صفقة الرهائن كما يراها بايدن ويريدها نتنياهو
صفقة الرهائن كما يراها بايدن ويريدها نتنياهو
الإدارة الأميركية ترى أن الصفقة يجب أن تعطي المزيد من فرص النصر الانتخابي لهاريس والميداني لإس*رائي*ل.
كل يغني على ليلاه
قال الرئيس الأميركي جو بايدن الاثنين الثاني من سبتمبر الجاري، إن التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدى حركة ح*ما*س في غ*ز*ة “أصبح قريبا جدا”.
لم تزل إدارة بايدن تنشر أمل التوصّل إلى تسوية بين حركة ح*ما*س وإس*رائي*ل، رغم اعترافها بأنّ إصرار رئيس الوزراء الإ*سر*ائي*لي بنيامين نتنياهو على إبقاء قواته في ممرّ فيلادلفيا يشكّل عقبة رئيسية في سير المفاوضات، فهل فعلا تعمل واشنطن على تحقيق الصفقة أم إنها تختار طريق تمييع الوقت وتهدئة النفوس لغايات في نفس يعقوب؟
فشلت الجولة الثانية من المفاوضات التي عُقدت في القاهرة أواخر أغسطس الماضي، بعد التراشق الإعلامي لكلا طرفيّ النزاع بإفشال الصفقة. إذ تجد حركة ح*ما*س أن إصرار رئيس الوزراء الإ*سر*ائي*لي على إضافة بنود جديدة على مبادرة بايدن التي طرحها في الثاني من مايو الماضي، دلالة واضحة على أن الجانب الإ*سر*ائي*لي يرفض الصفقة شكلا ومضمونا. هذا الاعتراف لا يقتصر على حركة ح*ما*س، ولكن القائد السابق للجيش الإ*سر*ائي*لي بيني غانتس، ومنافس نتنياهو على الزعامة، يرى ذلك أيضا، إذ اعتبر أن الاحتفاظ بممرّ فيلادلفيا ذريعة يستخدمها نتنياهو لإعاقة التسويات.
وسط تبادل الاتهامات بين ح*ما*س وإس*رائي*ل عن مسؤولية إفشال المفاوضات، دخل عنصر جديد إلى العرقلة، تمثّل باستعادة إس*رائي*ل لجثامين ستة من المختطفين لدى الحركة بعد العثور عليهم داخل نفق في القطاع. هذا الأمر رفع من نسبة التهديدات الإ*سر*ائي*لية والأميركية على حد السواء، إذ كان من بينهم مواطن يحمل الجنسية الأميركية ما دفع، حتى بايدن، إلى تهديد قادة ح*ما*س بالمحاسبة. بات يقينا عند حركة ح*ما*س أن لا أفق لنجاح المفاوضات، لأن الأميركي بات أيضا خصما تطبيقا لبيت شعر أبي الطيب المتبني الذي توجّه به إلى كافور الإخشيدي ليقول له “فيك الخصام، وأنت الخصم والحكم”.
إدارة بايدن التي شارفت على نهاية ولايتها تعمل ظاهريا على إنجاح الصفقة، كي تعبّد الطريق أمام المرشحة هاريس
تطورات إعاقة التسويات، تأتي على وقع تطورات ميدانية منها استمرار الحرب في القطاع واقتحام الجيش الإ*سر*ائي*لي للضفة الغربية بحثا عن عناصر مرتبطة بح*ما*س أو بالجهاد مخلّفا عمدا دمارا في البنى التحتية وأعدادا من الق*ت*لى والجرحى، ما أدّى إلى تصاعد العمليات ضدّ القوات المهاجمة بتفجيرات وإطلاق نار وعمليات ا*نت*حا*رية.
تشهد شوارع تل أبيب وبعض المناطق الإ*سر*ائي*لية تظاهرات غير مسبوقة في تاريخ هذا الكيان، ما أحدث انقساما في البلاد بين عائلات تطالب بإطلاق سراح أبنائها وعائلات ضدّ الصفقة. لذا يعتبر بعض المتابعين أن هذه المشهدية تعطي المزيد من فرص المراوغة لحكومة نتنياهو ولإدارة بايدن التي دخلت مرحلة الاستعداد للانتخابات الرئاسية من خلال مرشحتها عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، نائبة الرئيس بايدن حاليا.
تعمل إدارة بايدن التي شارفت على نهاية ولايتها ظاهريا على إنجاح الصفقة، كي تعبّد الطريق أمام المرشحة هاريس، التي ما فتئت تصرّح بعد إعلان ترشيحها، بأنها من المؤيدين لوقف إطلاق النار في غ*ز*ة فورا. ولكن مهلا سيدة هاريس، ألست أنت نائبة الرئيس الحالي، ولديك دور مؤثر في صناعة القرار الأميركي؟ فلمَ لا تلجئين إلى لعب دورك، وتفرضين وقف تصدير الأسلحة إلى إس*رائي*ل؟ ألن يكون ذلك أجدى وأفضل من الاستعراضات الانتخابية التي تقوم بها هذه السيدة؟
يشكّك البعض في النوايا الأميركية من الدعوة، لأنّ هاريس قادرة على التأثير على وقف الحرب من خلال وقف الدعم العسكري غير المشروط لإس*رائي*ل. فالجميع على علم بأن حكومة نتنياهو لا تستطيع أن تستمرّ دون هذا الدعم حيث تشير المعطيات إلى أنه تخطّى الخمسين ألف طنّ من المساعدات العسكرية لإس*رائي*ل.
