الحوار الهاديء

ألرابطة الكلدانية والآفاق المستقبلية

الكاتب: الدكتور صباح قيا
ألرابطة الكلدانية والآفاق المستقبلية

د. صباح قيّا

كانت النية أن أشد الرحال إلى أرض الوطن لأحضر المؤتمر التأسيسي للرابطة الكلدانية المؤمل انعقاده خلال  الأيام الأولى من شهر تموز , لأشهد بنفسي ولادتها من قلب الحدث , وأرسم في ذهني صورتها المرحلية وآفاقها المستقبلية , بعد ان بدأ القلق يساورني نتيجة التعديلات  السريعة والمتباينة في فقرات مسودة نظامها الداخلي , وخاصة في تغيير بعض نقاطها الجوهرية التي اتفق عليها المجتمعون , ولي الشرف أن أكون أحدهم , مع المطران ابراهيم ابراهيم … أتعلم من الحياة دروساً كثيرة ’ فليست العبرة في الوصول إلى القمة , بل بالثبات عليها .. وليس المهم ما يمتهن المرء , بل ما يبدعه بمهنته … وهكذا حال الرابطة , فإن لم تفلح في تحقيق ما ذكرت آنفاً , فستظل مجرد مسمى ضمن المسميات الرنانة شكلاً والعقيمة فعلاً … ومهما أعلن من مبررات عن دوافع تقاطع  مسلسل المسودات , يبقى الإستنتاج مفتوحاً والإجتهاد واسعاً . وحتى لو أسقطت معظم التفسيرات جانباً , تبقى الشكوك عن دور التأثيرات الخارجية عاملاً أساسياً في تذبذب القرار , إضافة إلى ضبابية الأدوات الفاعلة في عمل الرابطة والتردد في تحديد هويتها المطلوبة . ولكي يكتب النجاح للرابطة كفكرة رائدة ومشروع واعد , لا بد من توفر الحد الأدنى من مرتكزات وقواعد النجاح لأية فكرة عند التنفيذ , ومنها وضوح الهوية بأبعادها الشاملة , وتحديد الأهداف العاجلة والآجلة  , مع توفر صفات القيادة ومقومات الإدارة الراشدة  عند من يضطلع بمسؤولية إدارتها ..
من الضروري جداً جداً أن تبدأ الرابطة باكورة إنتاجها بعمل متميز يطرب المؤازر لها  ويخرس الساخر منها , فالكلمات المعسولة والخطب الح*ما*سية بدون خطوات مبرمجة بدقة وفعل جاد ملموس لن تؤدي إلا إلى زيادة تشرذم هذه الأمة التي رسمت للبشرية حضارتها الأولى . وقد أكون قاسياً نوعاً ما بقولي أن ميزة القيادة أعلاه هي الحلقة المفقودة بين أبناء الشعب الكلداني كما أثبتت الأحداث منذ الإجتياح الأجنبي عام 2003 م , ومن العسير بل المستحيل أن تتفق الأغلبية , ولا أقول ألكل  , على شخصية علمانية  تحضى بالثقة وتطمئن لها النفوس بسبب مشاعر الإحباط التي تولدت عبر السنوات الماضية نتيجة تغليب ظاهرة الأنا عند من كانت له حصة الأسد من الدعم والتأييد من جهة , وفشل الأطراف المتنفذة في النطق بصوت واحد لإعلاء الشأن الكلداني بمنأى عن المصلحة الذاتية من جهة أخرى …
يتبادر الآن تساؤلي : هل يقتنع الجميع برجل الدين ؟ ألجواب كلا للجميع , ولكن نعم للأغلبية … ومن دون شك أعتبر نفسي ضمن الأغلبية , وذلك أحد الحوافز الذي يدفعني لحضور المؤتمر التأسيسي لكي أحاول المستحيل مع من يشاطرني الرأي عسى أن يعيد غبطة البطريرك النظر في موقفه الرافض لترشيح نفسه لرئاسة الرابطة خلافاً لما ورد في بعض مسودات النظام الداخلي السابقة .. وليس موقفي هذا نابعاً من انحيازي لغبطته على الإطلاق , حيث لا تخفى عليً , من خلال خبرتي الشخصية وخبرة الكثيرين ممن سبق لهم العمل المشترك مع رعاة الكنيسة , صعوبة الإندماج والتجانس في اتخاذ القرار بين الذات العلمانية والنفس الروحية , والأسباب لذلك متعددة ومتشعبة أهمها مشاعر التملك الكنسي والرعوي التي يتصف بها معظم رعاة الكنائس وخاصة الشرقية منها إلى درجة التسلط في بعض الأحيان , دون الإكتراث جدياً بالنتائج المترتبة والتي قد تضطر البعض إلى هجرة كنيستهم الأم … ولكن وجهة نظري تنطلق من قناعتي بأن الرابطة قد لا تحقق الغرض المرجو من إيجادها بقيادة