مقالات سياسية

مسلسل الفساد لسفير العراق في نيويورك

د. رياض السندي

د. رياض السندي

على هامش استجواب وزير الخارجية

مسلسل الفساد لسفير العراق في نيويورك

قبل أيام من موعد إستجوب وزير الخارجية ابراهيم الجعفري أمام البرلمان العراقي عن سلسلة من الفضائح التي عصفت بأغلبية السفارات العراقية في الخارج، تطفو على السطح سلسلة فضائح جديدة بدأت تتكشف خيوطها شيئاً فشيئاً تتعلق بسفير العراق لدى الامم المتحدة في نيويورك محمد علي الحكيم (أمريكي الجنسية). وقبل الدخول في تفاصيل هذه الفضائح، تجدر الاشارة الى سيرة هذا السفير بنبذة مختصرة.
دخل محمد علي الحكيم العراق بصحبة الحاكم المدني للعراق بول بريمر السيء الصيت في حزيران 2003. فقد كان أحد العراقيين الذين أهلتهم المخابرات الامريكية لحكم العراق. وهو في الاصل من محافظة النجف ، تخرج من كلية الهندسة في بغداد، وذهب الى لندن للدراسة، ثم إنتقل الى الولايات المتحدة ليقيم في كاليفورنيا ثم ينتقل الى مدينة بوسطن للعمل لدى شركة بوسطن للتكنولوجيا. تزوج من أمريكية من أصل ايطالي وانجب منها ابناَ واحدا يقيم في الولايات المتحدة يحمل اسمين الاول اسماً المانيا والثاني اسما عربيا شيعيا، سرعان ما انتهى الزواج بالطلاق. لا يجيد العربية ولكنه يتقن الانكليزية. لذا لم يستطع نشر سيرته الذاتية بالعربية بل وضع على موقع السفارة الرسمي سيرته بالانكليزية فقط ، وتجنب الاشارة الى حالته الاجتماعية، في حين قدم لوزارة الخارجية سيرة مختلفة ذكر في حقل الحالة الاجتماعية بانه (متزوج)، وهذه هي نصف الحقيقة ، القصد منها إخفاء النصف الآخر منها.
ولكشف الحقائق كاملة لازالة الخداع الذي أتقن صنعه في هوليوود لخداع الشعب العراقي البسيط، فإننا سنناقش ذلك بكل شفافية وموضوعية، لبيان جملة المخالفات القانونية التي يقوم بها هذا السفير الذي يفترض به أن يمثل العراق خير تمثيل. وكما يلي:-
أولا. إن سيرة هذا السفير تثبت إنه من مواليد عام (1952)، اي ان عمره الان قد تجاوز 65 سنة (إذا صح إداءه) علما لم يشر الى التاريخ الدقيق موضحاً باليوم والشهر. وكان المفروض ان يحال على التقاعد، لان المادة (10) أولا من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 النافذ تنص على :” تتحتم إحالة الموظف على التقاعد في إحدى الحالتين الاتيتين: عند إكماله (63) الثالثة والستين من العمر وهي السن القانونية للإحالة على التقاعد بغض النظر عن خدمته ما لم ينص القانون على خلاف ذلك”. وعلى من ان المذكور ليس له اية خدمة جهادية ليجري له التمديد لخمس سنوات أخرى، الا ان الوزارة قد مددت له ذلك مؤخرا، وإعتبارا من تاريخ التحاقه بمهام عمله في نيويورك، لا من تاريخ مباشرته في جنيف كسفير، في خدعة مفضوحة، وكانما أن خدمته هناك لم تكن خدمة رسمية متواصلة.
وهذه هي أول مخالفة قانونية لهذا السفير.
ثانياً. عينته سلطات الاحتلال وزيراً للاتصالات لفترة ستة أشهر عام 2004، باعتباره سبق العمل في شركة للاتصالات، لذا فقد نقل اسلوب المراقبة والتجسس الى كل مجالات عمله. وكان يسجل لقاءاته واجتماعاته الدبلوماسية حتى مع الجامعة العربية والسفراء الاجانب بجهاز تسجيل صغير مخفي.
ثالثاً. انتقل الى وزارة الخارجية بدرجة سفير وعيّن مدير لدائرة التخطيط السياسي عام 2006.
رابعاً. نقل الى جنيف في نيسان 2010، ممثلا للعراق في الامم المتحدة، واتذكر أول لقاء له مع موظفي البعثة قال فيها: انا درست في بريطانيا،وكانت ايام صعبة، جعت فيها كثيراً، وكنت لا اتناول اي طعام تماما في العشرة ايام الاخيرة من الشهر، لان الراتب لا يكفي. فسألته إحدى المستخدمات المحليات، كيف يمكن تحمل عشرة ايام دون طعام. فأجاب: يعني كنت اكل قطعة كعك او بسكت أو كرواسان فقط كل يوم.
