مقالات

حصانة عضو مجلس النواب والقراءات المتباينة لنص المادة (63/ثانياً) من الدستور

ان نص المادة (63/ثانياً) من الدستور العراقي جاء فيها مبدأ دستوري يتعلق بحصانة عضو مجلس النواب، وعلى وفق النص الاتي (أ- يتمتع عضو مجلس النواب بالحصانة عما يدلي به من اراء في اثناء دورة الانعقاد ولا يتعرض للمقاضاة امام المحاكم بشأن ذلك. ب- لا يجوز القاء القبض على العضو خلال مدة الفصل التشريعي الا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة الاعضاء بالأغلبية المطلقة على رفع الحصانة عنه أو اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية. ج- لا يجوز القاء القبض على العضو خارج مدة الفصل التشريعي الا اذا كان متهماً بجناية، وبموافقة رئيس مجلس النواب على رفع الحصانة عنه، أو اذا ضبط متلبساً بالجرم المشهود في جناية)
ومن خلال قراءة النص بتمعن سنجد انه تضمن عبارتين مختلفتين لها اثار متباينة، الأولى عبارة (مقاضاة) في عجز الفقرة (أ) والثانية عبارة (القاء القبض) في نص الفقرتين (ب ، ج) وهاتين العبارتين ليس بمعنى واحد، وانما لهما مقاصد مختلفة، وعلى وفق الاتي :
أولاً: دلالة ومعنى (مقاضاة):
ان تلك العبارة تعني المحاكمة ولا جدال في ذلك، لان المنظومة التشريعية العراقية او المقارنة من التشريعات العربية اشارت بصريح القول الى ان عبارة (المقاضاة) او رديفتها (التقاضي) التي تعني المحاكمة وسأشير الى بعضها على وفق الاتي:
1. وردت في الدستور العراقي النافذ عبارة (مقاضاة) في اكثر من موضع، كما وردت عبارة (التقاضي) الرديف لها بعنوان المحاكمة ومنها ما ورد في المادة (19/ثالثاً) التي جاء فيها (التقاضي حق مصون ومكفول للجميع) ثم اردف ذكرها في المادة (127) التي منعت رئيس الجمهورية ورئيس واعضاء مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ونائبيه واعضاء المجلس واعضاء السلطة القضائية واصحاب الدرجات الخاصة ان استغلال نفوذهم في الاستيلاء على الأموال الدولة العامة او ان يقاضوها عليها.
2. كما وردت في القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 في المادة (1025) والمادة (84) من قانون النقل العراقي رقم 30 لسنة 1983 والمادة (37) من قانون الشركات العامة رقم 21 لسنة 1997،
3. كما في القوانين الإجرائية، فإنها وردت بعنوان رديفتها عبارة (التقاضي) وتعني المحاكمة، حيث وردت في العنوان الرئيسي للكتاب الأول من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل حيث كانت بعنوان (التقاضي امام المحاكم)، وفي اكثر من مرة في ثنايا القانون، وهو القانون الام لكل قواعد الإجراءات سواء الجزائية او المدنية وحتى في القضاء الإداري والدستوري وعلى وفق احكام المادة (1) مرافعات التي جاء فيها الاتي (يكون هذا القانون هو المرجع لكافة قوانين المرافعات والاجراءات اذا لم يكن فيها نص يتعارض معه صراحة).
4. اما على مستوى التشريع الجزائي فان عبارة (التقاضي) رديف عبارة (مقاضاة) قد وردت بمعنى محاكمة في المواد (11و 12) من قانون أصول المحاكمات الجزائية والمذكرة الايضاحية له، وبمعنى المحاكمة. كذلك في الأسباب الموجبة لقانون العقوبات العراقي.
5. اما على مستوى قضاء المحكمة الاتحادية العليا فإنها اشارت في قرارات عديدة على ان التقاضي هو المحاكمة ومنها قرارتها العدد (203 لسنة 2021و 65/2021 و143/2018) وفي القضاء الاعتيادي فان محكمة التمييز تداولت عبارة (مقاضاة) في عشرات الاحكام التي أصدرتها وبمعنى المحاكمة.
ثانياً: دلالة عبارة (القاء القبض)
اما عبارة القاء القبض التي وردت في الفقرتين (ب، ج) من المادة (63/ثانياً) من الدستور، فإنها من الوضوح البين، بانها يتعلق بإجراءات تنفيذ قرار قاضي التحقيق او المحكمة التي تصدر قرار بألقاء القبض ضد أي متهم، بمعنى انها جزء من إجراءات المحاكمة، التي اشير اليها بعنوان التقاضي. وهذا يقودنا الى ان عبارة المقاضاة هي اشمل من عبارة القاء القبض،
ثالثاً: حصانة عضو مجلس النواب.
