مقالات دينية

القديسين مار حنانيا ومار مارون

إعداد / وردا إسحاق قلّو

   سننشر هذا الشهر سيّر قديسين من بلاد سوريا  لكي ننشر أكثر من 12 قديساً من سوريا في هذه السنة المخصصة لنشر قديسي هذا البلد.

القديس مار حنانيا

    كان في دمشق تلميذ أسمه حنانيّا . قال له الربّ في رؤيا : يا حنانيّا ؟ قال : لبيك , يا رب. فقال له الربّ : قم فاذهب الى الزقاق المعروف بالزقاق المستقيم , واسأل في بيت يهوذا عن رجل من طرسوس اسمه شاؤول . فها انه يصلي , وقد رأى في رؤياه رجلا اسمه حنانيّا يدخل ويضع يديه عليه ليبصر.فأجاب حنانيّا : يارب سمعت بهذاالرجل من أناس كثيرين كم أساء الى قديّسيك في أورشليم . وعنده هنا تفويض من قبل الاحبار ليوثق كلّ من يدعو باسمك . فقال له الربّ : إذهب فهذا الرجل هو إناء مختار لكي يحمل اسمي أمام غيراليهود والملوك وبني إس*رائي*ل فإنّي سأريه كم يجب عليه أن يعاني من الألم في سبيل اسمي.​

ومضى حنانيّا فدخل البيت ووضع يديه عليه وقال : يا أخي شاؤول , إن الربّ يسوع الذي تراءى لك في الطريق التي قَدِمت منها , أرسلني لتبصر وتمتلىء من الروح القدس . فتساقط عندئذ من عينيه مثل القشور , فأبصر .فقال له حنانيّا : إنّ إله آبائنا قد أعدّك لنفسه لتعرف مشيئته وترى البّار وتسمع صوته من فمه . فإنكّ ستكون شاهدا له أمام جميع الناس بما سمعت و رأيت . فما لك , تتردّد بعد ذلك ؟ قم فاعتمد و تطهّر من  خطاياك داعيا باسمه. فقام واعتمد . ثمّ تناول طعاما , فاستعاد قواه.

حنانيا والكتاب المقدس

   هو إحدى الشخصيات الواردة في الكتاب المقدس . ففي أعمال الرسل (9:1-26و22:4-16) يُذكر حنانيّا كشخص دمشقي من أصل يهودي . ولما عمّد شاؤول الطرسوسي كان قد سبق وتنصّر وكان يتمتع بشهرة وتقدير عظيمين في كنيسة دمشق الفتيّة- وله كشف السيد المسيح المهمة التي عينها اللّه لرسول الأمم . فأعظم شهرة للقديس حنانيّا انه قبل في الكنيسة الناشئة شاؤول الذي كان يضطهد الكنيسة وعلّمه مبادىء الدين المسيحي
ويؤكد لنا االتقليد الشرقي أن حنانيّا كان أحد تلاميذ المسيح الأثنين والسبعين الذي يكلمنا عنهم القديس لوقا (10:1) وانه قدم الى دمشق بعد رجم القديس استيفانوس-ثم رسمه الرسل أسقفاً لكنيسة دمشق ، كان حنانيّا يبشر بالايمان المسيحي البلاد السورية لما قبض عليه الحاكم الروماني ليسينيوس وحكم عليه بالموت . ومات حنانيّا مرجوما بالحجارة خارج سور دمشق في اليوم الأول من شهر تشرين الأول . ونقل المسيحيون جثمانه إلى داخل المدينة

 

القديس مار مارون


اشرقت أنواره على جبال قورش شمال سورية ، فهدَت النفوس إلى الحق، يوم كانت البدع تعبث فساداً في تلكَ الأنحاءأبو الطائفة المارونية ورافع لواء إيمانها وأمجادها مدى الأجيال

