مقالات دينية

القديسين ( إنطونيوس وبيلاجية وإبراهيم الأربيلي )  

القديسين ( إنطونيوس وبيلاجية وإبراهيم الأربيلي )  

1- القديس الشهيد أنطونيوس القريشي ( 800م )

إعداد / وردا إسحاق قلّو

   القديس إنطونيوس المختار ، الدمشقي ، استشهد في مدينة الرقّة على عهد الخليفة هارون الرشيد .

   كان رجل من الأشراف اسمه ( روح ) نازلاً في دمشق في موضع يقال له النيرب . في دير هناك لى أسم ثيودوروس ، وكان روح قريشياً ماجناً . كثيراً ما يعد يده إلى القربان المقدس في الكنيسة قيأكله ويشرب ما تبقى في الكأس المقدسة . ويبدو أنه كان يقلع أحياناً الصلبان من مواضعها ويشق أردية المذبح . كما كان مجلسهُ مشرفاً على الكنيسة ينظر ما تفعله رعية المسيح كل يوم أحد . وهومغرق في الشرب ، مستسلم للهّو.

سهم وأيقونة

   فحدث ذات يوم بعد فراغ الشعب المؤمن من القداس الإلهي . أن لفتت هذا الرجل القريشي أيقونة القديس ( ثيودوروس ) راكباً فرساً أشهب وفي يده حربة وتحت الحصان حيّة عظيمة شدخ رأسها بحربته . فتناول ( روح ) قوسه ووترهُ ثم سدده بإتجاه الأيقونة فانطلق السهم حتى دنا منها ، على مدّة يد ، فإذا بالسهم ينثني راجعاً ليخرق كف صاحبه، فلما نظر الرجل العجب وجف قلبه وحلقه وإعتراه الذهول . وإذ به ، عن غير وعي ، ينزع السهم من كفه بشدة فوقع مغشياً عليه من عظم الألم . وكتم السر في قلبه .

حمل أبيض

   ومرت الأيام ووافى عيد القديس الشهيد ثيودوروس فكان القداس الإلهي ، فلما خرج الكهنة بالقرابين ، وكان ( روح ) جالساً ينظر الناس على كثرتهم ويطرب لترتيل جميلاً ، إذ به يرى في صفحة القربان شكل حمل . أنصع بياضاً من الثلج . وهوعلى ركبتيه وفوقه حمامة بيضاء ترفرف ، فلما بلغ المصلّون قوله ( أبانا الذي في السموات ) ودنا وقت القربان ، عاين ( روح ) بأم العين الحمل إياه يفصّل عضواً عضواً والكهنة يقبلون على الأسقف ليتناول كل واحد من يده قطعة ، فعجب المشهد أشد العجب وجعل يتفكر في الأمر قائلاً : ( سبحان الله ! حقاً أن النصرانية دين شريف ) . فلما تمت شركة الناس في القدسات ورفع الشماس الصفحة فوق رأسه أبصر ( روح ) الحمل وقد عاد صحيحاً كاملاً والحمامة ترفرف عليه . وإذ إنقض الجمع نزل ( روح ) من مجلسه وجعل يخبر الناس بما عاين شغوفاً . فعظموا الله شاكرين وانصرفوا فرحين مسرورين .

هدايته

   ولما حل المساء جعل قريشي يتفكر في الأمر ، وسهر الليل بطوله ولم يدر . ولما أذن الفجر ، غمضت عيناه فأتاه القديس ثيودوروس راكباً على فرسه وأيقضه وصرخ في وجهه قائلاً ( لقد أذيتني بفعلك وعبثك بهيكلي ورميك صورتي … فإرجع الآن عن رأيك وآمن بالمسيح … وإقبل الحياة … ) ولما قال له هذا غاب عنه . فجعل ( روح ) يتأمل في ما جرى مرتعباً متعجباً حتى وقع الإيمان بالرب يسوع المسيح في قلبه ناراً . فلما أصبح ركب جواده وخرج إلى موضع يقال له ( الكسوة ) حيث التقى اعداداً من المؤمنين في طريقهم إلى بيت المقدس ” أورشليم ” فسار برفقتهم حتى بلغ القدس ، ثم دخل على أيليا رئيس أساقفة أورشليم فأخبره بجميع ما أبصر وسمع وبكلام القديس ثيودوروس . فشكر رئيس الأساقفة الرب الإله على جميل نعماته . وطلب ( روح ) أن يعتمد ، فأجابه إيليا : أنا لا أقدر أن أعمدك يا بني لئلا نثير الوالي علينا فيحدث ما لا تحمد عقباه . ولكن قم إلى نهر الأردن والمسيح الإله موافيك هناك بمن يعمدك في السر .

فلما سمع كلامه تبرّكَ منه وانصرف لساعته إلى حيث أشار عليهِ .

