مقالات

دعوى أجر المثل بين الشركاء في العقار بين القانون المدني والشريعة الإسلامية ح 10

. موقف القانون المدني بين الإباحة وبين التقييد
بالرجوع إلى أحكام المادة (1063) من القانون المدني التي جاء فيها (يجوز للشركاء ان ينتفعوا بالعين الشائعة جميعاً ويجوز لكل منهم حق الانتفاع بحصته فاذا انتفع بالعين كلها في سكن او مزارعة او ايجار او غير ذلك من وجوه الانتفاع بلا اذن شركائه وجب عليه لهم اجر المثل على انه اذا اجر العين الشائعة بأكثر من اجرة المثل وجب ان يعطي كل شريك حصته من الاجر المسماة)، ومن تدقيق منطوق المادة وفق رؤية فقهية أصولية نجد أن دعوى الشركاء فيما بينهم لا تقوم على مبدأ الغصب الذي يستوجب أولا رد المغصوب مع ثمراته، وثمراته التي هي تعويض عن الضرر الذي أصاب المغصوب منه جراء الأغتصاب والظلم والتعدي على حق محمي قانونا أو شرعا وبالتالي أن يكون أجر المثل جزء من الثمرات، طالما النص اعلاه لم يترك الأمر مطلقا وسائبا بل قيده بقيد موضوعي وهو أن لا يكون التصرف قائما بلا أذن الشركاء، هنا يكون البحث عن الأذن ضروري في تحديد وجوب أجر المثل من عدمه، وسنبحث غي هذه النقطة لاحقا .
بل ما ورد في المادة (1063) يؤول على أنه رد أستحقاق منفعة تصرف بها الشريك أو بعض الشركاء فضوليا له أو لغيره دون أن يشير النص ولو تلميحا إلى مفهوم الغصب أو ينسبه للمسئولية التقصيرية، وذلك لطبيعة الشيوع بين الشركاء خاصة إذا كان العقار لا يمكن أستغلاله أو الأنتفاع به لسبب ما يعود للشركاء أو للعقار ذاته، إذا هذا التصرف كان بمقابل منفعة وكسب يجب أن يعاد وفقا لقواعد الكسب بدون سبب المتأتية من وجود حالة فضالة، ما لم ينبه أو يعذر أو ينذر الشريك بالمحاسبة أو الرد أو رفع اليد عن العين المشاعة وتجاوز المنفعة المخصصة للشريك أو الشركاء، مع لحاظ أن الإجازة للفضولي محكومة أيضا بقواعد زمنية وحالية قانونية تؤكد أن السكوت عنها خلال المدة المحددة ، لذل تعتبر إجازة الفضولي اللاحقة بعد أستحقاق ما نصت عليه المادة 136 ق م أذنا مضافا حقيقيا حتى يثبت خلافه قانونا أو قضاء.
ان المشرع العراقي وما اقره من حكم بهذا الشأن في القانون المدني، فإنه يخالف ما كانت تقرره مجلة الأحكام العدلية اخذا بما هو مقرر في الفقه الحنفي، حيث فرقت المجلة في صدد استقلال احد الشركاء بالأنتفاع بالشيء بين ما اذا كان الشريك الآخر حاضرا وبينما اذا كان غائبا، فاذا كان الشريك الآخر حاضرا وقت انتفاع شريكه بالعين المشتركة وسكت عن المطالبة فليس له ان يطالب بعد ذلك بأجرة حصته عن المدة الماضية، ولا أن يطلب الأنتفاع بالعين المشتركة بقدر ما انتفع شريكه لأنه قد انتفع بها على انها ملكه، وهذا ما يسمى (بالأنتفاع بتأويل ملك) ، اذ لو لم تجعل كذلك لا يجوز لواحد منهم ان ينتفع هو بها لأن كل جزء مشترك بين الجميع فتتعطل منافع الملك وذلك غير جائز، وانما الذي يجوز لغير المنتفع هو ان يطلب قسمة العين المشتركة قسمة افراز ان كانت قابلة للقسمة والا فله الأنتفاع مع شريكه بالمهايأة المكانية او الزمانية في المستقبل بحكم التقاضي او بالتراضي .
أيضا نرى أن المشرع العراقي في المادة 1063 ق م لم يكن موفقا في الصياغة التوفيقية في التوازن بين ما يمنحه حق الملكية من حقوق للشريك وبين ما يشرعه المشرع القانوني في حالة مثلا أستغلال الشريك لجزء من العقار المشاع حتى لو كان بأقل أو مساويا لحصته، فهو ملزم بأداء أجر المثل عن حق خالص له، فاذا وضع احد الشركاء اليد على حصة مفرزة دون موافقة بقية الشركاء، وجاز لهؤلاء استرداها والرجوع عليه بالتعويض من باقي الشركاء ، وكان غاصبا لها، وهذا يعني ان الشريك الذي ينتفع بجزء من المال الشائع بدون موافقة باقي الشركاء ولو كان الجزء يعادل حصته الشائعة، فإنه يعتبر قد تعدى على حق الشركاء الآخرين بتحقق واقعة الغصب وإن كان البقية هم المقصرين أو الغير راغبين أصلا بالأنتفاع، وهنا يحق للشركاء الرجوع على شريكهم “الغاصب” بمقتضى قواعد الغصب ومطالبته بالتعويض، اما اذا كان انتفاع هذا الشريك لهذا الجزء قد تم بموافقة باقي الشركاء، فإن الغصب ينتفي، وتتحقق مع هذه الموافقة الإباحة التي ينتفي معها حق مطالبة الشريك المنتفع عن الفترة السابقة حتى تاريخ المطالبة بوقف الأنتفاع او ببدل الأنتفاع.
