عدمية الاتفاقية الكردية في قامشلو الجزء الأول

الكاتب: د. محمود عباس
عدمية الاتفاقية الكردية في قامشلو
الجزء الأول

 د. محمود عباس
  بدون مواربة، الكل يدرك أن السلطة السورية لها حضورها في قامشلو، تفرض ذاتها من خلال مؤسساتها القائمة بكل أبعادها، الفارضة أجنداتها على الأحزاب، والحاضرة بين الشعب وفوق الشعب، بدءً من تسيير الرواتب إلى المحاكم والمصارف وطغيان سلطة الأمن بالرهبة وغيرها، تظهر وتختفي هذه المؤسسات حسب متطلباتها وأجنداتها، ولها علم وأمر ورأي في معظم ما تدور وتحصل في المنطقة الكردية من القضايا والمآسي والمعاناة، والقيادة الرئيسة في قامشلو تتحكم بأمور المنطقة كلها، ومنها تصدر الأوامر، والتنفيذ يجري حسب تكتيكات السلطة المركزية في دمشق، ولاتزال الحركة الكردية وبينهم الأحزاب واهنة على مواجهة هذه المعضلة، والتي بالإمكان تقزيمها أو حتى ربما القضاء عليها ضمن المنطقة، تحتاج فقط كبداية الثقة بالذات الكردية، والعمل معا لبلوغ مرحلة تسيير أمورها بدون إملاءات خارجية، وهذه هي مرحلة من مراحل نجاح الثورة.
   كان هناك (منصورة) قبل الثورة واليوم هو أو خيمته لا تزال مشرعة، والقناعة بهذه الحقيقة أو عدمها تنشر بين الشعب حسب الأوامر، النقاش فيها طوباوي، ولا تؤدي سوى إلى توسيع الخلافات، وهذا ما ترغبه السلطة (الأيسبرغية) المشابهة للكتلة الجليدية العائمة في المحيطات، فهذا الواقع الشبحي يفرض على الأحزاب الكردية التحرك وحضور المجالس وفتح المكاتب وعقد الندوات وغيرها من النشاطات حسب الأجندات المطلوبة، ولغايات منها: تسخير الكرد كجزء من استراتيجيتها في المنطقة وتكتيك ضد المعارضة والدول الداعمة لها. والغريب هنا أن شريحة من المثقفين في الداخل، غير من آثروا السكوت وطنيا، ويوجهون أقلامهم إلى حيث لا صدام مباشر، وهي الحنكة المطلوبة في مثل هذه الظروف، بل أولئك الذين سايروا المجرى، وتقبلوا الأمر الواقع، والحالة لا تختلف في كثيره عن التي كانت فيها السلطة ظاهرة بكليتها، وقد أنجرف إلى هذه جزء من الحركة الثقافية الكردية، فبرزت نشاطاتها المتنوعة فجأة على الساحة الإعلامية، والتي أدت إلى شرخ بين هيئتها الإدارية، وبرزت من خلاله انتماء كل جهة إلى طرف حزبي وبانتهازية، فكان التمني، ورغم الخلافات، عدم الانتقال من دور النصيحة والريادة إلى التبعية.
 وعليه فأن ما يجري الأن بين الأحزاب الكردية المشكلة للمجلس الوطني الكردي واقع مفروض، وكل نقد لهم، لعدم تجاوزهم الخلافات التي برزت بعد اتفاقية دهوك، إما غير مدرك للحقيقة أو يتغاضى عنها، متناسين أنه يجب توجيه النقد والأنظار إلى المنبع المصدر للأوبئة، وهي السلطة الموجودة في قامشلو، فهم حتى ولو تجاوزا المطبات المبنية أمامهم فسيقعون في عتمة خلافات أبشع وقد تؤدي بهم إلى الانشقاق ضمن المجلس وربما ضمن الحزب الديمقراطي المتشكل حديثا، وما أسهل هذه العملية على السلطة، في الواقع الكردي الجاري، وللحد من هذه يتطلب من كلية الحركة الكردية وضمنهم جميع الأحزاب البحث عن مخارج للتحرر من طغيان السلطة في المنطقة و شرورها.
