فرصة لصناعة السلم في سوريا
فرصة لصناعة السلم في سوريا
المناصب ليست غنيمة. الغنيمة الوحيدة في سوريا هي الحرية والتخلص من الطغيان. ما تحتاجه سوريا هو رمز يلتف حوله الجميع وحكومة تكنوقراط لم يسبق لأعضائها أن تلوثوا بوحل السياسة.
أمام الشرع فرصة لصناعة التاريخ، هل يستفيد منها
صناعة السلم ليست أمرا سهلا.. هي أكثر صعوبة من صناعة الحرب. والصعوبة تتضاعف في بلد منكوب مثل سوريا.
رغم ذلك، هناك فرصة لصناعة السلم ليس فقط في سوريا بل في المنطقة، مع ما أبدته دول عربية وجهات دولية من استعداد لتقديم الدعم لسوريا ومساعدتها على الخروج من دمار خلفه إرث 61 عاما من حكم البعث. البداية بقوافل شاحنات وجسر جوي نقل آلاف الأطنان من المواد الغذائية والصحية أرسلتها السعودية، وسفينتين لتوليد الكهرباء أرسلتهما تركيا وقطر.
بالنسبة لبلد يعيش سكانه في الظلمة 22 ساعة يوميا، يعتبر تحدي توفير الكهرباء مقياسا للحكم على التغيير وعلى الإدارة الجديدة التي يقودها أحمد الشرع.
الشيء الوحيد الذي قد يقف بين قائد الإدارة الجديدة ورفاقه وبين صناعة تاريخ جديد لسوريا هو شهوة الحكم.
◄ يجب أن تلتزم جميع الأطراف المشاركة بالعملية التفاوضية وما يصدر عن المؤتمر من توصيات وقرارات ملزمة
منذ الأيام الأولى لسقوط النظام السوري قلت إنني على استعداد للتصويت لأحمد الشرع في حال رشح نفسه لمنصب الرئيس في سوريا. وكنت، ضمنيا أتمنى أن لا يقدم على مثل تلك الخطوة، حتى لا يقال إن كل ما فعله من أجل الوصول إلى كرسي الحكم.
المناصب ليست غنيمة، الغنيمة الوحيدة في سوريا هي الحرية والتخلص من الطغيان. ما تحتاجه سوريا هو رمز يتغير كل أربع أو خمس سنوات يلتف حوله الجميع، وحكومة تكنوقراط لم يسبق لأعضائها أن تلوثوا بوحل السياسة.
بعد شهر على تحرير دمشق، تبدو الجهود التي تبذلها الإدارة السورية الجديدة مشجعة، رغم الصعوبات والمخاطر التي تحف بها، حتى لو كانت الإدارة السورية الجديدة من لون واحد، على أن يكون هذا حلا مؤقتا إلى حين الانتهاء من جلسات مؤتمر الحوار الوطني، التي يتوقع لها الاستمرار لمدة ثلاث سنوات. نجاح المرحلة مشروط بوضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ومرهون بشراكة حقيقية بين الداخل السوري والخارج، خصوصا من الجانب العربي، الذي عليه أن لا يبخل في تقديم الدعم لسوريا، وفي نفس الوقت أن يلعب دور صمام الأمان، أو جهاز إنذار يحذر من أي انحرافات تصدر عن الإدارة المؤقتة.
لا نستطيع أن نحاسب الناس على ما يضمرونه، ولا على الوعود التي يطلقونها. العالم كله، ليس فقط السوريون، ينتظر الأفعال قبل إطلاق الأحكام. المنتقدون للإدارة الجديدة حتى الآن يبررون موقفهم بالقول إن هذه الإدارة تقول ما لا تضمر.
رهان التغيير لن يقتصر على العامل الداخلي، هناك عوامل عديدة ستؤثر على القرارات التي تتخذ مستقبلا. لا تستطيع أي حكومة أن تبني جدارا تعزل فيه نفسها عن العالم، يمكن أن يحدث ذلك في دول تقع خارج مناطق التأثير العميق بمحيطها، ولكن بالتأكيد ليس في منطقة إستراتيجية مثل المنطقة التي تقع فيها سوريا.
لم تستطع الصين رغم تعداد سكانها ومساحتها الهائلة أن تصمد وراء جدار معنوي جرى تسويقه باسم “الثورة الثقافية البروليتارية العظمى”، ولم يبق من النظام الشيوعي سوى الاسم، في الصين اليوم عدد من أصحاب المليارات يفوق عددهم في عموم الدول الأوروبية مجتمعة.
◄ سوريا ستجتاز هذا المخاض العسير، في حال أدرك الجميع استحالة العيش بمعزل عن العالم الجديد، وفي حال لم ينظر أي طرف إلى الحكم كغنيمة يمكن الفوز بها
إذا كانت الصين قد فشلت في تجاهل شروط العالم الجديد، هل يمكن لدولة صغيرة مثل سوريا بموقعها الإستراتيجي الهام تجاهل مثل هذه الشروط. قرار واحد يصدر عن الإدارة الأميركية سيعيدها إلى العصر الحجري. لا أعتقد أن الشرع ورفاقه تفوتهم مثل هذه الحقيقة. كل التصريحات التي أدلوا بها تثبت أنهم قراء جيدون لما يدور حولهم. حتى عندما تصدر زلّة لسان عن أحدهم، يسارع الجميع إلى تصويب الخطأ وترميم ما نجم عنه من أضرار.