إن العلاّمة المؤرخ الشهير تيودوريطوس أسقف قورش في كتابه “تاريخ الرهبان والنساك ” يأتي على أعمال المتنسّكين العظام ، وفي طليعتهم “مارون الإلهي” كما يسمّيه
“لقد زيّنَ مارون ، يقول المؤرّخ ، طغمة القديسين المتوشّحين بالله ومارس ضروب التقشّفات والاماتات تحت جو السماء ، دون سقف سوى خيمة صغيرة لم يكن يستظلّها إلاّ نادراً
“وكان هناك هيكل وثنيّ قديم ، فكرّسه مارون ، كما يقول تيودوريطسن وخصّصة بعبادة الإله الواحد ، يحيي الليالي يذكر الله واطالة الركوع والسجود والتأملات في الكمالات الإلهية ، ثم ينصرف إلى الوعظ وارشاد الزائرين وتعزية المصابين
“كل هذا لم يكتَفِ به مارون ، يضيف المؤرّخ ، بل كان يزيد عليه ما ابتكرته حكمته جمعاً لغنى الحكمة الكاملة ، لأن المجاهد يوازن بين النعمة والأعمال فيكون جزاء المحارب على قياس عمله. وبما أنّ الله غني كثير الاحسان إلى قديسيه، منحه موهبة الشفاء فذاع صيته في الآفاق كلها فتقاطر إليه الناس من كل جانب. وكان جميعهم قد علموا أن ما اشتهر عنه من الفضائل والعجائب هو صحيح وبالحقيقة كانت الحمى قد خمدت من ندى بركته والابالسة قد أخذوا في الهرب والمرضى كلّهم بَرئوا بدواء واحد هو صلاة القديس ، لأن الأطبّاء جعلوا لكلّ داء دواء ، غير أن صلاة  الأولياء هي دواء شاف من جميع الأمراض”

ولم يقتصر القديس مارون على شفاء أمراض الجسد بل كان يبرئ أيضاً أمراض النفس . ويختم الأسقف الكبير بقوله : “والحاصل أن ألقديس مارون أنمى بالتهذيب جملة نباتات للحكمة السماوية وغرس لله في هذا  البستان فازدهر في كل نواحي القورشية”
اعتزل مارون الناسك الشهرة واختلى على قمة جبل ، فشهرته أعماله التقوية وانتشر عرف قداسته. والقديس يوحنا فم الذهب ذكره في منفاه وكتب إليه تلك الرسالة النفيسة تحت عدد 36 ، العابقة بما كان بين الرجلين من محبة روحية واحترم وأخوّة في المسيح قال
“إلى مارون الكاهن والناسك . إنَّ رباطات المودة والصداقة التي تشدّنا إليك ، تمتلك نصب عينينا كأنك لدينا ، لأنّ عيون المحبّة تخرق من طبعها الابعاد ولا يضعفها طولَ الزمان . وكنّا نودُّ أن نكاتبك بكثرة لولا بعد الشقَّة وندرة المسافرين إلى نواحيكم . والآن فإنّا نهدي إليك أطيب التحيّات ونحب أن تكون على يقين من أنّنا لا نفتر من ذكرك أينما كنّا، لما لكَ في ضميرنا من المنزلة الرفيعة . فلا تضنَّ أنت أيضاً علينا بأنباء سلامتك ، فان اخبار صحّتكَ تولينا ، على البعد أجل سرور وتعزية في غربتنا وعزلتنا فتطيب نفسنا كثيراً ، اذ نعلم انّك في عافية . وجلَّ ما نسألكَ أن تصلّي إلى الله من أجلنا “. (في مجموعة مين للآباء اليونان مجلد 72 عمود 63)
ما انتشرت سمعة الكاهن مارون الناسك حتى تكاثر عدد الرهبان حوله فأقامهم اولا في مناسك وصوامع على الطريقة الانفرادية ، بحسب عادة تلك الايام ، ثم انشأ أدياراً وسنَّ لهم قانوناً وقام يرشدهم في طريق الكمال . وتعدّدَت تلك الأديار المارونية ولا سيما في شمال سورية ، حتى  أنّ تيودوريطس يغتبط بوجودها في أبرشيته.

وكانت وفاة مار مارون سنة410م

مات القديس مارون متنسكاً عفيفاً ، ولكنه لم يمت حتى رأينا أبناءه الروحيين المشرَّفين باسمه ، ينتشرون الوفا تحت كل كوكب. غير انّ المارونية تركز كيانها في لبنان وفيه بسقت دوحتها وامتدّت أغصانها إلى أنحاء الدنيا . وما زال أبناؤها ، مغتربين ومقيمين ، يستشفعون كل حين ، أباهم القديس مارون،

صارخين إليه

باسمكَ دُعينا يا أبـانـا وعليكَ وطّدنا رجانـا

كُنْ في الضيقات ملجانا واختم بالخيـر مسعانا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!