الحوار الهاديء

رسالة مفتوحة الى السادة نواب شعبنا في مجلس النواب العراقي

الكاتب: الدكتور عبدالله مرقس رابي
رسالة مفتوحة الى السادة
نواب شعبنا في مجلس النواب العراقي
 
د . عبدالله مرقس رابي
باحث أكاديمي
                        أوجه هذه الرسالة اليكم ومن خلالكم لكل المهتمين من الاحزاب السياسية ورجال الدين  بموضوع البطاقة الوطنية بمناسبة أستضافتكم من قبل  لجنة الاوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب  مع ممثلي الايزيدية والصابئة المندائية .في أجتماع عُقد صباح الاربعاء 11/ 11 / 2015في مقرها بمبنى البرلمان .
     أيها السادة المحترمون :
                            أقدر عاليا مساعيكم المبذولة من أجل نيل ِشعبنا حقوقه بقدر المستطاع وبحسب الظروف السياسية المعقدة والقانونية المضطربة غير المستقرة في العراق وانتم بعددكم القليل جدا بين الغالبية العظمى المُسيطرة على زمام الحكم في السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية .وأن المساعي المبذولة من قبلكم هي نتاج للمشاورات التي تُقيمونها مع أحزابكم السياسية والمسؤولين الكنسيين .
وأنما وبحسب ما توصلتم أليه في أجتماعكم الاخير المذكور أعلاه يتبين بوضوح الحاجة الى لجوئكم للاستشارات القانونية  ،أو الى الاختصاصات ذات العلاقة بموضوع المناقشة أو الحدث، أنتم والاحزاب السياسية ورجال الدين .حيث أن أتفاقكم على المقترح الثاني الذي يُشير الى : أو يُضاف الى نص الفقرة المُختلف عليها ( وله حق الاختيار عند البلوغ الشرعي ) ، – كما نُشر في الوسائل الاعلامية – يدل على عدم  الالمام بتداعيات والاثار الناجمة  من أضافتها ، أو الفائدة التي ستتحقق من أضافتها ، بينما المقترح الاول الذي يُشير الى رفض الفقرة بأكملها  هو الهدف  المنشود .
لوعُرضا المقترحان لاعضاء مجلس النواب للتصويت عليهما ، يا ترى ماذا ستكون النتيجة ؟ بالطبع أن الذين وافقوا في التصويت الاول على تثبيت الفقرة سيرفضون مقترحكم الاول لانه لا يخدمهم ، فيلجأؤن الى المقترح الثاني.وأذا تم الاتفاق على المقترح الثاني فهل سنحقق نتائج أيجابية ؟ وهذا ما سأناقشه في هذه الرسالة.
كما هو معروف أكاديميا بأن القانون هو أنعكاس للنُظم الاجتماعية وطبيعة الحياة الاجتماعية ،فتشريع أي قانون لابد أن يُعتمد على المختص في القانون بالدرجة الاساس ،وثم هناك ثمة  أهمية كبيرة لمراجعة الاختصاصيين النفسانيين والاجتماعيين لكي يُشخصوا ألابعاد والآثار المترتبة لتطبيق القانون المشرع .وعليه لم تكن كافية عملية عرض المقترح ومناقشة الموضوع مع رجال الدين لوحدهم كما أشار النائب القدير رائد أسحق متي العضو في مجلس النواب في مقابلة معه اجراها موقع عشتار تي في في 11 /11 / 2015.فالموضوع لايخص رجال الدين لوحدهم بل القانونيين بدرجة الاساس وغيرهم من الاختصاصات .
وقد تم مناقشة موضوع البطاقاة الوطنية والمادة 26 الفقرة الثانية قانونيا بعناية أختصاصية فائقة من قبل الاستاذين الموقرين ( ماهر سعيد متي والذي كما يبدو أنه قد تابع الموضوع منذ فترة طويلة ونبه اليه ووضع مقترحاته القانونية ،وثم ما ناقشه أخيرا يعقوب أبونا  في مقالته الموسومة ” وأخيرا البرلمان العراقي ينتصر على الطفل العراقي بقانون البطاقة الوطنية “).
