مقالات دينية

المؤمن يتحدى لدغة الموت بفرح

الكاتب: وردا اسحاق     

 

المؤمن يتحدى لدغة الموت بفرح

 

بقلم / وردا أسحاق عيسى

( أما الآن فالمسيح قد قام من بين الأموات بكراً للراقدين )  ” 1 قو 15: 20 “

ما هو الموت ؟ في المفهوم المسيحي الموت أنواع ، فهنا لا نتطرق على موضوع أنواع الموت ، بل سنتناول موت الجسد الطبيعي ومستقبل البشر ما بعد الموت .

هناك من يحسب الموت بأنه العدو الأكبر للأنسان لأنه ينهي حياته على هذه الأرض ، فكل شىء يهدد الحياة يهاب منه الأنسان ويرتعد . أما الأنسان المؤمن فلا شىء في هذا العالم يخيفه . فسّم الأفعى مثلاً يدفع الأنسان الى الموت ، لكن الرسول بولس عندما تعلقت بيده الأفعى التي دفعتها حرارة النار اليه ، ظن الحاضرين بأن بولس حتماً سيموت ، لكنه لم يكترث وذلك بسبب قوة أيمانه ، بل نفض الأفعى في النار دون أن يصيبه ضرر أو يمسه الموت لأنه مؤمن بأقوال المسيح بأن سموم العقارب والحيات لا تضر المؤمنين . لهذا لم يخف من الموت . ، بل كان يحسبه ربحاً ، لأنه الوسيلة التي تحرره من هذه الحياة الى الحياة الأبدية . لهذا طلب الموت من الرب وكان ذلك تحدياً واضحاً للموت . يجب أن نصمد أمام الموت مهما كانت التحديات كثيرة وكبيرة وكما حصل لتلاميذ المسيح في عرض البحر عندما هاج عليهم والأمطار والرياح تعصف بهم ، فضعفوا في التجربة ونسوا أيمانهم الذي هو سر قوتهم علماً بأن الرب كان بقربهم نائماً في القارب ، لهذا لامهم بشدة لقلة أيمانهم .

الموت للمسيحي هو الصديق الذي يفتح له أبواب الأبديّة ، ويساعده للتقرب من ساعة جني المكافأة النهائيّة التي يسعى أليها في حياته الزمنية . لذا لا يخشى المسيحيّ المؤمن من الانطلاق إلى عالم أفضل حيث الغبطة الدائمة الموعود بها في الكتب الإلهيّة. وبهذا المعنى يقول القدّيس كبريانوس:

 ( دعونا نفكّر، أيّها الإخوة الأعزّاء ، بأنّنا منذ الآن قد زهدنا في العالم ، وتخلّينا عن مسرّاته ، وبأنّنا نعيش على هذه الأرض كضيوف وغرباء ، لا بل كنزلاء وقتيّين . لا بدّ لكم، يا إخوتي ، أن تقتنوا فكراً حازماً ، وإيماناً ثابتاً أكيداً غير عابئين بالخيرات الزائلة الفانية، إيماناً شجاعاً يتصدّى لأضطرابات هذا العالم، و يتحدّى أوهامه الكاذبة ، لأنّه بإيمان كهذا يصون المؤمن ذاته من الغرق في صعاب هذه الحياة . لنتقْ إلى اليوم الذي فيه سيُحدَّد لكلّ منّا مسكنه الخاصّ ، إلى اليوم الذي نعود فيه إلى الفردوس وإلى ملكوت السماوات ، وقد حُرِّرنا من قيود هذه الدينا) .

الموت هو العودة الى البيت الحقيقي الدائم ، وهذا كان هدف القديسين الذين فهموا الأيمان والمستقبل الأفضل لهذا كانوا يطلبون من الرب الموت السريع لأنهم كانوا يرون بعين الروح جمال وحلاوة الحياة في الآخرة عندما يلتقون بوجه مخلصهم وألاههم . أما الغير المؤمن فلا يتجرأ أن يقطع علاقته من هذا العالم وإن كانت ظروف حياته قاسية وصحته متقهقرة ، أو يعيش في فقر متقع ، أو في السجن لأنه لا يتحمل لدغة الموت ولا يؤمن بالمسيح الذي دفع ثمن الخطيئة لكل من آمن به وبعمل صليبه المحيي . موت الجسد يقود روح المؤمن الى مكان أفضل يعيش فيه بسلام وفرح دائم . الموت هو عبور إلى ما هو أسمى ، لكن قليلون لديهم الرغبة للعبور علماً بأن هدف حياتنا الأخير هو العبور . الشعب العبري خاف العبور من بحر السوف علماً بأن عبورهم سيحررهم من العبودية إلى أرض أفضل تعطي لهم لبناً وعسلاً وحرية ، وذلك العبور هو رمز عبورنا نحن بعد الموت إلى أرض السعادة الأبدية .

حياتنا نحن كلها عبور منذ ولادتنا عندما عبرنا من الرحم حيث السجن والظلام إلى حياة أفضل فيها النور والحرية  . انتقلنا من العيش في بطن الأم إلى العيش مع الأم والعائلة ، وهكذا عندما ذهبنا إلى التعليم في المدارس فخرجنا من بيوتنا إلى عالم أوسع . وعندما تزوجنا ، تركنا بيت الطفولة إلى بيت العائلة الجديدة . وهكذا عندما ندخل في الشيخوخة نتقاعد لكي نهجر عالم العمل . وأخيراً أن نستعد لهجرة هذا العالم وكل ما فيه لكي نعبر إلى عالم آخر عن طريق الموت ، فالموت هو العبور الى مستقبلنا الأفضل الذي فيه حياة جديدة ، فلماذا لا يزيد فرح الأنسان عندما يعبر كل تلك المراحل إلى مرحلة الموت الذي يعبرنا إلى عالم أوسع .

نعم من الصعب قبول الموت المبكر . فعندما يموت الأنسان في عمر المراهقة ، أو عندما يكون شاباً في مقتبل العمر سيشعر الجميع بالحزن والأسف على شبابه وعلى أنفصاله من عائلته ، فيلوم البعض الخالق الذي أنهى حياته بتلك السرعة ، لكن في الحقيقة الشىء الأكثر أهمية في حياتنا لا يكمن في عدد السنوات ، بل في نوعية الحياة التي يعيشها الأنسان . يسوع الأنسان مات شاباً ، وكذلك القديس فرنسيس والقديسة تريزية الأفيليلة وغيرهم كثيرين ، فعلينا أن نفهم بأن لا قيمة للعمر مهما طال لأن الأنسان مدعو للعبور فلا بد من الدخول في باب الموت إلى الحياة الأبدية التي هي الأفضل . نعم يتألم الزوج عندما تتركه زوجته . أو عندما يموت الطفل أو الولد الوحيد لوالديه ، أو صديق عزيز ومحب . وهكذا نتجنب ألم الرحيل عندما نفهم الدرس ، فنحن المؤمنين علينا أن لا نقيس طعم الحياة الأبدية بعد الموت بهذه الحياة المليئة بالمصاعب وآلام وحزن ، فالحياة الأبدية هي أقوى من الموت ، والرجاء الذي عشناه بسبب أيماننا هو أقوى من اليأس وما سنحصل عليه في الحياة الجديدة لا يقاس بما نقتنيه في هذا العالم ، فعلينا أن نتحدى ألم الرحيل للوصول إلى الديار التي وعدنا بها رب المجد والمنازل التي أعدها لمحبيه في الحياة الأبدية .

ولمخلصنا المجد الدائم  

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!