مقالات دينية

الهيـكل الحيّ لله

الهيـكل الحيّ لله
إعداد/ جورج حنا شكرو 
May be art
“يا والدة الإله، بما انك هيكل حيٌ لله، نمدحك مرتلين هكذا: افرحي يا خيمة للإله الكلمة، افرحي يا قدّيسة أفضل من قدس الأقداس”
تتكلّم هذه الصور الرائعة عمّا تحقّق في العذراء من نبوءات ورسوم مسبقة عنها وردت في العهد القديم. فالعذراء هي الهيكل الحقيقيّ. لأنّها حوت وحملت الكلمة ذاتها.
في العهد القديم، عندما استلم موسى الوصايا الإلهيّة على جبل سيناء وكانت مكتوبةً على لوحَين حجريَين، صارتْ هذه الكلمات المنقوشة على لوحَين حجريَين، هذه الوصايا العشر، صارت بمثابة كلمة الله وخطابه للبشر. وكانت تمثّل إرادته. وكانت تعبّر عن حضوره بينهم. لذلك حلّت محلّ الله مباشرة. وبنى الناس لله هيكلاً ووضعوا فيه هذه الألواح. وكان آنذاك هذا الهيكل متنقّلاً مع الشعب المرتحل من مكان لآخر. لذلك وضعوا هذين اللوحين في صندوق، أو “تابوت”. وهو عبارة عن بيت خشبيّ، كما وشّحوا هذا التابوت بالذهب، وحول التابوت نصبوا رسوماً للشاروبيم والسارفيم. وكانوا يضعونه في خيمة ترافقهم.
كانت هذه الخيمة التي فيها التابوت مع لوحَي العهد هي الهيكل في العهد القديم. وكان الشعب يحمله معه في مسيرته وكان مجداً للكهنة وملجأً لهم في الحروب، يتقدّمهم ويأخذون منه العون الإلهيّ. ولما استقرّ الشعب في أرض كنعان، كان هذا الهيكل، أي هذه الخيمة، هي كنـزهم ومجدهم، فتقاسموه بين أسباطهم، وكانوا ينقلونه فيما بينهم.
ما كان صوراً ورسوماً صار حقيقة. الهيكل هو المكان الذي فيه يحضر الله ويلاقي الإنسان. وهكذا كلّ الهياكل حَوَتْ داخلها حضرة الله، أو كلمة من كلمات الله، أو عشر كلماتٍ منها. ولكنّ الهيكل الحقيقيّ والمتنفّس والمصنوع من بشرة إنسانيّة وليس من طبيعة حجريّة، فكان العذراء مريم، التي لم تحوِ وصايا الله بل حَوَتْ الله ذاته.
فالعذراء هي الهيكل الحيّ وهي الأقدس من قدس الأقداس لأنّها حملت الكلمة ذاتها. والعذراء هي تابوت عهد الله موشّح، ولكن ليس بالذهب الماديّ، وإنّما كان مذهّباً بالروح القدس الذي ظلّلها وحلّ عليها.
العذراء هي كنـز لا يفنى، إنّها تابوت العهد الذي يفوق تابوت العهد القديم بكثير. فهي كنـز لا يتقاسمنا عليه أحد، ولا يُفقد كما فُقد التابوت في العهد القديم أثناء السبي.
إنها الهيكل الحقيقيّ وتاج الملوك وحمايتهم الحقيقيّة، بشفاعتها التي لا تُردّ. وخاصّة حين نتذكّر أنّ المديح شاع استخدامه بعد غلبة الشعب المسيحيّ بواسطة أيقونة العذراء القائدة. ومن هناك دخلت ترنيمة: “إني أنا عبدك يا والدة أكتب لك رايات الغلبة…”. العذراء إذن هي سور لا ينهدم وبرج للكنيسة لا يتزعزع. بالعذراء يقوم الظفر ويسقط الأعداء الروحيّون.
في العهد القديم كان الهيكل الحجريّ يحوي كلمات الله -الوصايا. وكان ذلك تمهيداً ورسماً لما سيتحقّق في البتول، التي هي الهيكل الحيّ والتي حوت الله ذاته. هناك سمع الناس كلمات الله وهنا تصّرف الناسُ مع الله. هناك الهيكل كان يحوي كلمات عن الله، وهنا يحوي الله ذاته.
بولس الرسول يعمّم الهيكل على الناس جميعاً. ويقول: “أنتم هيكل الله الحيّ”. وهذه حقيقة نحياها وتتحقّق فينا بالمناولة وبالنعم الإلهيّة المعطاة لنا في الكنيسة. لذلك نحن نتابع تحقيق ما أراد الله تحقيقه في العذراء. وبحسب بولس الرسول، علينا إذن أن نكون هياكل نظيفة طاهرة وشريفة.
العذراء هي الهيكل الحيّ الأمثل. والجميع بعدها يقتدون بها فيصيرون هياكل مثلها لكلمة الله. وهذا يقتضي أن نكون عذارى النفس وطاهري القلب وأنقياء بالحواس والأعمال وفي كلّ تصرفات الحياة. آمـــيــن
المطران بــولس يـــازجـي

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!