وهذا الجائع الذي حدثنا عن قسوة جوعه، ظّل طيلة ثلاث سنوات لا ياكل غير السوشي الياباني على حساب الدولة. ومازال حتى الان يتغدى على حساب هذا الشعب المسكين الذي عليه أن يطالبه لاحقاً بكل هذه الامتيازات التي ليس لها اي أساس قانوني.
وهذه واحدة من ابسط مخالفاته الاخرى في سلسلة من المفاسد الادارية التي لها اول وليس لها آخر يقوم بها هذا الاجنبي الذي فقد ولاءه العراقي لبلد إحتضنه وأكرمه، الا انه رد على كرم العراق بلؤم وكراهية وحقد لا مثيل لهما.
خامسا. في جنيف مارس دوره السيء المعتاد في الانتقام من الدبلوماسيين السنة وكتب ضدهم فنقلهم الى ابعد الدول، حيث نقل السكرتير أول بشار صالح ابراهيم الى السنغال، وم يمضي على نقله الى جنيف سنة واحدة، لا بل ان حقده دفعه الى أن ينقل مدير الادارة (عبد الرحمن نصيف) الى سوريا، وصدر الامر الوزاري بذلك، الا ان سفارة العراق في دمشق طلب عدم إرسال اي دبلوماسي اليها لخطورة الاوضاع هناك، فجرى تغيير أمر النقل الى أذربيجان. ولم يقتصر حقده على السنة فقط بل شمل الاقليات، وهذكذا ظل يحارب نائبه المسيحي (كاتب هذه السطور) الذي شعر بحجم الفساد في وزارة الخارجية وعدم القدرة على التغيير، فطلب اللجوء السياسي في سويسرا.
سادسا. من خلال سلسلة مقالات نشرها ألاخير (د. رياض السندي) في عدد من المواقع الالكترونية، أضافه لمطالعاته لكل من وكيل الوزارة انذاك والمفتش العام اللذان لم يحركا ساكنا تجاه واحدة من أشهر قضايا الفساد في عهده، وهي قضية شراء قطعة ارض لبناء مقر جديد لسفارة العراق هناك، والتي تم شراءها لاحقا بسعر يقدر ب (25) مليون دولار في حين ان سعرها الحقيقي هو (9) مليون دولار. ونظرا لان الكثير من المسؤولين في الوزارة كانوا من المشتركين في هذا العقد بحصص مختلفة فقد جرى غلق الموضوع. ويمكن الاطلاع على تفاصيل هذا العقد في مقالنا (باي باي … هوشيار) الذي تناقلته العديد من المواقع الالكترونية. وهذا أحد الروابط لذذلك.
( http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=515329).
سابعا. وعلى النقيض من ذلك، كان محمد علي الحكيم يغطي على معظم عقود الفساد في بعثة العراق في جنيف، ومنها قضية تهريب السجائر من بعض الدبلوماسيين والتي كشفت عنها سويسرا مؤخرا على موقعها الرسمي إنفو سويس بعنوان (غرامة مالية ثقيلة لموظفيْن بالبعثة العراقية بجنيف يهربان السجائر ويتاجران بها).
ثامنا. كان محمد علي الحكيم يخطط للبقاء في سويسرا، ونصحه أحد زملاءه العراقيين بالبقاء فيها لاربع سنوات كشرط للحصول على إقامة دائمة، الا ان الوزارة نقلت بعد مرور ثلاث سنوات لبقاءه في جنيف، ولكونه مواطن أمريكي، فلم يكن من الممكن نقله الى سفارة بلد هو أحد مواطنيها باستثناء النقل الى منظمة دولية، حيث لايعتبر ذلك تمثيلا لدى الدولة المضيفة.
وحتى في هذه المسألة، فقد تلاعب هذا السفير من خلال احتساب سفرته الى بغداد استقداما رسميا لتدفع له كل نفقات السفرة لمدة عشرة ايام اعتبارا من 31/3 ولغاية 9/4/2013 بحجة إستلام اوراق اعتماده للعمل في المنظمة الدولية (الامم المتحدة) في حين ان هذا التمثيل لايحتاج الى أوراق اعتماد بل الى مذكرة موجهة من وزير الخارجية فقط بخلاف الاعتماد لدى دولة معينة.وصدر الامر الوزاري بالعدد (3/ش/خ/3202/4051 والمؤرخ في 8/5/2013) أي بعد مرور أكثر من 38 يوما على ذلك السفر لتعويضه بشكل مخالف للقانون. علما ان الكتاب المذكور قد الغى أمراً وزاريا سابقا بعدم استقدامه بموجب كتاب الوزارة بالعدد (3/ش/خ/3202/2600 والمؤرخ في 24/3/2013).