جاءته والدة الإله

   وجاء ( روح ) إلى دير لوالدة الإله في الخوزيب ، في منتصف الطريق إلى الأردن . هناك أدركه المساء فبات ليلته في الكنيسة ، وفي نصف الليل أشرفت عليه والدة الإله ، أم النور ، وقفت عند رأسه وأيقضته ، فصحا مبهوتاً وعاين زينة النساء قامة ولباسها البرفير ومعها إمرأة أخرى ثيابها البيضاء ، فأخذت والدة الإله بيده وقالت له ( لا تحزن فإني معك ) .

راهبان يعمدانه

    وأطل الصباح فتبرك ( روح ) من الهيكل جذلاً مسروراً ، ثم خرج من الموضع إلى أن بلغ البحر الميت حيث سأل عن أسقف دير الحور فقالوا له أنه في دير القديس يوحنا المعمدان . فسار إلى الموضع الذي إعتمد فيه الرب يسوع المسيح . وإذ براهبين سائحين في تلك البرية يلوحان ، فبادر ( روح ) إليهما وسجد عند أقدامهما وسألهما أن يعمداه ، فأجاباه إلى ما سأل . فلما صعد من الماء رسما عليه إشارة الصليب وقالا له : من الآن يكون إسمك ” إنطونة “ أي إنطونيوس ، وألبساه الإسكيم الرهباني المقدس ، ثم أطلقاه .

إنطونيوس مضطهداً

   وقفل إنطونيوس عائداً إلى دمشق حتى صار إلى قومه وأهل بيته وهو في زي راهب . فلما عاينوه تعجبوا منه وقالوا له : ما هذا الذي صنعته بنفسك وما هذا الثوب الذي نراه عليك !؟ فأجابهم : قد صرت نصرانياً مؤمناً بالرب يسوع المسيح . فماذا تريدون مني ؟ فاستهجنوا واستعاذو وحاججوه ساعات فلم ينفع الحجاج ولا تمنكوا من إقناعه بالعدول عن رأيه . فقاموا وجرروه في سوق دمشق حتى صاروا به إلى قاضيها . فلما نظره قال له : ويحك ( روح ) لمَ تركت دينك وقد ولدت عليه وتخليت عن حسبك وشرفك وصرت نصرانياً كافراً ! ؟ فأجابه إنطونة : هذا قليل مني لأحظى برضى سيدي يسوع المسيح . فمر الآن بما رغبت ! فلما سمع القاضي قوله ضربه وحبسه . فأقام في السجن سبعة شهور . ثم طرح في بيت مظلم مع الأحباش وقطاع الطرق واللصوص فأقام معهم سبع عشرة ليلة يسيمونه العذاب .

في رؤى الليل

   فلما كانت الليلة السابعة عشرة إذ بنور يشرق عليه في الليل حتى أضاء السجن كله وصوت يقول له : ( لا تخف يا إنطونيوس ! فلقد أ‘دّ لك الإكليل مع الشهداء والأبرار ) .

    وإخبر من كانوا معه في الحبس السجّان بما جرى فذهب وأطلعَ القاضي فأخرجه القاضي من السجن وحبسه مع نظرائه . من قريشيين وعرب كانوا يؤذونه بالمجادلة ويمطرونه بالكلام اللاذع مقبحين عليه نصرانيته . ولما أشرف الليل على نهايته وكان الجميع نياماً ، عاين إنطونة شيخين لابسين لباساً أبيض ، مع أحدهما ثريا كلها قناديل ملتهبة ومع الآخر إكليل ، فأخذ الإكليل وجعله على رأسهِ 

إلى حلب فالرقة

   فلما كان الصباح قام القديس فرحاً وأسرّ إلى من كانوا معه بما أبصر ، إذ ذاك بعث إليه القاضي فأخرجه ونقله إلأى مدينة حلب ، ومن هناك ساروا به إلى الفرات حتى بلغ الرقّة فدفعوه إلى واليها ، وكان أسمه ( هرتمة ) فطرحه في السجن وضيّقَ عليه .

أمام هارون الرشيد

   ورفع الوالي قضيته إلى هارون الرشيد ، فأمر بإطلاقه من الحديد ، وأحضره بين يديه ، فلما مثل أمامه قال له الخليفة : ويحك روح الشريف ! ما الذي حملك لأن تصنع بنفسك ما قد صنعت ، وما هذا اللباس الذي أراه عليك ؟ لعلك محتاج إلى مال فأعطيك وأحسن إليك ؟ ! فقط إرجع عن رأيك الوخيم هذا ولا تنخدع ! فقال له المبارك : لا ، حقاً ، ما خدعت ، بل آمنت وإهتديت إلى ربي يسوع المسيح الذي أتى إلى العالم نوراً وخلاصاً لكل طالب ساع إلى رضاه . وأنا اليوم نصراني مؤمن بالآب والإبن والروح القدس . فلما سمع الرشيد كلامه أمر بضرب عنقه ، فقال القديس : حقاً قد أعطيتني اليوم منيتي لأني أخطأت إلى ربي … رجائي أن يمحو ذنبي بضرب عنقي ويُعمدني بدمي ! فلما سمع الرشيد كلامه ضرب عنقه .