تأييد كامالا لوقف النار، وبعد مرور أكثر من 11 شهرا على الحرب هناك، يثير المزيد من التساؤلات حول التوقيت، لاسيما وأن الولايات المتحدة دخلت زمن الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي يؤكّد أن الموضوع لا يتعدّى كسب أصوات انتخابية.
معادلة انتخابية جديدة لحملة هاريس على قاعدة “مسعى لإنجاح الصفقة بالنسبة إلى إدارة بايدن، تعني تعزيز ضمان وصول هاريس إلى البيت الأبيض”
عملت حملة هاريس على اتباع سلسلة من الخطوات في هذا الخصوص، منها الاستعانة بمحامية أميركية مصرية الأصل، للمساعدة في التواصل مع الناخبين العرب الذين تؤثّر أصواتهم في بعض الولايات. كما ستتولّى بريندا عبدالعال، التي كانت مسؤولة في وزارة الأمن الداخلي سابقا، مهمة لحشد الجالية المحبطة بسبب الدعم الأميركي لحرب إس*رائي*ل في غ*ز*ة. بالتوازي عيّنت هاريس المحامية الأميركية الأفغانية الأصل، نصرينا باركوزي للتواصل مع الأميركيين المسلمين.
معادلة انتخابية جديدة لحملة هاريس على قاعدة “مسعى لإنجاح الصفقة بالنسبة إلى إدارة بايدن، تعني تعزيز ضمان وصول هاريس إلى البيت الأبيض”. يلجأ الحزب الديمقراطي إلى إزالة “الصورة النمطية” التي رسّختها إدارة بايدن تجاه إس*رائي*ل، بتقديم الدعم اللامحدود رغم سقوط عشرات الآلاف من الق*ت*لى الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر الماضي، ورغم تجاهلها لقيم حقوق الإنسان وعرقلة القرارات الدولية المدينة للجرائم الإ*سر*ائي*لية.
تتخوّف إدارة بايدن من أن فشل جهودها الدبلوماسية سيوفّر المزيد من حظوظ منافسها الجمهوري دونالد ترامب الذي يحتاج إلى إطالة الحرب في فلسطين. إن تصريح ترامب خلال مؤتمر صحفي الخميس الخامس عشر من أغسطس الماضي، بأن نتنياهو يعرف ما يفعل، وأنه يشجعه على أن ينتهي الأمر بسرعة لكن بانتصار، يؤكّد شكوك الديمقراطيين بأنّ هناك تنسيقا واستثمارا انتخابيا بين نتنياهو وترامب.
“مرحلة تقطيع الوقت” هي السياسة الأفضل لإدارة بايدن في هذه المرحلة، إذ من ناحية تعطي المزيد من الوقت لإنجاح الحملة الانتخابية، ومن جهة ثانية، تعمل على ربط النزاع في الشرق الأوسط من خلال حشدها العسكري الكبير وغير المسبوق.
لهذا، يرى البعض في هذه الازدواجية مماطلة واضحة لتمييع الموضوع، من خلال تخدير الرأي العام الإ*سر*ائي*لي بأن مسار المفاوضات يسير على الطريق الصحيح، وأن نتنياهو يبذل الجهد لتحقيقها. هذا ما يعطي المزيد من الوقت لتنفيذ الخطط المرسومة والتي انتقلت اليوم إلى الضفة الغربية، بما تحمله من خراب وق*ت*ل وتدمير ممنهج للبنية التحتية، بهدف اق*ت*لاع الوعي المقاوم لدى الفلسطينيين.
ترى الإدارة الأميركية أن الصفقة يجب أن تعطي المزيد من فرص النصر الانتخابي لهاريس والميداني لإس*رائي*ل. فالكثير من المتابعين يعتبرون أن إس*رائي*ل هي جزء من مشروع الممرات الاقتصادية التي وُقّع عليها في نيودلهي في التاسع من سبتمبر الماضي خلال اجتماع الدول العشرين. لهذا تجد حكومة نتنياهو نفسها تحتاج إلى إبطاء التوصّل إلى أي صفقة، وعليها أن تتمسّك بإبقاء جيشها في ممرّ فيلادلفيا، ليس لأجل البقاء، بل لأخذ المفاوضات إلى طريق ممرّ “نتساريم”، الممرّ الحيوي الذي تعمل حكومة نتنياهو على تكريس حضورها عسكريا فيه، لأنه يقسم القطاع شماله عن سائر المناطق الأخرى، وهنا بيت القصيد لإكمال مشروع شقّ قناة بن غوريون.
د.جيرار ديب
كاتب ومحلل سياسي لبناني
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.