله بكل حرية هو حق ثابت بموجب الدستور والقانون، وعلى وفق ما ورد في المادة (20) من الدستور وكذلك في نص المادة (4) من قانون الانتخابات رقم 12 لسنة 2018، والزم الدستور والقانون الدولة بتوفير المناخ الملائم لتميكن الناخب من ممارسة حقه في الانتخاب، بل الزمها بحماية هذا الحق من أي خرق كان وعلى وفق ما ورد في المادة (3) من قانون الانتخابات، ومن وسائل حماية حق الناخب هو الاطمئنان المتوفر لديه من خلال تدقيق أسماء المرشحين، ومدى توفرهم على الشروط المطلوبة، فان الناخب عندما يشارك فهو مطمئن الى انه سيختار من توفرت به الشروط، وهذا هو أساس الاختيار لأنه لو يعلم بعدم توفر تلك الشروط في المرشح فان لا ينتخبه ويذهب لاختيار المرشح المستوفي للشروط،
وحيث ان القانون حصر مهمة التدقيق بالمفوضية المستقلة للانتخابات حصراً ، وليس للناخب، فان مسؤولية الخطأ تقع على المفوضية ان ظهر لاحقاً، بان هذا المرشح لا يتوفر على الشروطـ، وبما ان لكل مخالفة جزاء ، فان لكل حق ما يقابله من انتفاع، بمعنى ان حق الناخب في اختيار المرشح والمقرر دستورياً يقابله الانتفاع بهذا الحق بان يكون صوته فاعل ويحسب عند جمع الأصوات للمرشحين، ولا يجوز حجب صوته، الا اذا كان الناخب هو من ارتكب المخالفة، لذلك فان الدستور والقانون يمنع اهدار صوت الناخب لان في ذلك حرمانه من ممارسة حق الدستوري،
4. ان أساس الترشح بموجب القانون النافذ هو القائمة الانتخابية وليس الانتخاب الفردي وهذا ما ورد في المادة (1) من قانون الانتخابات فإنها إشارة الى القائمة المفتوحة والقائمة المنفردة، وليس الى الترشح الفردي،
بمعنى ان من يترشح بمفرده فانه يعامل على انه قائمة مستقلة منفردة، وعلى وفق احكام المادة (9) من قانون الانتخابات التي جاء فيها الاتي (يكون الترشيح وفقاً لنظام القائمة المفتوحة ويحق للناخب التصويت للقائمة أو للقائمة واحد المرشحين فيها , كما يجوز انتخاب القائمة المنفردة) والاساس في ذلك ان العملية الانتخابية قد تم تصميمها على أساس القوائم، وما يؤكد هذا القول ما ورد في المادة (12/اولاً) من قانون الانتخابات، حيث جعلت احتساب الأصوات للقوائم وليس للافراد وعلى وفق الاتي )تقسم الأصوات الصحيحة لكل قائمة على الأعداد التسلسلية (1,7 ، 3 ، 5 ،7 ، 9 … الخ) وبعدد مقاعد الدائرة الانتخابية ويتم اختيار أعلى النواتج حتى استنفاد جميع مقاعد الدائرة الانتخابية)، ثم يأتي لاحقاً ترتيب أسماء المرشحين الفائزين داخل القائمة الواحدة وعلى وفق ما ورد في المادة (12/ثانياً) من قانون الانتخابات التي جاء فيها الاتي (توزع المقاعد على مرشحي القائمة ويعاد ترتيب المرشحين استناداً لعدد الاصوات التي يحصل عليها المرشح ويكون الفائز الأول هو من يحصل على اكثر عدد من الاصوات ضمن القائمة المفتوحة وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين على ان تكون امرأة بعد نهاية كل ثلاثة فائزين بغض النظر عن الفائزين مـن الرجال.)
5. الخلاصة: من خلال ما تقدم أرى الاتي:
1. نجد ان أسماء المرشحين المصادق عليهم اصولياً، قد اكتسب مركز قانونياً لا يجوز المساس به، اذا ما استنفذ كل الاليات التي رسمها القانون بما فيها حق الطعن في صحة الترشح، حيث ان المراكز القانونية تكون ثابتة لمن تمت المصادقة على ترشحه، واذا ما وجد خطأ كان للمرشح دور فيه فانه هو من يتحمل هذا الوزر، او عندما يرتكب مخالفة توجب حرمانه من الأصوات التي حصل عليها والتي وردت على سبيل الحصر في المادة (43/ثانياً) من قانون الانتخابات التي جاء فيها الاتي (لمجلس المفوضية حرمان الحزب أو التنظيم السياسي أو الفرد المرشح بقائمة منفردة من الاصوات التي حصل عليها في المركز الانتخابي في حال اقترافه احدى الجرائم الانتخابية المنصوص عليها في البنود ( أولاً ) و(خامساً) و (سادساً) و(سابعاً ) من المادة (37) والمادة (38) من هذا القانون ) بمعنى فقط اذا ادين المرشح باي عقوبةعن الجرائم الانتخابية الواردة في الفقرات والمواد أعلاه، ولا يجوز في عير تلك الحالة حجب الأصوات عن القائمة مطلقاً،
2. ان الناخب أصلا له حق التصويت للقائمة دون أي إشارة الى مرشح فيها، وعلى وفق ما ورد في المادة (9) من قانون الانتخابات التي جاء فيها الاتي (يكون الترشيح وفقاً لنظام القائمة المفتوحة ويحق للناخب التصويت للقائمة أو للقائمة واحد المرشحين فيها، كما يجوز انتخاب القائمة المنفردة)، حيث جعل الأصل في التصويت للقائمة وليس للمرشح، لان القانون والعملية الانتخابية صممت اصلاً على أساس نظام القوائم الانتخابية وليس على الانتخاب الفردي،، ويلاحظ من نص المادة (9) أعلاه بان المشرع منح حقاً ثانوياً وليس رئيسياً في التصويت للمرشح مقروناً بالتصويت للقائمة، بمعنى يجوز التصويت للقائمة فقط، بينما لا يجوز التصويت للمرشح الفردي فقط، وانما لابد من التصويت اولاً للقائمة ومن ثم للمرشح،
3. لذلك اذا ما حصل خلل في ترشح أي مرشح فان هذا لا ينعكس على صوت الناخب ولا يجوز حجبه اطلاقاً وانما يبقى لمصلحة القائمة التي صوت لها، ويوجد أساس قانوني وفقهي لهذه الحالة بمعنى ان اذا ما وجد جزء باطل فانه لا يتعدى الى الأجزاء الصحيحة وانما يستبعد هذا الجزء الباطل، اذا لم يؤثر على التصرف بمجمله، وهذا على فرض وجود حواز لمنع المرشح بعد اكمال عملية المصادقة على ترشحه، وعلى ذات الفرض بوجود جواز منع المرشح بعد المصادقة على ترشحه، فان أي خطأ قد حصل في عملية المصادقة، لا يتحمل وزره الناخب، لأنه لم يكن طرفاً في تدقيق عملية الترشح، ويجب ان لا يتحمل عبء أخطاء الغير مهما كانت الأسباب،
4. لكن وجدنا في الاجتهاد القضائي مسار مغاير لما تم عرضه في أعلاه، حيث قضت الهيئة القضائية الانتخابية الموقر بحرمان الناخب من حقه في التصويت عندما جعلت من عدم توفر الشروط في المرشح سبباً لحذا الأصوات من القائمة وعدم احتسابها، وعلى وفق ما ورد في قرارها العدد 67/الهيئة القضائية للانتخابات/2023 في 7/1/2024.
قاضٍ متقاعد

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!