  بعد اتفاقية دهوك، أو بالأحرى بعد مؤتمر الوحدة السياسي بين الأحزاب، والتشكيلات التي ظهرت في قيادة البارتي الديمقراطي الكردستاني في سوريا، وعودة البعض من قياداتها والبعض من رؤساء الأحزاب الأخرى إلى داخل قامشلو حيث الهيمنة الكلية، في الفترة التي وضعت فيه طريقة إعادتهم إلى خيمة السلطة المباشرة أو المخفية، وكانت قد مهدت لها بهجمة إعلامية واسعة حول وجودهم في الخارج وفي الفنادق خمس نجوم، واعتبار الإقليم دولة وكأنها من خارج جغرافية كردستان، وتحسبا  لتفعيل تلك الهجمة الإعلامية، رضخ البعض، فعادوا بعد جلسات دهوك إلى داخل قامشلو، في الوقت الذي كان مفروضا على أعضاء المجلس إتمام اتفاقيتهم ليس في قامشلو، مثلما يفعلونها الأن،  بل في نفس القاعة التي حدثت فيها الاتفاقية، حيث وجود هيمنة القوة التي فرضت عليهم الاتفاق، رغم الهوة الواسعة بين الجانبين، لكن انتقالهم إلى قامشلو لتبرير وطنية العمل، كانت رهبة من إعلام أل ب ي د قبل أن يكون بعداً وطنيا،  ودعاية إعلامية رخيصة لإلهاء الشعب بها، والتلاعب بمشاعر الناس البسطاء، ورؤساء الأحزاب يعلمون هذا قبل الكل، كما وهم على دراية أن الخلافات الجارية، ورائها السلطة ومن معها، وستحل متى ما تطلب الأمر ذلك، وستظهر غيرها في حالة الضرورة، خاصة اذا تركت الأحزاب أمورها مسيرة من قبل الأخرين، ودون ردع على تحجيم طغيان السلطة،  وما يجري لا علاقة له بالظاهر المبان، والأسباب واهية.
  فخلافات المجلس الوطني الكرديفي ظاهره على الحصص والكراسي، في باطنه أجندات، ومن الملاحظ أنه هناك هوة بين قيادة البارتي نفسه على العلاقة مع أل ب ي د، والسبب الرئيس فيه:البعض من قيادة الديمقراطي يتذكر أن الحزب كان تحت هيمنة السلطة الشمولية سابقا واليوم لا ترى مانعا من استمرارية تلك الهيمنة وعلى هيئة علاقة سياسية في ظاهرها، لكنها في الحقيقة لا تزال أمنية بكل أبعادها، حتى ولو كان بشكل غير مباشر، والبعض منهم مع أحزاب أخرى في المجلس، يرفضون العودة إلى خيمة السلطة ويرون أن الاتفاق مع أل ب ي د وبشروطهم عودة إلى أحضان النظام،وهؤلاء هم الذين يخلقون الحجج من جانبهم كرفض للتبعية ولهيمنة أل ب ي د ومؤسساته، إلى جانب ما تخلقه السلطة لعدم بلوغ اتفاق بين المجلس والإدارة الذاتية المسيرة بشكل انفرادي، وللأسف أل ب ي د لا تقوم بدورها المطلوب لتغيير هذا الواقع، ولا تقدم ما يمكن تمهيده لتسهيل عملية إتمام الاتفاقية بين الطرفين، أو للتحرر من طغيان السلطة الموجودة.
العديد من الإخوة يقارنون بين أحزاب غرب كردستان، طمور بعضها وظهور الآخر فجأة كمارد على الساحة الكردية، ويبنون عليها الانتقادات والسلبيات والإيجابيات، متناسين أو  ناسين أن السلطات الشمولية لها القدرة على جعل الوليد عملاقا ضمن محيطها، والسلطة السورية وبعد عقود من الاستبداد والخبرة، تمكنت خلال السنوات الأربع الماضية من خلق أعداد من التيارات التكفيرية والظلامية وبأوجه متنوعة، حيرت جميع المحللين والخبراء السياسيين، بل والعالم، سلطة شمولية تمكنت من تغيير مسار ثورة بين الشعب إلى صراع طائفي بامتياز، ونقلت الصراع بين شعب طيب ثار على نظام فاسد إلى صراع بين الأفسد والأظلم والأشد تدميرا للوطن والشعب، وأبرزتها في الإعلام العالمي على أنه بين نظام علماني وتيارات إسلامية راديكالية متطرفة، وطمست حقيقة الصراع الجاري والذي هو بين  فاسد وأفسد، بين مجرم وأشد إجراما، بين سلطة منبوذة من الشعب وفاسقين ومنافقين.

يتبع…

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com..