مقالات دينية

هكذا نفهم جلوس المسيح عن يمين الله

هكذا نفهم جلوس المسيح عن يمين الله

بقلم / وردا إسحاق قلّو

  قال يسوع لعظيم الكهنة ( سترون بعد اليوم إبن الإنسان جالساً عن يمين القدير ، وآتياً على سحاب السماء ) ” مت 64: 26 ” .

   قبل كل شىء علينا أن نعترف بأن الله روح ، وهو كائن غير محدود ، أيضاً هو أصل الوجود وخالقه . أفلا تحدده آيات كثيرة عندما تصفه جالساً ، أو واقفاً عن يمين الله ؟ فماذا يُعني بيمين الله القديرأو يساره ؟ كلنا نؤمن بأن المسيح بعد الصعود دخل في مجد الله ليملاْ الكون كله بوجوده ، أي ليس لله بأقانيمه الثلاثة حدود . ويسوع صعد إلى السماء ودخل في الله الواحد ، لأنهما واحد ، وحسب قوله عندما كان في الجسد ( أنا والآب واحد ) ” يو30:10 ” . بل هو في الآب والآب فيه وكما قال لرسوله فيلبس ( من رآني رأى الآب … ألا تؤمن أنا في الآب والآب فيّ ؟ ) ” يو14: 9-10″ . وفي العهد القديم يقول المزمر ( قال الرّبُ لربّي ، إجلس عن يميني حتّى أضع أعداءكَ موطئاً لقدميك ) ” مز 1:110″ , ويؤكد الرسول بولس تلك الآية فيقول ( فمن من الملائكة قال الله له يوماً ” إجلس عن يميني حتى أجعل أعدائك موطئاً لقدميك ؟ ) ” عب 13:1 ” .

هنا نجد أن الله الآب هو ( رب ) وابنه الجالس عن يمينه هو ( رب ) أيضاً . إذاً الأثنان هم :

1 في 1 = 1

   فإذا كان الآب والأبن واحد فكيف يجلس المسيح عن يمينه ؟ كما علينا أن نفهم المقصود بكلمة (جلس )  يعني بها دخول المسيح في مجد الآب ، نقرأ في الأنجيل ( متى جاء بمجده ومجد الآب … ) ” لو 16:9 ” ومجدهما هو واحد . وهذا ما عّبَرَ عنه الرسول بالقول ( أن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد ابيه مع ملائكته ) ” مت 17:16 ” . كما نقرأ أيضاً ( وأما رأس الكلام فهو أنه لنا حبراً جلس عن يمين عرش الجلال في السموات ) ” عب 1:8 ” كذلك ( جلس عن يمين العظمة في الأعالي ) “عب 2:2 ” بينما الشماس أسطفانوس رآه قائماً عن يمين الله وليس جالساً ( أع 56:7 ) إذاً كل هذه التعابير وُضِعَت لكي تكون بمستوى لغتنا البشرية وبحسب مفهومنا الإنساني ، أما لغة ومفهوم السماء فتختلف عن تعليمنا وعن مستوى إدراكنا الذي لا يرتقي إلى علم الله ، لهذا يقول الرسول بولس عن معرفتنا الناقصة ستزول ، قال (  والمعرفة تزول ، لأن معرفتنا ناقصة ، ونبواتنا ناقصة ، فمتى جاء الكامل زال الناقص ) ” 1 قور 9:13 ” . ففكرة الجلوس على اليمين واليسار لنيل العظمة كانت موجودة في الفكر اليهودي لهذا طلبت أم أبني زبدي من يسوع طلباً فقالت له ( مر أن يجلس أبناي هذان أحدهما عن يمينك والاخر عن شمالك في ملكوتك ) ” مت 21:20 ” . أما في أنجيل مرقس فنقرأ بأنهما طلبا منه ذلك ( طالع مر 37:10 ” فكان رده لهم ( أنتما لا تعرفان ما تطلبان …. فليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم ) ” مر 40:1110 ” وإن كان ليسوع يمين فنقول ، أليست مريم العذراء مستحقة أكثر منهما ؟ وهذه الفكرة نعضبّر عنها في الأيقونات الخاصة بالعذراء ويسوع أو التماثيل فنجد أن مريم تحمل يسوع على كتفها الأيسر لكي تصبح هي عن يمين قدرة أبنها . ومن الأفضل أن نتجاوز حرفية الكلمات المكتوبة لندخل في عمق الهدف الذي كتبت من أجله . وكذلك نبحث عن الأهم وهو أن ندخل نحن في مجد الله كما دخل يسوع ، وهكذا نحن ايضاً المحدودين في هذا العالم بأجسادنا المادية ، عندما ننطلق إلى السماء سنكون في حضن الله وندخل في مجده ، وهذا أفضل . لهذا صعد يسوع لكي يجذبنا إليه فنجلس عن يمينه الغير محدود ، أي في مجده وقوته وسره . وهذا هو وعد المسيح لنا ، قال لنا بعد صعوده ( والغالب سأهب له أن يجلس معي على عرش كما غلبت أنا أيضاً فجلست مع أبي على عرشه ) ” رؤ 21:3 ” وهنا لم يحدد عن جلوسه إلى يمين عرش الله ، بل قال مع أبي على عرشه . ولكي نفهم بأن العرش أي كرسي الله هو واحد لهذا تؤكد لنا الآية ( عرش الله وعرش الحمل واحد ولهما عبادة واحدة ) ” رؤ 3:22″ .

  ختاماً :  نقول في قانون الإيمان ( … وجلس عن يمين الله الآب .. ) والله روح غير محدود بزمان ومكان . موجود في الكون كله ، وهو ثالوث في أقانيمه وواحد في تكوينه . والكلمات التي نقرأها في الكتاب المقدس مثلاً ( يمين الله ) فمعناها قدرته القوية . وكذلك ( رفع الله المسيح  أعلى من الملائكة ) فيعني بها بأنه كرمه أفضل تكريم كإله لا كإنسان أو ملاك . كما نقرأ ( الله يحمينا بكلتا جناحيه ) فهل الله يحتاج هو وملائكته إلى أجنحة وهم أرواح ، وهل الأجنحة تحمل الروح ؟ إنها مجرد كلمات تصوِّر المطلوب فهمه لتضعه على مستوى إدراك عقولنا . كما علينا أن لا ننسى بأن المسيح قد أخلى ذاته وتجسد ، وأخذ له شكل العبد ، وعاش بيننا كإنسان ( في 5:2 ) وتحدث بلغتنا ، وتألم وجاع وعطش مثلنا ، لكي ينقل إلينا رسالته السماوية بلغتنا . لكن أخيراً سيأتي بمجد عظيم ، وبنمظر مخالف لمجيئه الأول . وعلينا أن نستعد لأستقباله ونحن مؤمنين طاهرين  فرحين لكي يخطفنا من هذا العالم إلى عالمه الخالد لنبقى معه إلى أبد الآبدين . ليتمجد اسمه القدوس .

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!