آراء متنوعة

‎فتى أحلامي

‎فاطمة العزاوي

‎وكأنه الأمسٍ القريب، تماما كأنني أجلس بتراخٍ أمام شاشة تلفاز يعرض فيلما من أفلام التسعينيات الجميلة، الساعة العاشرة موعد (إستكان )الشاي (المهَيل) الذي لا أحيد عنه حتى لو كنا في منتصف نهار لاهب! الإدمان الشهي الذي ورثته عن والدتي، ولا يمكن أن أستبدله بأي عصيرٍ مُثلج. !
‎فلا يمكن أبداً أن أنسى تأريخ تلك النظرة العميقة التي ماتزال راسخة في روحي، فهو أوّل لقاء من تدبير القدر، يوم خالد من أيام شهر تموز، أكثر من ثلاثين عاما مرّت كنت أعمل في محل لبيع الكتب والجرائد، دوامين صباحا ومساءً تفصلهما ثلاث ساعات استراحة فترة الظهيرة أترقب المارة وضجيج السيارات والوجوه التي تمرّ مسرعة فتبدو بلا ملامح!
‎في تلك الساعة يكون الشارع هادئا فالكلّ في الدوام أو المدارس والعمل. رسم القدر لي أصبوحة جميلة مع شايي المعتاد وقصة كقصص يوسف السباعي، التي أَعشقُها، تفاجأت بدخول شاب ثلاثيني يرتدي زيًا عسكريا برتبة ضابطٍ في الجيش على رأسه بيرية حمراء !
‎ _لماذا حمراء ؟
‎فيما بعد فهمت إنها لصنفٍ خاص في الجيش..، صوته هادئ واثق عينان خضراوان كأنهما عيون قط ساحر، طويل القامة حنطي البشرة
‎_ رباه ماهذا القدر ٠٠ يصلني ذلك الصوت الرخيم _ صباح الخير
‎ _أهلا صباح النور تفضل أستاذ؟
‎_ هل يمكنني الحصول على جريدة العراق وآخر إصدار من مجلة ألف باء ؟
‎_نعم جريدة العراق موجودة، يمكنك أن تأخذ عددا من (الستاند ) الموجود هناك، أما آخر عددٍ لألف باء فقد نفد للأسف، يمكنني أن أحجز لك نسخة من العدد القادم ان شاء الله
‎_شكرا عزيزتي سأتي الأسبوع القادم إذا سمح ظرفي وحصلت على إجازة ،
‎_ حسناً يمكنك الاشتراك شهريا في المجلة عندنا وهكذا تضمن الحصول على الأعداد كلّها، في المقابل أحسست بشعور غريب وراحة عجيبة ،
‎وانا أفكر بأني سأضمن رؤيته من جديد ٠٠
‎ خجل عارم وارتباك هائل سرى في عروقي ،
‎تمنيت أن لاتنتهي تلك الثواني..
‎أحسست أن الأرض تدور تحت قدميً ،ضربات قلبي لم تعد تستجيب لي، لكن لا أعرف كيف أتتني تلك القوة العجيبة أحاطتني بالسكينة والهدوء، جعلتني أستدرك خجلي وارتباكي أمامه لأردّ على سؤاله بينما كان هو يتصفح وجهي الذي في لحظتها، أخذ يتصببُّ عرقا وكأنه أول رجل في العالم أتى ليبتاع مني مجلة ألف باء
‎تلك اللحظات فقط فهمت جملة كنا نتداولها نحن البنات في مقتبل العمر، نذكرها كثيرا بمزاح نجدها في روايات الحب الجميلة، نحدث بها أنفسنا في أحلام اليقضة، ها هو فتى أحلامي ٠٠
‎لم اشعر كيف مرت تلك الدقائق وانا امسك ب( إستكان ) الشاي الساخن الذي أصبح باردا الا وصوت ابنتي تناهى الى أُذنيّ،
‎أين وصلت يا أُمي لقد فقد شايك سخونته
‎-اه صحيح لقد أصبح فاتراً فعلا
‎حمدت الله في سري وانا انظر إلى ابنتي الوحيدة انها تشبه أباها كثيرا
‎فتى أحلامي ٠

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!