مقالات دينية

أسبوع الآلام والجمعة العظيمة

أسبوع الآلام والجمعة العظيمة

بقلم / وردا إسحاق قلّو

أسبوع الآلام والجمعة العظيمة

( ظُلِمَ ، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه . كشاة تُساقُ إلى الذبح . وكنعجةٍ صامِتَةٍ أمام جازيها فلم يفتح فاه ) ” إش 7:53″

   قبل بداية أسبوع الآلام تحتفل الكنيسة بذكرى قيامة لعازر من بين الأموات ، وبعده تحتفل بعيد السعانين ، يوم دخول المسيح إلى أورشليم ، وهذا اليوم هو الفاصل بين الصوم الكبير وصوم أسبوع الآلام . تعتبر أيام أسبوع الآلام من أقدس ا]ام السنة ، في تلك الأيام يقدم المؤمنون لله صوماً وصلوات وتقدمات وتهيأ النفس لأستقبال القائم من بين الأموات في القربانة الفصحية ، ففي طقوس الكنسية تقام صلوات وقراءات وألحان حزينة ، وتسابيح وعظات خاصة بآلام يسوع وصلبه وموته يوم الجمعة العظيمة . سميت بالعظيمة لأن فيها مات الفادي و دفع الفدية وحدثت المصالحة بين السماء والأرض ، بين الخالق والإنسان ، فتحررت البشرية من قيود الخطيئة . كما تعيش الكنيسة في يوم خميس الأسرار لتتذكر المؤمنين أهم ما فعله يسوع أمام تلاميذه وخاصةً رتبة الإفخارستية ، وأثناء تلك اللحظات غادر الخائن يهوذا الجلسة المباركة لكي ينفذ خطة الشيطان الذي دخل فيه لتسليم السيد إلى أيادي المجرمين , وفي هذا اليوم تقوم الكثير من الكنائس بغسل الأقدام لبعض المؤمنين كما فعل المسيح مع تلاميذه .  

   يسوع ولد مصلوباً ومات مصلوباً . فعندما ولد لم يكن له موضع في المنزل ( لو 6:2) وإذا كان في صورة الله ، بعد تجسده ( أخلى نفسه آخذاً صورة عبد … وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت . موت الصليب ) ” في2: 5-8″ . غاص بولس الرسول في معنى الصليب في نظر الناس ، وقال إنه حماقة ( 1 قور 23:1 ) لكن ما هو حماقة في عيون الناس هو حكمة في نظر الله ، والصليب يكشف إلى أيّ مدى بلغ تواضع غبن الله وطاعته : ( وظهر في هيئة إنسان ، فوضع نفسه وأطاع حتى الموت ، موت الصليب ) . ولئن الله هدم حدود الحكمة والقدرة البشريتين اللتين كنّا نعتقد أنه في محدوديتهما ، فإن الصليب أفسح الطريق إلأى فهم الله فهماً جديداً ( 1 قور 1: 19-20 ) .  

 يسمى أسبوع الآلام أيضاً بأسبوع الفصح . معنى الفصح هو العبور . فكما عبر الشعب العبري من العبودية إلأى الحرية ، هكذا حصل الشعب المسيحي على الخلاص فتحرر من عبودية الخطيئة ، فتحول من الظلام إلى النور ليصبح كل مؤمن أبناً لله .

   صوم أسبوع الآلام يحتاج إلى جهد وتعب أكثر من الصوم الأربعيني ، لأن تلك الأيام ثقيلة وقاسية لأنشغال الصائم في التأمل بعمق عمل الله الخلاصي ومحبته للبشر ، ففي فترة هذا الصوم ليس الصوم والإنقطاع عن الزفرين وإحتياجات الجسد الأخرى كالجنس واللهو والفرح في أمور أخرى ، بل للتفرغ الكامل مع الله ، لأن الصائم في هذه الأيام يسعى لتلبية إحتياجات الروح على حساب الجسد ، والله يتعامل مع المؤمن على مستويين ، الأول تلبية إحتياجات الجسد الضرورية ، والثاني إسقاط تلك الإحتياجات فترة أسبوع الآلام لكي يحيا الإنسان فكرياً وروحياً ليتقدم في طريق الخلاص فيعيش لله وحده لا لنفسه . وكما يقول المزمور ( معك لا أريد شيئاً عى الأرض ) ” مز 73 ” . وهكذا ينبغي أن يصل الشعب المؤمن في هذا الأسبوع إلى أعلى درجات النسك والزهد ليعيشوا عيشة الفقر. في أيام أسبوع الآلام تحتضن الكنيسة أكبر عدد من المؤمنين وخاصة يوم الجمعة العظيمة لكي تقترب من الله وتلتصق به ، وهكذا يعطون لله الأولوية وأهمية وتبجيل وتعظيم بسبب محبته الفائقة لنا لأنه أعطى أبنه الوحيد لكي يموت على خشبة الصليب ليخلص كل من يؤمن به , فلنتأمل بمحبة الله التي لا توصف المتجسدة في آلام إبنه ، طالبن منه في هذه الأيام لكي يعطينا شركة في آلامه ، وقوة لنتحمل الصلبان التي يهديها لنا لكي نحملها ونحن سائرين خلف درب صليبه المقدس .

   أجمل ما في هذا الأسبوع هو ان نرتفع إلى أعلى مستوى من الطهارة والقداسة لكي ندخل في عمق الإيمان فنتزين بالوقار متوحدين مع الله الذي أختارنا بسبب إيماننا بإبنه فنحبه محبةً صادقة فنتحدى كل مكائد الشيطان ، ونرفض كل طلباته كما فعل المسيح على الصليب عندما سمع طلبه على لسان أحد الأحبار، قائلاً ( فلينزل الآن المسيح ملك اليهود عن الصليب ، لنرى ونؤمن ) ” مر 32:15 ” . كان هذا آخر قول للشيطان ، بل آخر تجربة التي نطق بها على لسان إنسان . أراد الشيطان أن يجرب المسيح للمرة الأخيرة وهو جائع وعطشان كما فعل معه في التجارب الثلاثة بعد صومه لمدة أربعين يوماً . كتب البشير لوقا ( طالع 13:4 ) . أما الوقت الذي حان للشيطان لتجربة المسيح بدأ من ليلة العشاء الأخير عندما دخل الشيطان في يهوذا إلى لحظة تسليمه الروح للآب على الصليب . كانت تلك الفرصة الأخيرة المناسبة التي عبَّرَ عنها المسيح في إنجيل لوقا ، فقال ( ولكن هذه ساعتكم ! وهذا سلطان الظلام ! ) ” 53:22″ فمِحنة يسوع تظهر بوضوح على إنها الصراع النهائي ضد قوى الشر .

    شكراً لك يا إبن الله على محبتك وتضحيتك لأجلنا ، وبقيامتك غلبت الموت بالموت وكسرت شوكته ، وأعطيت لنا القوة والرجاء والفرح الدائم .

مجداً لك يا إلهنا المنتصر

  التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!