علمانية بادئ الأمر . ولا شك بأن غبطة البطريرك ألذي هو صاحب الفكرة أساساً يمتلك التصور الأمثل عما يجب أن يكون مسارها بغية الوصول إلى الغايات المرسومة لها . وكما يقال ” للضرورة أحكام ”  فلا بد من تجنب الخطأ المرحلي والإستراتيجي بعدم تبوأ غبطته رئاسة الرابطة في الدورة الأولى على الأقل , بل الدعوة والتركيز على وجوده في قمتها , وحتماً ستتهيا الفرصة خلال تلك الفترة  لبروز شخصيات قيادية تتمتع بثقة منتسبي الرابطة ومن ثم انتخاب أحدهم لإشغال المنصب الرئاسي في الدورات اللاحقة …
هنالك من يروج لإبعاد غبطته عن إدارة  الرابطة بحجج مختلفة أقل ما يقال عنها بأنها ” كلمات حق يراد بها باطل ” . ويظهر , للأسف الشديد , وارجو ان اكون متوهماً , بأن غبطته قد اذعن لحملات الترويج تلك ونأى بنفسه بعيداً عن رئاستها . ولا شك بأن القليل جداً من تلك الدعوات سليم النية , ولكن معظمها بسبب رعبها وارتعادها  لمعرفتها المسبقة بأن إشغال غبطته ذلك الموقع يعني استقطاب أكثر عدد من الكلدان حول جوهر الرابطة المعلن والمعني سواء كنسياً أو قومياً أو كلدانياً , والذي بدوره سيعزل  من عمل ولا يزال بعمل لتهميش الأمة الكلدانية او إحتوائها , ويغيض من هو الآن بدون الثقل الكلداني صفر على الشمال , وبذا يتيقن أن دوره بطريقه إلى الأفول والزوال … أخشى ما اخشاه على الوليد ضعفه , والأمل من غبطته أن يفوت الفرصة على من يتمناه أن يكون الوليد هزيلاً ….
لا بد قبل الختام الإشارة إلى وتر آخر يعزف عليه المرتعبون والذي لا يقل أهمية عن وتر القيادة الروحية , ألا وهو ” هدف الرابطة ” . فهنالك أيضا من يلح ويؤكد على اقتصار عمل الرابطة على الجانب التثقيفي والتاريخي فقط دون الإهتمام بالجوانب الحياتية الإخرى التي ستساهم بقدر كبير  في بلورة الإسم الكلداني وتبرز ثقله ليس على أرض الوطن الحبيب  فحسب وإنما في كافة دول الإنتشار التي ستزخر بوجوده وبدوره الريادي الفعال في شتى المجالات وحتى السياسية منها … لقد غاب عن هؤلاء المرتعبين أو بالأحرى تناسوا بأن هنالك الكثير من المنظمات الكدانية وبمسميات متنوعة تتداول الشؤون الثقافية وحتى اللغوية بجدارة وانتظام , ولا يحتاج الشعب الكلداني أن يؤسس رابطة تعني بهذا الجانب فقط وتكرر ما سبق وأن تم تشكيله منذ حقبة زمنية ليست بالقصيرة . ما تطمح إليه الجموع بالذات بزوغ مؤسسة توحد الكلمة وترص الصفوف وتعبد الجسور بين ماض عريق وواقع أليم لتعيد أمجاد أمة يتغنى العالم بعلومها وفنونها وتنحني لها الثقافات إكراماً لما استمد من قانونها وكتب على مسلتها … ويظل صراخ  المرتعبين مفضوحاً ومكشوفاً في هذه الحالة أيضاً لمعرفتهم التامة بأن التوسع في الإهتمامات الحياتية للرابطة سيكشف قصور نظرتهم وسوء تقديرهم لمسار  الأمور العامة والخاصة لتظهر حقيقتهم المزيفة فتهجرهم الجماهير إلى غير رجعة . ألأمل أن تنتبه الهيئة التأسيسية لذلك وأن لا تتردد في الإشارة مستقبلاً إلى من يستحق أن يمثل الكلدان في المحافل الوطنية والدولية  .. والحليم من الإشارة يفهم .
أعترف بقلقي رغم كون تشاؤمي ليس بالمطلق , ولكن تفاؤلي حتما محدد . أقرأ صورة مستقبلية يشوبها الإرباك في بعض جوانبها لإختلاف المواقف ووجهات النظر  ً,  وأرى تباينا قد يكون جوهرياً في أنشطة فروع الرابطة بحسب المكان وح*ما*س الأشخاص المناطة إليهم مسؤوليتها . ومهما حصل من كبوة في زاوية معينة ’ سيقابلها بريق في زاوية أخرى يشع لمعانه تدريجياً إلى أن تتوضح الصورة بأحلى تفاصيلها , ولسان حالي يردد بأن الأشياء الجميلة تأتي في الوقت المناسب .   ..

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!