لدى الإدارة الجديدة تجارب تتعلم منها، تجنبها تكرار الأخطاء التي أدت إلى انتهاء نظام البعث الذي أعاد سوريا إلى العصر الحجري وحوّلها إلى دولة رعب وكبتاغون، ليجد بشار الأسد نفسه معزولا، أكثر ما يمكن أن يقدمه له حلفاؤه هو مكان يختبئ فيه بعيدا عن نظرات الاحتقار والملاحقة القضائية عمّا ارتكبه من جرائم.
الدرس الأهم الذي يجب أن يأخذ به الشرع هو دول الخليج، الداعم الرئيسي الذي يقدم المساعدات للشعب السوري دون تردد. هذه الدول مشغولة اليوم بأمر واحد هو أن تحيا بسلام وتسامح مع نفسها ومع جيرانها ومع العالم. نظرة واحدة إلى دولة الإمارات وإلى المملكة العربية السعودية تكفي لتوضح في أي اتجاه تسير تلك الدول. وهي بعد الجهود التي بذلتها للتصدي لتيارات الإسلام السياسي، لن ترضى بوجود دولة ترعى هذه التيارات على بعد خطوات منها.
يجب أيضا أن لا ننسى العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الإدارة الأميركية والتي جددت بعد سقوط نظام الأسد لخمس سنوات إضافية.
في اللحظة التي يفكر فيها الشرع ورفاقه باحتكار الحكم وفرض الشكل الذي سيكون عليه، سينفض عنهم الجميع.
رغم ذلك، يجب أن نحذر إطلاق الأحكام المسبقة. علينا أن ننتظر ونرى.
مضى شهر على استلام الإدارة الجديدة في سوريا مهامها، وهي فترة زمنية بسيطة بكل المقاييس. ولن نكون موضوعيين إذا تحدثنا عن بطء في الدعوة إلى مؤتمر الحوار الوطني، خاصة في ظل الأوضاع الاستثنائية التي شهدتها البلاد، ووجود أعداد كبيرة من السوريين خارج سوريا.
العمل جار على تشكيل لجنة تحضيرية لتنظيم الدعوات وتفاصيل جلسات المؤتمر وموعده، وهي لجنة يجب أن لا تشكل على عجل لتكون مقبولة من الجميع. وتدور في الظل والعلن نقاشات مستمرة بين كل مكونات الشعب السوري، ويتوقع أن يتجاوز عدد المشاركين الألف وقد يصل إلى 1200 مشارك. ترتيب كل هذا يحتاج إلى جهد كبير وصبر أكبر.
◄ هناك فرصة لصناعة السلم ليس فقط في سوريا بل في المنطقة، مع ما أبدته دول عربية وجهات دولية من استعداد لتقديم الدعم لسوريا ومساعدتها على الخروج من دمار خلفه إرث 61 عاما من حكم البعث
من المواضيع التي ستطرح خلال المؤتمر حل هيئة تحرير الشام وضم الفصائل المسلحة إلى وزارة الدفاع، بالإضافة إلى مناقشة مسألة الدستور والانتخابات. وهناك حرص كبير على أن تكون كافة مكونات المجتمع السوري ممثلة في المؤتمر، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمجلس الوطني الكردي. ويهدف المؤتمر إلى تشكيل مجلس استشاري يُمنح الصفة التشريعية ويشرف على عمل الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى صياغة الدستور وإقراره.
السؤال الأهم هو هل يخرج المؤتمر بحلول يقبل بها جميع السوريين؟
هذا يعتمد على عدة شروط، منها شمولية التمثيل؛ يجب أن يعكس المؤتمر تعددية المجتمع السوري وقواه ومكوناته، وأن يسهم في إقامة حوار حقيقي حول مشكلات البلاد خلال المرحلة الانتقالية. ويجب أن تلتزم جميع الأطراف المشاركة بالعملية التفاوضية وما يصدر عن المؤتمر من توصيات وقرارات ملزمة. ومن المؤكد أن للدعم الدولي والعربي دورا في تعزيز فرص نجاح المؤتمر.
من الصعب تحديد المدة الزمنية التي سيستغرقها المؤتمر لتحقيق حلول مقبولة للجميع، يتوقف ذلك على تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي في سوريا ومدى تعاون الأطراف المختلفة. ولكن، حتى يحين الوقت، يجب أن نحذر الأفكار المضللة التي تهدف إلى الإيقاع بين السوريين وتعطيل الوصول إلى حل شامل يتيح للسوريين فرصة النهوض ببلدهم.
ستجتاز سوريا هذا المخاض العسير، في حال أدرك الجميع استحالة العيش بمعزل عن العالم الجديد، وفي حال لم ينظر أي طرف إلى الحكم كغنيمة يمكن الفوز بها.
علي قاسم
كاتب سوري مقيم في تونس
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.