نور الله عليه

   وأنهم صلبوه على شاطىء الفرات وأقاموا عليه حراساً لئلا يتقدم نصراني فيأخذهُ . وكان الحراس ينظرون كل ليلة ناراً تنزل من السماء وتستقر عليهِ وكانوا يتعجبون من ذلك . فآمن في تلك الأيام من أجل أنطونيوس ممن أبصروا النور خلق كثير . وصل الخبر إلى رشيد فأمر بإنزاله عن الخشبة . فأنزل ووري الثرى في موضع يقال له ( عمر الزيتون ) . قريب من الفرات بمدينة الرقّة . أما شهادته فكانت يوم عيد الميلاد بعد فراغ القداس الإلهي في سنة ألف ومائة من سني الإسكندر وثلاث وثمانين ومائة من سني العرب ( 800 م ) .

 ملاحظة : أخذت هذه السيرة عن كتاب ( القديسون المنسيّون في التراث الإنطاكي ) ليس ذكر للقديس إنطونيوس وارداً في أي من التقومات الراهنة ، لكن سنسكارت القديمة تضمنته . إشترك في إكرامه الموارنة والسريان اليعاقبة والجيورجيون ، لكنه لم يرد في أي من السنسكارات اليونانية .

2- القديسة الشهيدة بيلاجية البتول الإنطاكية ( 304م )

  عاشت في إنطاكية في القرن الثالث الميلادي ، وقد منَّ عليها الله بجمال نادر ، وصل خبرها إلى حاكم المدينة إنها مسيحية ، فأرسل جنوده لإلقاء القبض عليها وهي في الخامسة عشرة من عمرها .

   أحاك الجنود بمنزلها وكادوا أن يقتحموه عندما فتحت لهم الباب بكل هدوء وعبّرت عن إستعدادها للذهاب معهم . طلبت منهم أن يصبروا عليها قليلاً ربما تعد نفسها ، فأذنوا لها . دخلت غرفتها وأخذت تصلي إلى سيدها بحرارة . كانت تعرف في قرارة نفسها أنها إن ذهبت معهم فلن تسلم من شرهم وسينالون منها . رفعت يديها إلى السماء وإنهمرت الدموع من عينيها . إبتهلت إلى ربها أن يحفظها من كل أذية وأن يأخذها إليه عذراء في النفس والجسد ، وقد قبل الرب صلاتها وأعطاها اليقين أن تقدِم على ميتة طوعية . وهكذا كان . فبعدما صلّت ألقت بنفسها من أعلى البيت وماتت .

قال القديس يوحنا الذهبي الفم عنها : ( إن موتها قد تم لا نتيجة حادث طبيعي ، بل بأمر من الله . ) كذلك قال إنها في رقادها ( … أحاطت بها الملائكة وعظّمها رؤساء الملائكة ، كما كان الرب يسوع نفسه معها ) .

   تعيد الكنيستان اللاتينية والمارونية للشهيدة بيلاجية البتول الإنطاكية في التاسع من شهر حزيران .

3- القديس الشهيد في الكهنة إبراهيم أسقف أربيل ( 343م )

   خلف القديس يوحنا الأربيلي الذي قضي شهيداً عام 343م . لم يطل به الزمان حتى قبض عليه أدورفر حاكم حدياب . هذا عرضهُ للضرب والتعذيب آملاً في حمله على السجود للشمس . ثبت على الإيمان بالرب يسوع ولم يتزحزح . كان يصرخ قائلاً :

 أؤمن برب واحد لا إله إلا هو وحده ، وله أسجد وإياه أعبد . لن لأتنازل عن إيماني الحقيقي أبداً . فقال له الحاكم :

 ( إعمل يا شقي ما يأمرك به الملك تخلص !

فأجابه : ( أسخر بك وبآلهتك وأنبذ ملكك وأمره لأنه يحاول أن يسدل ضلاله على الحق المبين . كلما سعى إلأى سحقنا بوقاحته وإلى القضاء على إيماننا ، كلما وجدنا مجداً لدى الله . وعبثاً يستسلم للشر ) فاستشاط الحاكم غضباً وأمر بقطع رأسه فكام كما أمر .

كان إستشهاده في قرية تلنيح في الخامس من شهر شباط .

بشفاعته وشفاعة القديس إنطونيوس القريشي وبيلاجية الإنطاكية ، أيها الرب يسوع إرحمنا وخلصنا ، آمين

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!