أنما لو تم الاتفاق على أضافة عبارة ” وله حق الاختيار عند البلوغ الشرعي ” الى الفقرة ثانيا من المادة 26 أو بالصيغة الاولى التي رُفضت هي الاخرى ( أن يبقى الاولاد القاصرين على دينهم لحين أكمال الثامنة عشرة من العمر ) بحسب ما صرح به النائب رائد اسحق في مقابلته ،ستبقى الحاجة الى الاستشارة النفسية الاجتماعية لتشخيص التداعيات والاثار المترتبة عن أضافتها،فهنا أسمحوا لي أن أناقش تلك الاثار وهل سنحقق الغاية منها ؟
ماهو سن البلوغ وسن الرشد ؟
                                بحسب خبرتي ومتابعة المستجدات عن هذين المصطلحين المرتبطين بعلم الاجتماع الجنائي وعلم النفس الشخصية ،يتبين هناك فرق بينهما .
سن البلوغ : وهو السن الذي يصله الفرد ليميزه  نفسيا وجسديا  عن ما كان عليه قبله،وذلك للنمو والنضج الحاصل في الجهاز التناسلي  تحت تأثير نمو الغدد المسؤولة عن العملية الجنسية ، وقدرة الفرد من كلا الجنسين  على أداء العمل الجنسي ،وقد يُشخص النضج الجنسي من خلال ظهورالعلامات الطبيعية البايولوجية التي تُعبر عن  معالم الرجولة عند الفتى ومعالم الانوثة عند الفتاة والتغيرات النفسية  والاجتماعية المصاحبة للتغيرات الجسدية .
ويتباين سن البلوغ والنضج الجنسي لتأثير عوامل مهمة يتعرض لها الافراد ، وأهمها البيئة المناخية ،حيث توصلت الدراسات المُقارنة الى أن الذين يعيشون في المناطق الحارة أسرع نضجا من الذين يعيشون في المناطق الباردة ، فهناك ارتباط بين درجة الحرارة والنضج الجنسي ، فكلما أرتفعت درجة الحرارة تتسارع عملية النضج الجنسي. وعلى هذا التباين أختلفت المجتمعات في تحديد سن البلوغ وثم سن الرشد .ومن العوامل الاخرى نوع التغذية التي يتلقاها الاطفال ، فالمعاناة من سوء التغذية سيؤدي الى تأخر سن النضج والعكس صحيح ،اضافة الى العوامل الوراثية ،وتعرض الاطفال الى الامراض المختلفة .
يرتبط مفهوم البلوغ الشرعي عند الاسلام ، والذي وُرد في المقترح الثاني ،بسن البلوغ الجنسي ،فالبلوغ الشرعي للذكر هو من أكمل خمسة عشرة سنة قمرية لظهور علامات الرجولة لديه لبلوغه الجنسي.أما  البلوغ الشرعي عند الفتاة بأكمالها تسعُ سنوات قمرية ، حيث تظهر علامات البلوغ الجنسي لديها.وهناك شبه أجماع لدى المفسرين والفقهاء والمذاهب الدينية الاسلامية.
أما سن الرشد : وهو السن الذي يبلغه الافراد من الجنسين بسبب النمو العقلي الذي يمنحه الاهلية في تحمل مسؤولية الفعل الذي يقوم به سواء كان سلبيا أو ايجابيا في تأثيره على المجتمع ،وعليه يتحمل المسؤولية الجزائية وفق أحكام القانون الجنائي ،لانه يتميز بالقدرة على الادراك الذي يتضمن معنى الرؤية والبصيرة والعقل ،حيث تكتمل معالم الشخصية الاجتماعية لديه .
ويتراوح سن الرشد العقلي بين من أكمل 18 – 22  بحسب طبيعة القوانين العاملة في البلد .فمثلا يتباين القانون بين البلدان في السن الذي يسمح به شرائه لعلبة السكائر أو التردد الى محلات الخمور أو محلات القمار، وفي تحديد المسؤولية الجنائية.