وهذه مخالفة اخرى تضاف لرصيد هذا السفير.
تاسعا. سعى هذا السفير لهدم الكثير من القوانين العراقية ومنها قانون الجنسية العراقي النافذ عندما دعم مشروع أمريكي مقدم الى مجلس حقوق الانسان في جنيف يقضي بمنح الجنسية العراقية لكل أجنبي يولد على الاراضي العراقية بغض النظر عن جنسية والديه، رغم كل التحذيرات التي ابلغه بها كاتب هذه السطور والتي نشرتها لاحقا في مقال (سفير ضد الدولة التي يمثلها) والمنشور في عدة مواقع الكترونية.
عاشرا. قام بتوقيع عقد التأمين الصحي السيء الصيت لثلاث سنوات مع شركة إليانز ألايرلندية (Allianz) بمبلغ (2.018.465.21) مليونان وثمانية عشر الف وأربعمائة وخمسة وستون دولارا وواحد وعشرون سنتا. وجرى الصرف بموجب كتاب الدائرة المالية ح/4/43/1352م في 28/2/2013. وقد وقعه لعام 2012 في 13/10/2013 وبحضور محمد الحاج حمود مستشار وزير الخارجية هوشيار زيباري وراعي هذا العقد المشبوه. وقد الغي هذا العقد لاحقا بسبب الفساد الكبير الذي شاب هذا العقد، والذي بحاجة لدراسة مفصلة. وكان ذلك سببا في حرمان موظفي الوزارة من التأمين الصحي رغم صدور القانون بذلك.
احد عشر. كان المفتش العام يعلم تماما بكل الفساد الذي يثار حول هذا السفير، وقد قرر القيام بجولة تفتيشية للتحقيق في ذلك عدة مرات، الا انه كان في كل مرة يتوسط لالغاء تلك الجولات التفتيشية متباهيا أمام الموظفين بذلك وكيف انه كان يطمأن المحاسب دوماً على إن المفتش العام غير قادر على ذلك وإنه لن يأتي أبداً، ومنها الزيارة المقررة بموجب كتاب الوزارة المرقم 3/بعثات/1993 في 12/11/2011.
إثنا عشر. أحد العقود التي بدأت تطفو على السطح والتي بدأ بكشف خيوطها فريق من العراقيين الغيارى ونعرضه للمرة الاولى، ونرجو من وزير الخارجية والوكيل الاداري والقانوني للوزارة والمفتش العام فيها التحقيق فيه، الا وهو عقد إيجار شقة لسكن سفير العراق في نيويورك، فبعد نقله الى بعثة العراق لدى الامم المتحدة في جنيف وبعد قضاءه أكثر من خمسة أشهر في الفندق، استأجر بتاريخ شقة غير مؤثثة تتألف من غرفتي نوم فقط، ومساحتها (1,923ft2) في (721 Fifth Avenue, New York, NY, 10022) بإيجار شهري قدره (25000) خمسة وعشرون الف دولار. ويشير موقع الشركة المؤجرة الى إن سعر شقة بغرفتين يتراوح بين 13-15 الف فقط والعمارة هي أحد ابراج مرشح الرئاسة الاميركي دونالد ترامب، ويمكن الاطلاع على موقعها الالكتروني ومراسلة مدير الايجارات فيها ([email protected]). وقد إتضح إن الايجار الحقيقي لها هو (12000) إثنا عشر الف دولار فقط. وبالحساب المجرد البسيط فإن هناك هدراً شهرياً يقدر ب (13000) ثلاثة عشر الف دولار من اموال الدولة العراقية منذ أيلول 2013 حتى الان بعد مرور 36 شهراً، والتي يقدر إجمال الهدر في هذا العقد فقط (468,000,00) اربعمائة وثمانية وستون الف دولار.
إن مثل هذه الحقائق من شأنها أن تفسر تفشي الفساد في كل مرافق الدولىة العراقية، وتعطي تصوراً كاملا عن تقصير وزير الخارجية ودوائر الوزارة الاخرى وفي مقدمتها دائرة المفتش العام.
نأمل أن يضع نواب البرلمان العراقي هذه الحقائق نصب أعينهم وتوضع على طاولة المجلس أثناء إستجواب وزير الخارجية إبراهيم الجعفري الذي يعد سكوته عن كل هذه المخالفات القانونية والكثير غيرها إشتراكاً سلبياً فيها منذ توليه الوزارة في 8/9/2014 وحتى يومنا هذا.

د. رياض السندي
سويسرا
7 تشرين الاول 2016

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!