دراسة تربط متغيرات وراثية نادرة باستخدام اليد اليسرى

كشفت دراسة حديثة عن أدلة جديدة تشير إلى أن المتغيرات الجينية النادرة تلعب دورا مهما في تفضيل استخدام اليد اليسرى.

وتلقي الدراسة، التي نشرت يوم الثلاثاء في مجلة Nature: Genetics، الضوء على الأساس الجيني المعقد لاستخدام إحدى اليدين وارتباطاته المحتملة باضطرابات النمو العصبي.

وبالاعتماد على البيانات الجينية التي تم جمعها من حوالي 350 ألف شخص، كشفت الدراسة عن أدلة تشير إلى أن المتغيرات النادرة في التشفير تلعب دورًا مهمًا في تحديد استخدام اليد اليسرى.

تتحدى هذه النتائج الافتراضات القديمة حول العوامل البيئية التي تؤثر على استخدام إحدى اليدين، وتوفر رؤى جديدة حول تطور عدم تناسق الدماغ.

“متغيرات الترميز النادرة”

لقد أثار استخدام إحدى اليدين، وهو انعكاس للتخصص في نصف الكرة الغربي، اهتمام العلماء منذ فترة طويلة. بسبب انتشاره بين البشر وارتباطه بالعديد من الحالات العصبية.

في حين أن دراسات الارتباط السابقة على مستوى الجينوم حددت التأثيرات الجينية الشائعة على استخدام إحدى اليدين، فإن هذه الدراسة الجديدة تتعمق أكثر في دور متغيرات التشفير النادرة، تلك التي يقل تكرارها عن 1%.

من خلال تحليل بيانات الجينوم لحوالي 38000 شخص أعسر و313000 شخص يستخدمون اليد اليمنى، حدد الباحثون ارتباطًا مذهلاً بين متغيرات التشفير النادرة في الجين المعروف باسم TUBB4B واليد اليسرى.

تم العثور على هذه المتغيرات بنسبة 2.7 مرة أكثر في الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى مقارنة بنظرائهم الذين يستخدمون اليد اليمنى.

وقد أظهرت الدراسات السابقة أن العوامل الوراثية، إلى جانب العوامل البيئية والثقافية والاجتماعية؛ إنه يلعب دورًا في استخدام اليد اليسرى، وتشير الأبحاث إلى أن استخدام اليد اليسرى يميل إلى الانتشار في العائلات، مما يشير إلى وجود مكون وراثي لاستخدام اليد اليسرى، لكن الجينات المحددة المعنية ودورها الدقيق في تحديد استخدام اليد اليسرى لا تزال قيد الدراسة.

يرتبط التحكم باليد ارتباطًا وثيقًا بعدم تناسق الدماغ، خاصة في المناطق المسؤولة عن التحكم الحركي ومعالجة اللغة. قد تؤثر الاختلافات في تطور مناطق الدماغ هذه على استخدام إحدى اليدين. على سبيل المثال، وجدت بعض الدراسات اختلافات في بنية ووظيفة نصفي الكرة المخية بين الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى والأشخاص الذين يستخدمون اليد اليمنى.

ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة، كلايد فرانكس، الذي يقود مجموعة أبحاث علم الجينوم التصويري في معهد ماكس بلانك في هولندا، إن العلماء يعرفون أن نصفي الكرة المخية يبدأان بالفعل في التطور بشكل مختلف في الجنين البشري، لكن الآلية غير معروفة.

وأوضح لـ«الشرق» أن العثور على جينات مرتبطة بعدم تناسق الدماغ أو سلوكه، مثل استخدام يد واحدة، يمكن أن يوفر بعض الأدلة.

ما هو الجين TUBB4B؟

يقوم هذا الجين بتشفير بروتين خلوي من عائلة تعرف باسم عائلة توبولين، وهي اللبنات الأساسية للأنابيب الدقيقة، وهي هياكل خيطية داخل الخلايا تلعب أدوارًا حاسمة في العمليات الخلوية المختلفة.

عند الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى؛ ويحتوي ذلك الجين على تغيرات في تسلسل الحمض النووي، أي ترتيب الحروف التي يتكون منها الحمض النووي، وبالتالي تؤدي إلى اختلافات في البروتين المقابل الذي ينتجه الجين.

إن وجود متغيرات تشفير نادرة يعني أن بعض الطفرات أو التغيرات الجينية داخل هذا الجين قد تترافق مع زيادة احتمال استخدام اليد اليسرى. لا توجد هذه المتغيرات النادرة بشكل شائع في عموم السكان وقد تمثل خصائص وراثية فريدة موجودة لدى الأفراد الذين يستخدمون اليد اليسرى.