  حق الاختيار عند البلوغ الشرعي
                                      لم يُشير الخبر الذي أعلن عن أجتماعكم مع لجنة الاوقاف النيابية الى ماهية البلوغ الشرعي وما هو السن المحدد له. فاذا كان غير معروف لديكم فهذه مصيبة ،أما اذا تم أعلامكم به ،فهل أدركتم ماهي الارتباطات القانونية والتأثيرات النفسية وتداعيات الظاهرة بمجملها ؟وقد كانت محاولة ذكية من لجنة الاوقاف النيابية لوضعها أمامكم المقترح هذا ، لانهم يدركون تماما أيجابياته بالنسبة الى من يقرون في أسلمة الاطفال تلقائيا أذا أعتنق أحد الوالدين الدين الاسلامي . ولربما تسألون لماذا ؟
البلوغ الشرعي للفتاة عند الاسلام هو كما أشرنا اعلاه من بلغت التاسعة من عمرها معتمدين في ذلك على البلوغ الجنسي وهذا ما أقرته الشريعة الاسلامية ،الذي يتناقض تماما مع سن الرشد في القوانين الوضعية،بمعنى أن الفتاة البالغة من العمر التاسعة غير مكتملة شخصيتها الاجتماعية ولا تدرك وتميز بين الافعال التي تؤديها حيث لا تتمتع بالنضج العقلي والفكري، فهي لا تزال تحت تأثير عقلية الطفولة المتأخرة والمراهقة.
وهكذا بالنسبة الى الفتى فبلوغه الشرعي هو عند أكماله السن الخامسة عشرة ،فهو الاخرتحت تأثير فترة المراهقة وعدم النضج العقلي ليُميز بين الافعال ليحدد مواقفه الصحيحة ،حيث تُشير الدراسات الى عدم وجود علاقة بين النضج الجنسي والنضج العقلي الذي يؤهل الفرد لكي يتحمل المسؤولية .فالبلوغ الشرعي عند الاسلام مبني على أسس غير علمية وموضوعية  .
أين هي المشكلة ؟
                   بحسب المقترح الثاني على صيغته المُعلنة ،يدل على أن الابناء القاصرين سيبقون بدون هوية دينية الى حين بلوغهم الشرعي ،ولكن هل وضعتم في الاعتبار رعاية القاصر لحين بلوغه ومساءلته لكي يختار دينه؟
قانونيا  ، القاصر في حالة الطلاق بين الزوجين يكون في حضانة الام اذا هيئت له مستلزمات الحياة للعيش الملائم ، وان لا تكون منحرفة ،أو لها خلل عقلي ،أو مرض نفسي بحيث تؤثر في عملية التنشئة.فما هي المخاطر والاثار النفسية والاجتماعية المتوقعة اذا بقي القاصر في حضانة الام التي طلقها زوجها لانها أعتنقت الاسلام  ؟ بالطبع وكما هو معروف علميا وفقا لمفاهيم علم النفس الاجتماعي أن الفرد يولد وعقله صفحة بيضاء ،وتبدأ الطباعة على هذه الصفحة من خلال التنشئة الاجتماعية التي يتلقاها من الاسرة منذ نعومة الاظافر ،فتتكون عقليته وتتشكل معالم شخصيته الاجتماعية وقيمه وتقاليده ومفاهيمه الحياتية  بما فيه القيم الدينية من خلالها ،وتبقى ملازمة لفكره عند البلوغ ومن الصعوبة تغييرها . فكيف ستكون الحالة القيمية للقاصر وهو يعيش منذ الطفولة أو الولادة في أحضان أم أعتنقت الاسلام وزوجها مسلم ؟ بالطبع سيختار يوم المساءلة الدين الاسلامي .
وهكذا لو كان الذي أعتنق الاسلام هو الاب ، واحتضن القاصرين ويتزوج من مسلمة ، فيعني ذلك بأن هؤلاء القاصرين المُؤجل أختيارهم للدين سيعيشون في حضانة عائلة مسلمة ،وتنطبق من الاثار المترتبة نفسها تلك التي أشرت اليها اعلاه .
 وأما اذا أسلم أحد الوالدين ولهم من الابناء القاصرين ،وحدد القانون لرعايتهم وحضانتهم ( الرعاية البديلة )وقد تكون مؤسسة حكومية أو أسرة أخرى ،وفي هذه الحالة سيتمخض عنها مخاطر نفسية وأجتماعية أيضا لان دولة مثل العراق تعد الاسلام الدين الرسمي لها ،فحتما ستكون التنشئة التي يتلقاها القاصرون في مؤسساتها وفقا لمفاهيمه وشريعته .وهكذا لو كانت الاسرة البديلة تدين بالاسلامية.
فهل وضعتم بالاعتبار مكان تواجد وأقامة ورعاية القاصر بعد الطلاق لاسلمة أحد الوالدين ؟ فهي مسالة أساسية مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية التي تصقل شخصية الفرد وتؤهله  لتحديد مواقفه الدينية والسياسية والاجتماعية والغذائية والتعلمية والمهنية .