هذا العيب التشريعي الذي جمع بين حق الشريك بالأنتفاع بحصته الشائعة وبين حق الشركاء الأخرين في مطالبته بالتعويض عن منفعة مباحة بالقانون، إنما تعني أن المشرع رهن هذا الحق وأستعماله ليس بسبب إباحة قانونية وطبيعية بل بإرادة الشركاء، مما يعني تحديد حق الملكية بإرادة خارجة عن مفهوم السلطانية المقترنة بالملكية، فهو أباح من جانب ومن جانب آخر قيد هذه الإباحة بنصه أن كل شريك يعتبر اجنبي في حصته الى الشركاء الآخرين، لذلك فإن تقييد الشريك في حقه بالأنتفاع والتصرف بحصته يعتبر تعطيل لمصالحه وضربا لقواعد العدل حينما لا يكون هناك توافق بين حق الأنتفاع الطبيعي وبين واقع حال الأنتفاع الجمعي كأن يكون العقار المشاع غير قابل أصلا للمشاركة في منفعته لصغره أو لكثرة الشركاء فيه، لذلك ينبغي ان نوازن بين مصالح الشركاء المشاعين ومن هنا جاءت اهمية البحث في موضوع الأذن والفضالة التي تكلمنا عنها سابقا.
أيضا هناك قول فقهي له أعتبار ووجهة نظر معتبرة ليس لطبيعة القول بل لضرورة التنسيق بين التشريع ذاته ووحدته الفلسفية، وهو موضوع حرية الشريك في التصرف الكامل بجزء من العقار المشاع قبل الإفراز، وبالرغم من أن الشريك يملك بمقدار سهامه لكنها أيضا ملكية مقيدة وموقوفة لتعلقها بمعنى الشيوع، فهو أي الشريك غير حر وفقا للقانون المدني أن يتصرف حتى بمقدار سهامه ما لم يتلقى إذانا أو إباحة أو رضا وموافقة بقية الشركاء، أو على الأقل حملة القدر الأكبر من السهام كي يكون نافذا، فلا يمكن القول بحرية الشريك الشائع بإجراء تصرفات مادية على جزء من العقار الشائع بدون اذن باقي شركائه ولو كان هذا الجزء يعادل حصته الشائعة كما أسلفنا كإقامة بناء مثلا، لأن تصرفه هذا وقع على ما يملك ومالا يملك وفق وجهة نظر وقول القانون المدني العراقي، ومن ثم لا يكون لهذا التصرف اثر الا اذا وقع هذا الجزء من المال الشائع في نصيب الشريك المتصرف حسب نص المادة (2/1062( ق م، والقول بخلاف ذلك سيؤدي الى نشوء تضارب وتعارض بين مضمون نص هذه المادة ومنطوق المادة (2/1061) ق م التي تنص على (وكل شريك في الشيوع يملك حصته الشائعة ملكاً تاما،ً وله حق الانتفاع بھا واستغلالھا بحیث لا يضر بشركائه، والتصرف فیھا بالبیع والرھن وغیر ذلك من انواع التصرف ولو بغیر اذنھم).
ولو أن النص الوارد في الفقرة (2) من المادة 1061 ق م تتحدث عن الملكية التامة والتي تعني في الفقه واللغة والتشريع (وهو ملك ذات الشيء ومنفعته معًا، فتثبت لمالكه جميع الحقوق الشرعية والآثار المترتبة عليها) ، وبعدها نصت كذلك على حق الأنتفاع بها كليا وأستغلالها أيضا بنفس مفهوم تعريف الملكية الوارد في صدر الفقرة، إلا أن المشرع ذاته نسف هذه الكلية وقلص حدودها بل وقيدها على أن تكون غير مضرة بالشركاء دون أن يحدد مفهوم الضرر ومقداره معتمدا على أن النص يعطي مفهوم الملكية الناقصة أو الموقوفة أو المعلقة ، فما جاء بنص الفقرة أعلاه جمع بين مفهومين متناقضين لا يمكن الجمع بينهما إلا على قاعدة تأويل المطلق يسري على إطلاقه ما لم يقيد بنص، مع أن هذا المفهوم غير منطبق على مجرة الفهم المأخوذ من نص الفقرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!