ومن خلال العرض اعله فان الأصل ان عضو مجلس النواب محصن من إجراءات التقاضي اثناء دورة انعقاد مجلس النواب، وبهذا المعنى فسرت المحكمة الاتحادية نص تلك العبارة في قرارها العدد 134/اتحادية/2017 في 27/11/2017 ، وجاء في القرار أعلاه بان لا يجوز مقاضاة عضو مجلس النواب مطلقا امام المحاكم الا بعد رفع الحصانة عنه من مجلس النواب،
وهذا التفسير ما زال نافذاً ولم يتم العدول عنه، اما العدول الذي اتى بموجب قرار المحكمة الاتحادية العليا بموجب قرارها العدد 90/اتحادية/2019 في 28/4/2021، لأنه يتعلق حصرا بتنفيذ امر القبض، وعلى وفق ما جاء في القرار أعلاه، وعلى وجه الخصوص ما ورد في نهاية الصفحة (9) وبداية الصفحة (10) من القرار الذي نشر في موقع المحكمة الالكتروني، حيث تعلق العدول بإجراءات تنفيذ امر القبض واتخاذ الإجراءات القانونية الواردة في الفقرتين (ب،ج) من المادة (63/ثانياً) من الدستور، ولم يتعلق بمقاضاة عضو مجلس النواب الواردة في الفقرة (أ) من المادة أعلاه.
مما يعني ان التفسير الوارد في قرارها العدد 134/اتحادية/2017 في 27/11/2017 المتعلق بالمقاضاة (المحاكمة) مازال نافذاً وملزما للجميع، ولا يجوز محاكمته الا بأذن مجلس النواب، سواء كانت إجراءات التحقيق معه تمت بموجب أوامر قبض او استقدام، لان النص الدستوري وان أشار حصرا الى تنفيذ امر القبض، الا انه لم يتطرق الى قرار استقدام عضو مجلس النواب المتهم باي تهمة كانت، لكن المنطق القانوني يدلنا الى ان امر الاستقدام يخضع لنطاق النص لان اوامر القبض والاستقدام ما هي الا وسائل القاضي او المحكمة بجلب المتهم الى المحكمة وينتهي اثر تلك القرارات بمجرد تنفيذها،
اما إجراءات التقاضي فإنها أوسع من ذلك، لإنها تتعلق بإجراءات المحاكمة التي أشار اليها تفصيلاً قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل، ويتضمن حقوق المتهم وكيفية محاكمته وأسباب الحكم والأدلة المعتمدة وغير ذلك.
رابعاً: الخلاصة
ان الحصانة الممنوحة إلى العضو وكما ذكر أنفا ليست أبدية، وإنما مرتبطة بصفته كنائب وليس بصفته الشخصية، فإذا انتفت منه الصفة البرلمانية لأي سبب كان، فان هذه الحصانة ستنتهي ويصبح تحت طائلة المسائلة القانونية مثله مثل أي فرد عراقي اعتيادي، إلا أن ذلك الأمر يختلف بحسب طبيعة الحصانة ونوعها،
فإذا كانت حصانة من الناحية الموضوعية المتعلقة عما يبديه من آراء وأفكار داخل مجلس النواب، فإنها تكون بمثابة إسقاط التهمة وإنها سبب من أسباب الإباحة، التي لا يسأل بموجبها النائب عن أي اتهام يوجه له من خلالها،
أما إذا كانت الحصانة من الناحية الإجرائية، فانها تتعلق بتوجيه الاتهام إلى النائب بارتكابه لج#ريم*ة يعاقب عليها قانون العقوبات او القوانين العقابية الأخرى مثل قانون مكافحة الار*ها*ب رقم (13) لسنة 2005 النافذ وغيره، فان الحصانة التي يتمتع بها النائب تكون مؤقتة وتنتهي بحالتين، الأولى عندما يقوم مجلس النواب برفعها عنه على وفق الأحكام القانونية والدستورية النافذة، او عندما يفقد شروط العضوية ويصبح خارج التشكيلة البرلمانية، وكذلك عند انتهاء الدورة الانتخابية التي قوامها أربع سنوات، فعندما تنتفي الصفة البرلمانية عن النائب لأي سبب مما ذكر فانه يخضع للمسائلة وتستأنف بحقه الإجراءات القانونية كأي فرد اعتيادي من أبناء الشعب العراقي ،
فضلا عن ذلك، فإن الجرائم بموجب القانون العراقي لا يشملها التقادم، بمعنى إن التهمة تبقى قائمة إلى حين تنفيذ أمر القبض بحق النائب وتقديمه للمحاكمة وإصدار قرار حكم قضائي بات ونهائي، أو بموته فان الدعوى الجزائية عند ذاك ستنقضي على وفق أحكام المادة (304) من قانون أصول المحاكمات الجزائية النافذ أو بصدور قانون أو مرسوم بالعفو على وفق أحكام المادة (305) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.
قاضٍ متقاعد

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب فقط، ولا تعكس آراء الموقع. الموقع غير مسؤول على المعلومات الواردة في هذا المقال.

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!