أما جدلا لو وافق مجلس النواب على بقاء القاصر مسيحيا أو يزيديا أو صابئيا لحين بلوغه سن الرشد القانونية .فهل تم تحديد مكان أقامته أو رعايته أو حضانته؟ وهل المقصود بقائه على دينه رسميا لتسجيله في بطاقته المدنية فحسب ؟ وماذا سنجني من مجرد التأشيرة في الهوية ؟وننسى ما ذكرته أعلاه من الارتباطات في الحضانة والتنشئة .فالمسألة الاساسية هي مع من سيعيش هذا القاصر وماذا سيتلقى من التنشئة والمفاهيم الدينية ؟ فاذا عاش مع أمه المسلمة والمتزوجة من مسلم ،أو ان يعيش مع أبيه المسلم المتزوج من مسلمة،فلا جدوى من تسمية دينه في البطاقة المدنية ،وبعدها حتما سيتأثر بما تلقنه من الوالدين الجدد فسيغير الدين المسجل على الورق بالذي تلقاه في تنشئته .
ايها السادة نوابنا الاعزاء
                            من المعطيات الواردة أعلاه والمستنتجة من الدراسات النفسية والاجتماعية ،أرى لا جدوى من المقترح الثاني . وحتى المقترح الذي سبق وأن رُفض والذي يؤكد على بقاء القاصر على دينه لحين بلوغ سن الرشد . بل الاصرار على ألغاء الفقرة ثانيا من المادة 26 هي الحل ، وهذا يعتمد على أمكانات القانونيين من أبناء شعبنا والاحزاب ورجال الدين من الطوائف الدينية المشمولة لكي يسعون الى طرح المسألة للراي العام العالمي الشعبي والرسمي .
وثانيا ، أنكم ممثلو شعبنا فهذا فخر لنا جميعا وفي ظل أوضاع متردية سياسيا وقانونيا وأمنيا وأجتماعيا ،ولكن المطلوب منكم الاستعانة في مثل هذه الحالات وغيرها باصحاب الاختصاص والذين يتمتعون بخبرة ودراية بأبعاد الظاهرة ، فهنا في هذه الحالة أن الادراك والشمولية في الدراية بابعاد المشكلة هي في مجملها عند القانونيين والنفسانيين الاجتماعيين أكثر مما تكون عند السياسيين ورجال الدين ،فلا يعني أن الظاهرة هي من أختصاص رجال الدين لان المسالة ترتبط بتحديد دين القاصر .
لكي تحققون النتائج المرجوة من لقاءاتكم مع أصحاب الشأن والقرار وفي اللقاءات مع المسؤولين لطرح قضايا شعبنا ،الاستعانة بأفكار المختصين من أبناء شعبنا حتى لو كانوا من المستقلين ومن أية أثنية،سواء في الداخل أو الخارج ،ويفضل أن يتضمن تشكيل وفودكم منهم ،فلغتهم في الحديث تختلف عن غير المختص وعن السياسي .كما تفضل به الاستاذ بطرس نباتي في مقالته الموسومة” خبر آخر لا يقل عن أسلمة القاصر”( أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق المؤسسات ورجالات الكنائس والاحزاب وومثلي شعبنا الذين لا يتمتعون بأية كفاءة قانونية أولا ،وترفعهم عن الاخذ براي القانونيين وطلب مشورتهم أو حتى الاستعانة بهم ) .واضيف الى القانونيين الاختصاصات الاخرى المختلفة التي تستوجب الحاجة اليهم في بعض الحالات.
فهناك العديد من الاختصاصيين القانونيين والنفسانيين والاجتماعيين وفي اختصاصات أخرى أذا استوجبت الحاجة ،. أعرف شخصيا العديد من طلبتي الاعزاء  الخريجين الباحثين الاجتماعينن من أبناء بغديدا وتللسقف وبرطلة والموصل من أبناء شعبنا ، والعديد من الاساتذة المختصين في القانون وعلم النفس والاجتماع في مختلف الجامعات العراقية شمالا وجنوبا من أبناء شعبنا أيضا .فلماذا لم تُستغل أمكاناتهم العلمية والمعرفية ،فهل يُشترط الاستعانة بهم أن يكون منتميا الى حزب ما ؟
وأخيرا تقبلوا تحياتي وتنمياتي لكم بالنجاح والموفقية لخدمة شعبنا .
د . عبدالله رابي
كندا في 14 / 11 / 2015
 
 
                   
 
                                        ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!