وقال فرانكس لـ«الشرق» إن المتغيرات في جين TUBB4B تغير بنية البروتين المدمج في الأنابيب الدقيقة. والذي بدوره يغير الطريقة التي يتحكم بها في أشكال الخلايا وحركاتها. “وهذا يعني أن الأنابيب الدقيقة تشارك في خلق عدم تناسق طبيعي في الدماغ، مثل هيمنة اللغة في النصف الأيسر والتحكم في اليد.”

متى يحدث التغيير؟

يقول فرانكس أن التغيير يحدث في الدماغ الجنيني. قد تساعد الأنابيب الدقيقة في تكوين الأجزاء اليمنى واليسرى من الدماغ، من خلال منح بعض الخلايا نموًا غير متماثل في مرحلة معينة.

قد تؤدي الأنابيب الدقيقة داخل الأهداب، وهي نتوءات من سطح الخلية مدعومة بالأنابيب الدقيقة، إلى حركات غير متناظرة وتدفق السوائل إلى الدماغ أثناء تشكلها. يوضح فرانكس: “يمكننا ببساطة أن نقول إن الشخص الأعسر يولد أعسر، وهو ما يتحدى العديد من الدراسات السابقة المتعلقة بالعوامل البيئية”. إن وسائل التواصل الاجتماعي تعطي وزنا أكبر من حجمها في تفضيل استخدام اليد اليسرى.

يفضل 90% من الأشخاص استخدام يدهم اليمنى، وهو ما يتضح بالفعل في حركات الأجنة التي لم تولد بعد كما يتضح من عمليات المسح بالموجات فوق الصوتية، ويقول فرانكس إنه من المحتمل أن يكون استخدام اليد اليمنى هو النتيجة الافتراضية لنمو الدماغ المبكر كما تم تشفيره بواسطة علم الجينوم، وبالنسبة للأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى، فإن السؤال هو ما الذي يجعل عدم تناسق الدماغ يتطور بشكل مختلف عما يحدث عند معظم الناس.

وبغض النظر عن بلد الميلاد، فإن استخدام اليد مرتبط بالتراث الثقافي، “فإن استخدام اليد اليسرى لا يرتبط إلا بشكل ضعيف بالعوامل البيئية أو عوامل الحياة المبكرة التي تمت دراستها حتى الآن مثل التوأمة، والرضاعة الطبيعية، والمشاكل الطبية المتعلقة بالولادة”، وفقا للتقرير. المؤلف الرئيسي للدراسة. .

ويعتقد فرانكس أن معظم حالات استخدام اليد اليسرى تحدث ببساطة بسبب الاختلاف العشوائي أثناء نمو الدماغ الجنيني، دون تأثيرات وراثية أو بيئية محددة، ويضيف: “على سبيل المثال، التقلبات العشوائية في تركيزات جزيئات معينة خلال المراحل الرئيسية لتكوين الدماغ”.

أهداف البحث

بدأ فرانكس العمل على عدم تناسق الدماغ وعلاقته بالاستخدام باليد اليسرى منذ حوالي 25 عامًا. ويقول إن هذا العمل له آثار أوسع في مجال الطب النفسي، وقد يؤثر على فهم آليات اختلاف الدماغ وكيفية تأثيرها على القابلية للإصابة بأمراض الدماغ.

وأوضح أن “أحد الأهداف المهمة لهذا المجال هو تقسيم التشخيصات العامة، مثل مرض التوحد، والتي تعتمد على السمات السلوكية، إلى عدد من التشخيصات المختلفة التي تعتمد بشكل أكبر على أسباب بيولوجية؛ وبالتالي تحديد مجموعة فرعية من الأشخاص المصابين الذين يعانون من مشاكل تنموية”. التغيير يمثل عدم التماثل.” “إن ميزة دماغهم ستكون بمثابة مساهمة في تحقيق هذا الهدف.”

يؤكد فرانكس على أن هناك أيضًا بعض الارتباط المحتمل بالطب النفسي، حيث أن استخدام اليد اليسرى أكثر شيوعًا في حالات التوحد والفصام مقارنة بعامة السكان، لذا فإن عدم تناسق الدماغ المتغير الناتج عن المتغيرات الجينية قد يميز مجموعة فرعية من الأشخاص المصابين، كما هو الحال مع الطب النفسي. “من الواضح أن معظم الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى لا يعانون من التوحد أو الفصام.”

ولذلك؛ لن تؤدي النتائج إلى تعزيز فهم الأساس الجيني لاستخدام إحدى اليدين فحسب، بل ستفتح أيضًا طرقًا جديدة لاستكشاف التفاعل المعقد بين علم الوراثة، وعدم تناسق الدماغ، واضطرابات النمو العصبي.